الخميس، 9 مايو 2013

بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لوفاة الشيخ سيدي محمّد بن محمّد بن أبي القاسم القاسمي الحسني 09/05/1913 – 09/05/2013


ترجمة الشيخ سيدي محمد بن الحاج محمّد القاسمي الحسني
بإملاء الشيخ سيدي محمّد بن عبد الرحمن الديسي

هو العلاّمة العارف المتحلّي بالفضائل واللطائف، الكريم الأخلاق الطيّب الأعراق، الجميل الصورة والسيرة، النافذ البصيرة والطيب السريرة، الشيخ سيّدي محمّد القاسمي ابن أخ شيخ الإسلام وقطب الأنام ومعدن البركات والأسرار ومنبع المعارف والأنوار، أستاذنا وملاذنا الشيخ سيّدي محمّد بن أبي القاسم الشريف الرحيمي البوزيديّ الإدريسيّ الحسنيّ قدّس الله روحه، وسقى بغيث الرحمة ضريحه، تربّى في حجره وتحت نظره، فأحسن تأديبه وأكمل تربيته وتهذيبه فخرج بنظره إكسيرا نافعا وللمكارم والمحاسن جامعا، حفظ القرآن في حداثة سنّه وشرع في مبادئ التعلّم، ولمّا جذبتني يد العناية الربانيّة إلى الحضرة الشريفة المباركة القاسميّة سنة 1296 ست وتسعين مائتين وألف، أمرني الأستاذ رضي الله تعالى عنه بملازمته وعدم مفارقته، وكان رضي الله عنه يحبّه حبّا شديدا، ويغتبط به اغتباط أمّ الواحد بواحدها، وببركة الحضرة القاسميّة الشريفة وبنظرته وهمّته حصل في زمان قليل ما لم يحصله غيره في الأمد الطويل، وكنّا نقرأ أغلب الدروس بحضرته رضي الله تعالى عنه من نحو وبيان وكلام ومنطق وفلك ونحوها، وفي الحقيقة لست أنا المعلّم والمقرئ بل الشيخ هو الممدّ لي وله، ولا يتعسّر علينا فهم شيء من المسائل وأوجّه الهمّة لباب الأستاذ إلاّ ويفتح الله فيها وكأنّني أحسّ باتصال نور واصل لي من حضرة الشيخ، وتارة أشاهد ذاته كلّها نورا، وتارة أشاهدها جوهرة نورانية، وحصل لي من الاتصال المعنوي بحضرة الأستاذ رضي الله تعالى عنه ما لا يدخل تحت نطاق التعبير، وهذا من باب التحدّث بالنعمة.
وقد تخرّج السيّد المترجم بشرف همّته وتعلّقه بمعال الأمور وهمّة الأستاذ رضي الله تعالى عنه في فنون عدّة، فأتقن مختصر الشيخ خليل إتقانا لا مزيد عليه بحيث لا تصعب عليه مشكلاته، وله اقتدار عجيب على إلقاء الدروس وتقرير المسائل بفصاحة عجيبة بحيث أنّ كلّ من يسمع درسه يتعجّب من حسن تعبيره، فقد ذلّل الله له صعاب المسائل فيوصلها لأذهان الطالبين بسهولة، وله مشاركة حسنة في النحو والبيان والمنطق والكلام، يدرّس الألفية والجوهر المكنون والسلّم والصغرى والجوهرة والفرائض والمقنع، فانتفع بتدريسه كثير من الطلبة وصاروا ببركة الأستاذ وبركته محصلين محققين.
وبعد أن حصل الأستاذ رضي الله تعالى عنه بعض آلام كان هو قارئ حضرته ومدرّسها، فقرأ بحضرته عدّة كتب من حديث وتفسير وكتب القوم وكتب الطبقات وبعض كتب التاريخ، عدّة سنوات.
وقد خصّه الله تعالى بفهم أسرار القرآن فيتكلّم على الآيات الشريفة بلسان الحقيقة كلام عارف كامل جامع بين الشريعة والحقيقة، من يقف عليه لا يشكّ أنّه من كلام أكابر العارفين كابن العربي والقاشاني، ولو لم يكن بيديه في الحال وفي أيّ آية شاء الكلام عليها لقلنا أنّه ناقل.
وله ذوق عجيب في الأحاديث النبويّة، وفهم دقيق في إشارات القوم، وله مراء تدلّ على أنّ له مقاما وقدما في المعرفة. وممّا خصّه الله به سلامة الصدر وحمل الأذى ، وقد طهّر الله قلبه من الكبر والحقد والحسد، وغالب الوافدين على الشيخ من الأعيان والفضلاء هو الوسيلة لهم في ملاقاة الشيخ وإقباله عليهم لما جبله الله عليه من حسن الأدب ولطافة الأخلاق.
فقدّس الله تلك الروح الطاهرة وأفاض عليها سجال الرحمة والإحسان ونعّمها في أعلى فراديس الجنان، آمين
وقد رثيته بمرثية تشير إلى بعض أوصافه وأحواله وإن كانت لا تفي بمحاسنه وكماله، وهي:

أَيَا صَدْرَ الأَفاضِلِ والأَماثِلْ
ويا زَيْنَ المَدارِسِ والنَّوادي
ويا جَمَّاعَ أَشْتَاتِ المَعالِي
ويا ذا الهِمَِّة الشَّما المُرجَّى
ويا قَسَّ الفَصَاحَةِ في بَيَانٍ
ويا كَهْفَ الَيَتامَى والأَيامَى
ويا بَحْرَ المَعَارِفِ والمَعَانِي
ويا حَلاَّلَ مُشْكِلِ كُلِّّ عِلم
ويا كشّاف أسْرار المثانيْ
ويَا ذا الذَّوْقِ والفَهْمِ المُصَفَّّى
وكان يَسُرُّني ويَزيدُ فَخْري
وكُنْتَ الغَوْثَ في دِينٍ ودُنْيا
سَرِيٌّ ماجِدٌ عَذْبُ السَّجايَا
دَهَتْنا به المَنُونُ وما دَرَيْنا
فَصَبْرًا في مَجَالِ المَوْتِ صَبْرًا
فَيَا لَهْفِي عليه بِأَلْفِ لَهْفٍ
ويَا حَزَنِي عَلَيْهِ بِلا تَقَضٍّ
ويا قَلْبي المُقَلَّبَ في احْتِراقٍ
فَلا أَنْساكَ يا حِبِّي وَأُنْسِي
لِتَبْكِيكَ المُروءَةُ والمَزايا
سَقَى الرَّحْمَنُ رَمْسَكَ صَوْبَ غَيْثٍ
وأَسْكَنَكَ الفَرادِسَ في نَعيمٍ
وَأَحْسَنُ ما أُؤَرِّخُهُ بِجُودٍ

ويا بَدْرَ المَجالِسِ والمَحافِلْ
ويا فَخْرَ المَواكِبِ والجَحافِلْ
ويا فَرْدَ الفَضائلِ والفواضِلْ
لِيَوْمِ كَريهَةِ ورَجاءِ آمِلْ
ويا فَتَّاحَ مُعْضِلَةِ المَشَاكِلْ
ويا عِزَّ العَواجِزِ والأَرامِلِ
ويا حَبْرَ الشَّوَارِدِ والنَّوَازِلْ
ويا درّاك أغوار المسائل
وفي عِلْمِ الحَقَائِقِ لا تُساجَلْ
فبَعْدَكَ مَنْ أُباحِثُ أو أُسائِلْ
سُكُوتُ الحاضِرينَ وأنْتَ قائِلْ
فَبَعْدَكَ مَنْ يُنَافِحُ أَوْ يُنَاضِلْ
رَحِيبُ الصَّدْرِ حَمَّالُ الجَلائِلْ
بِأَنَّ المَوْتَ يَعْتَامُ الأَفاضِلْ
فَقَدْ أَفْنَى الأَوَاخِرَ والأَوَائِلْ
ويا أَسَفِي على الشَّهْمِ الحُلاحِلْ
ويَا وَجْدِي به وَجْدَ الثَّوَاكِل
ويا كَبِدِي المُفَتَّتَ بالمَناصِلْ
ومَنْ يَنْساكَ يا حُلْوَ الشَّمَائِلْ
ويَبْكيكَ الكَمَالُ وَكُلُّ كامِلَ
مِنَ الرَّحْمَنِ هَامِي المُزِْنِ هاطِلْ
مَعَ الأَبْرَارِ في أَعْلَى المَنَازِلْ
يَحُلُّ مُكَرَّمًا خَيْرَ المَناهِلْ



