الخميس، 14 مايو 2015

قراءة في مخطوطات ووثائق الثورة

بسم الله الرحمن الرحيم

جامعة زيان عاشور                                                             ولاية الجلفة
                                                                             
الملتقى  الوطني الأول حول:
مخطوطات الثورة التحريرية الواقع والآفاق
                                         1954-2014



                
نماذج من المكتبة القاسمية


إعداد
محمد فؤاد القاسمي الحسني
                                                                                 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب السماوات ورب الأرض رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد وآله وصحبه.

سادتي الأفاضل؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
بداية؛ أتقدّم بجزيل الشكر لمن شرفوني بالدعوة إلى المشاركة في هذا الملتقى العلمي، وأثنّي بالشكر لإدارة هذه الجامعة التي أولت في هذه الأعوام الأخيرة اهتماما بالغا بتراثنا المخطوط، مما ترك جميل الأثر في طلبة الاختصاص، وجميل الذكر في المحافل العلمية الدولية. فالعناية بالتراث عناية بالتاريخ، والعناية بالتاريخ تأسيس للمستقبل، وغير خافيكم ما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبويّة من القصص الأول، وكلّ ذلك إنّما هو للاعتبار وتصحيح المسار.
حدثني أحد المستشرقين[[1]]، أنه دعي إلى إلقاء محاضرة في جامعة الجزائر عن ابن خلدون، وللغربيين أساليبهم الخاصة في التعلّم والتعليم، فقبل موعد المحاضرة بأيام تجوّل بين طلبة الجامعة وتلاميذ الثانوي، وحتى في الشارع يسائلهم عن ابن خلدون من أين هو، فكانت أحسن الأجوبة أنه من تونس، ومن هنا اختار موضوع المحاضرة، وملخّصها: أنّ ابن خلدون ألّف كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر، وألّف شفاء السائل لتهذيب المسائل، وألّف شرح البردة، وألّف في الحساب، ولكن الذي اشتهر من كتبه، وخلّد ذكره، وأسّس به لعلم الاجتماع، إنما هو كتاب المقدمة، الذي كتبه في الجزائر، من وحي الجزائر، وبإلهام الجزائر، لذلك يجب أن ينسب ابن خلدون إلى الجزائر، ويجب أن يتعلّم أبناء الجزائر هذا ليكون لهم حافزا وقدوة ويرفع هممهم عاليا.
ومن هنا يجب علينا التنويه بكلّ من يسعى إلى المحافظة على تراثنا وتاريخنا على العموم، وعلى الوثائق والمخطوطات خاصة، لما في ذلك من حفاظ على هويتنا الجزائريّة بكلّ أطيافها، شراب واحد مختلف ألوانه.
وفي هذه العجالة لا يتأتّى لي اتباع المناهج العلمية في تسلسل الأفكار بالتعريف بالوثيقة والمخطوط لغة واصطلاحا، ومكانة المكتبات في الأمم والحضارات وما إلى ذلك، فهي متاحة في كثير من كتب الاختصاص[[2]]، ولكن  نشير فقط إلى أنّ خطوط العلماء والأعلام هي بمثابة الصور لهم الآن، وقد قال خير الدين الزركليّ في مقدمة كتابه الأعلام: "والخطوط، إلى جانب قيمتها الأثريّة، فِلَذٌ من أرواح أصحابها أبديّة الحياة، يكمن فيها من معاني النفوس، ما لا تعرب عنه صور الأجسام..." [[3]].
لذلك اخترنا من المكتبة القاسمية في زاوية الهامل نماذج، منها ما يدل على تواصل المقاومة منذ بدئها وباستمرار مع هذه المؤسسة، إلى غاية ثورة التحرير واستقلال الجزائر، ومنها ما يدلّ على مدى عناية هذه المؤسسة بالحفاظ على هذا الموروث التاريخي والثقافي المهم.
ونبدأ بثلاثة مخطوطات أولها مصحف شريف مخطوط كتب خصيصا للشيخ محمّد أمزيان ابن الحداد، سنة 1266 هـ (1850) وبعد انتهاب الفرنسيّين لزاويته، وجده ابن أبي مزراق المقراني يباع في باريس فاشتراه وأهداه لشيخ زاوية الهامل عام 1344 هـ (1925) [[4]]. والثاني مجموعٌ كُتِب أيضا سنة 1266 هـ (1850) بطريقة عجيبة متناهية في الدقة، ذلك أن ناسخ هذا المجموع أحد الأسرى مع الأمير عبد القادر في أمبواز بفرنسا، وعليه تملّك أحمد المجاهد بن محمّد بن عبد القادر أبو طالب المتوفى سنة 1308 هـ (1890)[[5]]. والأخير هو تفسير الخازن، وعليه وقف الشيخ محمّد بن أحمد المقراني قائد ثورة 1871هـ. على مؤسس زاوية الهامل بتاريخ 1287 هـ (1870) أي عاما قبل من ثورته رحمه الله [[6]] .
أمّا في الوثائق فهناك رسائل الأمير عبد القادر الجزائري، التي أرسلها إلى مؤسس زاوية الهامل الشيخ سيّدي محمّد بن أبي القاسم الشريف الهاملي، إحداها بخط يده، والثانية بخط كاتبه، ورسالة منه إلى السيد المهدي بن محمّد الشريف، والأخيرة منه إلى أحد أتباعه هنا في الجزائر أثناء مقاومته. ثمّ من بعده رسائل أبنائه الأمير محمد الهاشمي، في ثلاث رسائل منه إلى الشيخ محمّد بن أبي القاسم، ثم الأمير عليّ بن الأمير عبد القادر.
ثمّ نجد رسالة من الشيخ محمّد أمزيان بن عليّ ابن الحدّاد، القائد الروحي لثورة 1871، وهذه الرسالة بالذات عثرت عليها في إحدى مخطوطات الشيخ المؤسس مطوية بشكل يستبعد معه أن تكون رسالة، وطبعا كان ذلك من بين التحريات الأمنية، وحين عرضتها في معرض المخطوطات بوزارة الثقافة سنة 1999 توقف عندها الشيخ عبد الرحمن شيبان مليّا، وقال لي إنّ فرنسا كانت تزعم أنّ الشيخ ابن الحدّاد أميّ لا يقرأ ولا يكتب، وهذه الرسالة تفنّد مزاعمها، ومنه رحمه الله عرفت أنّ هذه الرسالة هي كلّ ما تبقّى من أثره بخط يده على ما بلغنا والله أعلم. كما نجد أيضا رسالة من الشيخ محمّد بن أحمد المقراني قائد ثورة 1871، إلى شيخ زاوية الهامل بخطّ يده.
وفي بداية القرن العشرين نجد رسائل عديدة من روّاد الفكر السياسي والديني في الجزائر كالزعيم مصالي الحاج والشيخ ابن باديس والشيخ الإبراهيمي والشيخ الزاهري والشيخ النعيمي والشيخ الحافظي، والشيخ توفيق المدني والشيخ ابن الفخار والشيخ أبو اليقظان والشيخ بيوض وغيرهم...
أمّا وثائق ثورة التحرير التي حفظتها المكتبة القاسمية فكلها متعلّق بالعمل النضالي لوالدي الشيخ خليل القاسمي رحمه الله، الذي التحق بها بُعيد اندلاعها، وأوّل اتصال مباشر له بالثورة كان بقائد ولاية الصحراء الشهيد سي زيان عاشور، ثم توالى مع سي الحواس وسي شعباني، لذلك نجد هذه الرسائل ممتدة من حيث الزمان على مدى سنيّ الثورة، ومن حيث المكان، فما بين الولايات الأولى والرابعة والسادسة أو منطقة الصحراء.
ولا شكّ أنّ أهمّ الرسائل هي الرسائل الواردة من قادة جيش التحرير، سواء بخطوطهم أو بتوقيعاتهم، مع ما تقتضيه سريّة الثورة من ترميز وتشفير وتعتيم، وهو ما غلب على كثير من اتصالات الثوّار، إلاّ ما وضح لنا، ومن ذلك رسالة بخط وتوقيع الشهيد سي زيّان عاشور، مع وصلين بخطه أيضا يثبتان استلامه مبلغ مليون وأربعمائة ألف فرنك فرنسي دعما من زاوية الهامل لجيش الصحراء، ونحسب أن هذه الرسالة هي كلّ ما بقي من أثره المكتوب رحمه الله تعالى. [[7]]
كما نجد رسالتين مهمّتين، ولكن تقرآن بصعوبة لتأثير الرطوبة عليهما مدّة خزنهما أثناء الثورة تحت التراب، وهما من العقيد أحمد بن عبد الرزاق سي الحواس في الفترة التي تزامنت مع تقسيم الولايات.
وأيضا رسالة مهمة بخط الرائد سي عمر إدريس، رحمه الله، قبل تقسيم الولايات. بختم جيش التحرير الوطني، منطقة الصحراء.
بالإضافة إلى رسائل عديدة من الملازم الأول محمد الحاج، المدعو حمه الحاج، رحمه الله، والصاغ الأول أو الرائد سي الشريف خير الدين، حفظه الله، والمسؤول عن القسم الثاني نيابة عن القيادة بجنوب الجزائر عبد السلام، والمساعد علي قوجيل، رحمه الله، والمساعد محمّد كحللش، والضابط الطاهر العجال، والضابط سعيد عبادو، حفظهما الله.
يضاف إلى ذلك توصيات وقرارات وقوانين مرقونة ومخطوطة؛
منها قانون الدفتر بتوقيع وختم الضابط الثاني أحمد بن عبد الرزاق (سي الحواس)، وقانون الجيش، بتوقيع الصاغ الثاني أحمد بن عبد الرزاق أيضا بختم ولاية الصحراء. ومنها قانون تنوير الرأي العام، بعد توقيف القتال، بتوقيع الضابط الثاني محمّد شعباني رحمه الله، وختم ولاية الصحراء. مؤرخ في 10/6/1961. وأيضا نداء من أركان الحرب في الولاية السادسة، غير مؤرخ، بمناسبة الخامس جوليت، يستنهض الشعب، بتوقيع الضابط الثاني محمّد شعباني.
ومن أهم المخطوطات المحفوظة بخزانة الوالد في المكتبة القاسمية سجلّ بأعضاء جيش التحرير الوطني، في الولاية السادسة، المنطقة الثالثة، الناحية الأولى، الكتائب من الأولى إلى الخامسة، سجلّ فيه رقم المجاهد، واسمه، ولقبه، وتاريخ ازدياده، ومكان الازدياد، ومكان السكن، واسم المشتى أو الدوّار والمقصود به القرية، واسم الحوز والمقصود به المنطقة، وعدد أفراد عائلة المجاهد، وتاريخ تجنيده، والوسام والمقصود الرتبة، ونوع السلاح الذي يحمله، ورقم السلاح، واختصاص المجاهد في الحياة المدنية، ثمّ خانات متروكة لتاريخ الاستشهاد، أو الإصابة، أو الأسر، ثم رقم الفيلق الذي هو مجنّد ضمنه، ثمّ رقم الكتيبة، ثمّ رقم الفرقة، ثمّ رقم القسمة، ثمّ رقم الفوج،  ثمّ قسمة التجنيد التي التحق بها أولا، ثمّ خانات متروكة لحالات الانتقال من منطقة إلى منطقة، وتاريخ الانتقال.
يضمّ هذا السجل أسماء أكثر من مائتي مجاهد، عرضناه أيضا في قصر الثقافة بالعاصمة، وتوقّف عنده أيضا مجموعة من جيش التحرير، وكان من بينهم أعضاء في المركز الوطني لكتابة تاريخ الثورة، وقال لي أحدهم لو لم يكن هذا السجل عندكم أنتم لما سمحنا بذلك، ولو لم يكن هذا السجلّ عندكم أنتم لما بقي منه أثر. 
نعم؛ هذا هو دورنا، وهذه هي مهمّتنا، نؤدّيها بكلّ إخلاص إن شاء الله، ولقد مكنّا المركز الوطني للأرشيف بصور عن معظم هذه الوثائق وغيرها. ثمّ جمعنا أهمّها في كتاب وثائق تاريخية من المكتبة القاسمية صدر في العام الماضي، كما نشرنا من قبله فهرسة لكل مخطوطاتها.

أكرر شكري، والسلام عليكم


محمّد فؤاد بن الخليل القاسمي الحسني



[[1]]  وهو مدير قسم الدراسات الشرقية بجامعة صوفيا بطوكيو، اليابان.  
[[2]]  وينظر إلى دور الخواص في حماية الممتلكات الثقافية، التراث المخطوط نموذجا، إصدار وزارة الثقافة، 2014. الجزائر. وفيه مقدّمة الأستاذ الفاضل لخضر درياس موجزة مفيدة بعنوان رحلة المخطوط في الجزائر بين كثرة المخاطر ونقص الصيانة، وفيه يعرض إلى المخطوطات عبر العصور في الجزائر، وأحيل أيضا إلى عملنا المتواضع الموسوم بوثائق تاريخية من المكتبة القاسمية محمد فؤاد، دار الخليل القاسمي للنشر والتوزيع، 2013، الجزائر
[[3]]  الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين الطبعة السابعة  1986.  
[[4]]  كتب الشيخ أبو القاسم شيخ زاوية الهامل آنذاك، أنّه كافأ مهديه بمبلغ 170 دورية، وهو ما يعادل نحو مائة ألف دينار بتقويمنا الحالي.  
[[5]]  وهو من عائلة الأمير عبد القادر. عنه ينظر تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور سعد الله: 4: 483.  
[[6]]  عنه ينظر تاريخ الجزائر المستعمرة: 23، 122..  
[[7]]  المبلغ يساوي تقريبا 28000 يورو، يعني نحو أربعة ملايين دينار بتقويمنا الحالي ، 2014.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق