يستعرض ناصر لمجد في كتابه ''ناصر الدين ديني حياته وأفكاره 1929 1861، الصادر عن دار الخليل نهاية 2011، حياة الرّسام إتيان ديني، الذي تحدى الجميع ودخل الإسلام عن قناعة، في وقت كانت كراهية الغرب للمسلمين لا يضاهيها إلا القمع والإبادة، التي تعرض لها الشعب الجزائري وكل الشعوب إبان الاستعمار الأوروبي للمنطقة الإسلامية.
يقول لمجد في مقدمة كتابه، الذي عزّزه بلوحات رائعة لديني، ''روح العداء التي يضمرها الغرب لشخص ديني، بسبب اعتناقه للإسلام كان علنيا منذ 1913، وهو التاريخ الذي أعلن فيه إسلامه، حيث أغلقت الصالونات في وجهه، وحجبت الأوسمة والشهادات عنه، وتهاطلت عليه سهام المتعصبين من المستشرقين الغربيين''.
ويرجع الأستاذ ناصر لمجد اهتمامه بهذه الشخصية، التي أصبحت جزائرية بكل المقاييس، إلى أسباب عديدة، أهمها كما أورد، الافتراءات التي تطعن في أخلاق وشخص الرجل، التي تضمّنها كتاب صدر مؤخرا، بالإضافة إلى كل الاتهامات التي احتوتها العديد من المعاجم والموسوعات، التي انتزعت من الفنان العالمي حقه وشهرته وموهبته.
كما يحمل الأستاذ مسؤولية إهمال هذه الشخصية من قبل الكتاب والباحثين الجزائريين، خاصّة منهم المعرّبين، الذين لم يولوها الاهتمام الذي يليق بها، '' لأنه لم يكن مجرد رسّام فقط، بل كان كاتبا جهر بإسلامه في وقت كانت كل الأصوات خافتة. فبينما غاب إتيان ديني عن الذاكرة الجزائرية للكتاب والمختصين، نجد كتبا عنه بقلم عمر فروخ، وشيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود''.
ويرى ناصر لمجد في نفس السّياق، أن السبب الآخر الذي دفعه للتنقيب عن هذه الشخصية وتقديمها للقراء، هو انسياق بعض المثقفين الجزائريين وراء العداء الغربي لإتيان ديني، حتى إن هناك من اتهمه بالجوسسة، وهناك من يحاول تسويق صورته كفنان مسيء للذوق العام، واستظهار صور النساء العاريات دون غيرها من اللوحات، رغم أن هذه اللوحات لا تتعدى 30 من بين 541 أنجزها، ويتعامون عما فيها من تعرية للاستعمار، بل إدانة له في عشرات اللوحات التي أرّخت لفترة من أصعب الفترات في حياة الشعب الجزائري.
جريدة الخبر 27/12/2011
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفيصف دينيه كيفية تعرُّفه على الإسلام قائلاً: "عرفت الإسلام فأحسست بانجذاب نحوه، وميل إليه فدرسته في كتاب الله، فوجدته هداية لعموم البشر، ووجدت فيه ما يكفل خير الإنسان روحيًّا وماديًّا، فاعتقدت أنه أقوم الأديان لعبادة الله، واتخذته دينًا، وأعلنت ذلك رسميًّا على رءوس الملأ".
ردحذفإسهاماته
ألَّف إيتان دينيه بعد إسلامه العديد من الكتب القيمة، منها كتابه الفذُّ: (أشعة خاصة بنور الإسلام)، وله كتاب (ربيع القلوب) و(الشرق كما يراه الغرب) و(محمد رسول الله). وكان لحج "ناصر الدين دينيه" إلى بيت الله الحرام عام 1928م أثرُه في أن يؤلِّف كتاب (الحج إلى بيت الله الحرام) الذي امتدحه الأمير (شكيب أرسلان) بقوله: "أسلم وحجَّ وألَّف كتابًا عن حِجَّته إلى البيت الحرام من أبدع ما كتب في هذا العصر".
واشتمل كتاب (الحج إلى بيت الله الحرام) على مقدمة وسبعة فصول، وملحق ذي فصلين، تقع جميعًا في أكثر من مائتي صفحة، وقد حلاّها ناصر الدين بثماني صور من صنع يده للكعبة، والحرم الشريف، ومنظر الحج بعرفات، وصلاة المغرب حول الكعبة، وجبل النور الذي تلقَّى عنده الرسول الأمين الوحي عند نزوله أول مرة.
وقد تصدَّى كتابه لرحلات كل من الرحالة السويسري بيرك هارد في كتابه (رحلة إلى جزيرة العرب) سنة 1914م، والرحالة الإنجليزي بيرتون في كتابه (الحج إلى مكة والمدينة)، والرحالة الفرنسي ليون روش الذي قام برحلته إلى الحجاز بتكليف من الجنرال الفرنسي (بيجو)، وأصدر كتابه (عشر سنوات في بلاد الإسلام)، والرحالة الفرنسي لوب ليكو في كتابه (في بلاد الأسرار حج مسيحي إلى مكة والمدينة)، وجرفي كول تيلمون في كتابه (رحلة إلى مكة) سنة 1896م، وبلغراف في كتابه (سنة في بلاد العرب الوسطى).
وهو كتاب يُعَدّ مراجعة شاملة ومنصفة لكل الكتب السابقة، كشف فيه الأغراض المبيتة لرحلات المستشرقين، وأنصف - في الوقت ذاته - المستشرقين الذين تحرَّوا الصدق والدقة في كتاباتهم، كما عالج قضايا، مثل: المستشرقين والقرآن الكريم، المستشرقين واللغة العربية، الاستشراق والخط العربي والدعوة إلى الحرف اللاتيني، الاستشراق والشعر العربي.
وقد أحدثت كتبُه دويًّا في دوائر المستشرقين.
كما دافع عن الكتابة بالحروف العربية، مصورًا خطيئة الذين أرادوا إبدال خط آخر بها قائلاً: "الكتابة العربية هي أرقى نوع فني عرفه الإنسان، وأجمل خطّ يستطيع المرء أن يقول فيه من غير مبالغة: إن له روحًا ملائمة للصوت البشري، موافقة للألحان الموسيقية".
كما وصف الكتابة العربية بأنها: "عبارة عن مفتاح يكشف عن ألغاز الحركات القلبية الدقيقة، وكأنَّ حروفها خاضعة لقوة روح سارية، فتراها تارة تلتف مع بعضها على أشكال هندسية بديعة مع محافظتها على جميع الأسرار المودعة فيها، وطورًا تراها تنطلق وتقف بغتة كأنها معجبة بنفسها، وتارة تراها تنطلق جارية تتعانق، وتارة تتفرق".
ويضيف: "كلَّما تأملت في أشكالها الجذابة أخذت أفكاري إلى أحلام بعيدة، ولا يلزمني أن أكون مستعربًا ولا ساحرًا لأتمتع بجمالها الساحر الفريد، بل كل إنسان توجد فيه روح الفن تأسر قلبه هذه الكتابة".
ويؤكد أن الخط العربي يمتاز على سائر الخطوط بكتابته من اليمين إلى اليسار اتباعًا لحركة اليد الطبيعية، فنجد الكتابة أسهل وأسرع من الكتابات التي تكتب من الشمال إلى اليمين؛ ولهذا كان الفنان الكبير (ليوناردو دافينشي) يرسم ويكتب من اليمين إلى اليسار اتباعًا لقاعدة الخط العربي.
أقواله
"لقد أكَّد الإسلام من الساعة الأولى لظهوره أنه دينٌ صالحٌ لكل زمان ومكان؛ إذ هو دين الفطرة، والفطرة لا تختلف في إنسان عن آخر، وهو لهذا صالح لكل درجة من درجة الحضارة"
.
وبما أن دينيه كان فنانًا موهوبًا، فقد لفت نظره الجانب الجمالي والذوق الرفيع للحياة النبوية، يقول: "لقد كان النبي يُعنَى بنفسه عناية تامة، وقد عُرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال".
"إنَّ حركات الصلاة منتظمة تفيد الجسم والروح معًا، وذات بساطة ولطافة وغير مسبوقة في صلاة غيرها".
ويقول عن تعدد الزوجات: "إن تعدد الزوجات عند المسلمين أقل انتشارًا منه عند الغربيين الذين يجدون لذة الثمرة المحرمة عند خروجهم عن مبدأ الزوجة الواحدة!
وهل حقًّا أن المسيحية قد منعت تعدد الزوجات؟! وهل يستطيع شخص أن يقول ذلك دون أن يأخذ منه الضحك مأخذه؟!
إنَّ تعدد الزوجات قانون طبيعي، وسيبقى ما بقي العالم. إن نظرية الزوجة الواحدة أظهرت ثلاث نتائج خطيرة: العوانس، والبغايا، والأبناء غير الشرعيين".
وفاته
في ديسمبر سنة 1929م تُوفِّي (ناصر الدين دينيه) بباريس، وصُلِّي عليه بمسجدها الكبير بحضور كبار الشخصيات الإسلامية، ووزير المعارف بالنيابة عن الحكومة الفرنسية، ثم نُقِلَ جثمانه إلى الجزائر، حيث دُفِنَ في المقبرة التي بناها لنفسه ببلدة (بوسعادة) تنفيذًا لوصيته.
الرجاء من الاستاد ناصر لمجد ان يساعدنا في ايجاد كتاب حياة الفنان ناصر الدين ديني بقلم اخته جان رولانس ديني
ردحذفو هو مشكور ...و السلام عليكم.