تتمة
لا أضيف شيئا بعد كلام الشيخ سيدي محمّد بن عبد الرحمن الديسي إلاّ هذا التقييد المختصر:
الشيخ محمّد بن محمّد بن أبي القاسم القاسميّ الحسنيّ: 1278 ­ 1331 هـ / 1824 ­ 1913 م
ولد في قرية الهامل، كفله عمّه الشيخ سيدي محمّد بن أبي القاسم، وعلّمه، فتفقّه علىيديه، ثمّ لزم الشيخ محمّد بن عبد الرحمن الديسيّ، فأخذ عنه عدّة فنون، كما أخذ عن الشيخ عاشور الخنقي، والشيخ محمّد المكيّ بنعزوز، وغيرهم من العلماء، فبرز في علوم شتّى. تولّى عموم أمر زاوية الهامل بعد وفاة ابنة عمّه السيّدة زينب عام 1904 . فنهض بها نهضة علميّة استرعت اهتمام العلماء في المشرق والمغرب، فكاتبوه وزاروه، واستجازوه وأجازوه، وكوّن بذلك علاقات علميّة وأدبيّة واسعة في شتى الأقطار الإسلاميّة، وكان من أوائل المحاضرين في المدرسة الثعالبية بالعاصمة، توفي في زاوية الهامل، تاركا تآليف منها "الزهر الباسم" مطبوع في تونس 1890، و"المطلب الأسنى" أيضا مطبوع، ورسائل عديدة في الفتوى والتفسير والأدب.
خلف أبناء نذكر منهم الشيخ مصطفى تولى مشيخة زاوية الهامل من 1928 إلى 1970، والشيخ حسن تولى مشيخة الزاوية من 1970 إلى 1987، وأيضا الشيخ أبو القاسم الرضى والشيخ محمّد والشيخ الأمير. كما تولّى من أحفاده مشيخة الزاوية الشيخ الخليل بن مصطفى من 1987 إلى 1994، والشيخ المأمون بن مصطفى منذ سنة 1994 إلى اليوم حفظه الله وأيّده
المراجع: ترجمه محمد علي دبوز في نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة: 1: 80. وعبد المنعم القاسمي في زاوية الهامل مسيرة قرن: 313-317. وفؤاد القاسمي في فهرس مخطوطات المكتبة القاسمية: 503.
كما ذكره الزركلي في الأعلام: صاحب الزهر الباسم. 7: 9 . والكتاني في فهرس الفهارس: وفيه البوسعادي 1: 35. والحفناوي في تعريف الخلف: 2: 352. ونويهض في أعلام الجزائر: 335 . وحشلاف في سلسلة الأصول: 73 . والجيلاني في المرآة الجليّة: 323 . وابن بكار في مجموع النسب: 157 . وسعد الله في تاريخ الجزائر الثقافي: 7: 445. وإسماعيل باشا في هديّة العارفين: 3: 616.
وفيما لا يزال مخطوطا ترجم له الشيخ محمّد بن عبد الرحمن الديسي، والشيخ الحاج ابن السنوسي في ترجمة مستقلة، وأخرى ضمن ترجمته للديسي، وأيضا الشيخ المكي القاسمي في رسالته عن تاريخ الزاوية، وكذلك الشيخ خليل القاسمي في أجوبته لمحمد علي دبوز وجاك بيرك.

        







هناك تعليق واحد: