الاثنين، 23 مارس 2009

الوصيّة الجليّة للسّالكين طريق الخلوتيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

الوصيّة الجليّة للسّالكين طريق الخلوتيّة

للشيخ سيّدي أبي المواهب قطب الدين مصطفى بن كمال الدين بن عليّ البكريّ الخلوتيّ الحنفيّ

المتوفّى سنة 1162 هـ / 1749 م

الإيداع القانونيّ: 2608-2005

الرقم الدوليّ: 9-5-9604-9961 ISBN:

الرقم الموضوعيّ: 260.

الموضوع: تصوّف.

العنوان: الوصيّة الجليّة للسّالكين طريق الخلوتيّة.

المؤلّف: قطب الدين مصطفى بن عليّ البكريّ.

تعليق: محمد فؤاد القاسمي الحسني

عدد الصفحات: 32.

حجم الصفحة: 15×22.

الطبعة: الأولى 1425/2005

الغلاف: صورة من الصفحة الأولى من المخطوط.

جميع الحقوق محفوظة لدار الخليل القاسميّ للنشر والتوزيع.

ص . ب: 86. بوسعادة. ولاية المسيلة 28200. الجزائر. الهاتف: 81 09 25 0777. 035523535


تمهيد

الحمد لله ربّ السماوات وربّ الأرض ربّ العالمين، وله الكبرياء في السماوات وفي الأرض وهو العزيز الحكيم، وأفضل الصلوات وأزكى التسليم على سيّدنا ومولانا ومرشدنا محمّد وآله أجمعين. وبعد؛ فالخلوتيّة سبيل من سبل الله التي يهدي إليها من جاهد فيه من عباده المخلصين، فأَنْعِم بها من سبيل، وأَنْعِم برجالها. وها هي أُسُسُها ملخّصة بقلم أحد أُسُسِها:

مصطفى البكريّ الصدّيقيّ شيخ الطريقة الخلوتيّة 1099 ­ 1162 هـ / 1688 ­ 1749 م

وهو أبو المعارف قطب الدين مصطفى بن كمال الدين بن عليّ، البكريّ الصدّيقيّ، الخلوتيّ طريقة، الحنفيّ مذهبا. ينتهي نسبه إلى طلحة بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنهم. متصوّف، من العلماء، كثير التصانيف والرحلات والنظم. ولد بدمشق في ذي القعدة 1099 هـ، ورحل إلى القدس الشريف سنة 1122 هـ واستوطنه زمنا. وزار حلب وحمص وحماة والموصل وطرابلس الشام ونابلس وبغداد وديار بكر وصفد، والقسطنطينيّة سنة 1148 هـ وفيها اعتكف على التأليف والنظم، والحجاز حاجّا رفقة الشيخ حسن الجيوشيّ المقدسيّ. والقاهرة والاسكندريّة ودمياط. طلب العلم على يد الشيخ عبد الرحمن السليميّ المجلّد، والشيخ أبي المواهب الحنبليّ، والشيخ محمّد الدكدكجي، والشيخ إلياس الكورانيّ والشيخ محمّد الحبال والشيخ عثمان الشمعة والشيخ عبد الرحيم الطواقيّ والشيخ إسماعيل العجلونيّ والشيخ عبد الرحيم الكابليّ والشيخ محمّد البديريّ الدمياطيّ والشيخ نجم الدين الرمليّ والشيخ أحمد الغزّيّ والشيخ مصطفى بن عمر وغيرهم. ومن أهل مصر عن الشيخ محمّد البديريّ والشيخ محمّد بن عقيلة والشيخ أحمد النخليّ والشيخ عبد اللّه البصريّ، ومن القسطنطينيّة عن الشيخ محمّد التافلاتيّ الذي بادله الإجازة. ولازم الأستاذ عبد الغنيّ النابلسيّ، وأخذ الطريقة الخلوتيّة عن الشيخ عبد اللّطيف الحلبيّ الخلوتيّ، ولقّنه الأسماء، وعرّفه الفرق بين الاسم والمسمّى، ثمّ أذن له فيما بعد بالمبايعة والتخليف إذنا عامّا، فبايع على الطريقة بحياة شيخه، وبعد وفاته بايعه طلاّب الشيخ خليفة له. وأخذ الطريقة القادريّة عن الشيخ ياسين القادريّ الكيلانيّ شيخ الطريقة القادريّة بحماة. وأخذ الطريقة النقشبنديّة عن الشيخ مراد المراديّ النقشبنديّ ولقّنه الذكر ودعا له. وأخذ عنه جمع غفير أجلّهم الشيخ محمّد بن سالم الحفنيّ، من مصر. والشيخ أحمد بن أحمد خطيب الخسرويّة المعروف بالبنيّ، من حلب. وفي سنة 1160 هـ، سافر من القدس إلى مصر واستأجر دارا قرب الجامع الأزهر، وأقبل على الإرشاد في البلدان حتّى لقي الله. وكانت وفاته بالقاهرة، ليلة الاثنين 8 ربيع الثاني 1162 هـ، ودفن بتربة المجاورين. مؤلّفاته عديدة، قال المراديّ: "بلغت مئتين واثنين وعشرين مؤلّفا، ما بين مجلّد، وكرّاستين، وأقلّ وأكثر، وله نظم كثير وقصائد جمّة خارجة عن الدواوين، تقارب اثني عشر ألف بيت". طُبع من كتبه: «السيوف الحداد في أعناق أهل الزندقة والإلحاد» و«الذخيرة الماحية للآثام في الصلاة على خير الأنام» و«الصلاة الهامعة بمحبّة الشيخ الجامعة»، و«بلغة المريد ومنتهى الموفّق السعيد» أرجوزة في التصوّف، و«فوائد الفرائد» منظومة في العقائد، شرحها الشيخ الدردير، و«اللمحات» وفي شرح صلوات ابن مشيش، و«منظومة الاستغفار»، و«المنهل العذب السائغ لورّاده في ذكر صلوات الطريق وأوراده».[1]

وصف المخطوط تاريخ النسخ: 13 ذو القعدة 1296 هـ. الناسخ: عبد القادر بن ابراهيم بن سعد المحمّدي النائلي. الخط: مغربي. المداد: صمغ وحبر أحمر. الأوراق: 10. الأسطر: 20. كلمات السطر: 10. الورق: 5/1. المقاس: 215/160. الـنّــص: 180/105. التجليد مستحدث. رقم: 28/2ن، في فهرس مخطوطات المكتبة القاسميّة. ووقوفا عند ما التزمناه، من نشر تراثنا الإسلاميّ، بدا لنا أن نقدّم لقرّائنا هذا العمل، معتذرين عمّا تعذّر علينا من مقابلة هذه النسخة بغيرها، منبّهين في البدء إلى أنّنا قمنا بإضافة بعض الكلمات والحروف، مثل: قال، ومن، وفي، كلّما اقتضى السياق ذلك، وجعلناها بين قوسين [...]. كما حذفنا أبياتا غير تامّة، أو مختلّة الوزن والمعنى. وأضفنا فقرة سقطت من النسخة المعتمدة نقلا عن نسخة أخرى غير مستوفاة، وأشرنا إلى ذلك في الهامش. وقمنا بتخريج الآيات ومعظم الأحاديث الواردة في المتن تخريجا يشير فقط إلى الراوي، ما يدلّ على ثبوتها في كتب الحديث، مستقين ذلك من كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. الناشر الوصيّة الجليّة للسّالكين طريق الخلوتيّة للشيخ سيّدي أبي المواهب قطب الدين مصطفى بن كمال الدين بن عليّ البكريّ الخلوتيّ الحنفيّ قدّس الله سرّه. الحمد للّه الذي نعمه لا تحصى، وآلاؤه الجميلة لا تستقصى، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد، الذى أسرى به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، نبيّ بأنوار طلعته بارق الدين خصّصا، وعلى آله الطاهرين وأزواجه من على فضلهم الحقّ في كتبه نصّا، وعلى أصحابه الذين اهتدوا بأنوار شريعته واتّبعوه ونالوا القرب بمتابعته، وكلّ منهم بجميل الثناء على ذاته احتوى، وسلّم تسليما، وبعد. فيقول العبد الفقير، العاجز الحقير، تراب الأقدام وخادم الخدّام، مصطفى بن كمال الدين الصدّيقيّ نسبا، الخلوتيّ طريقة، الحنفيّ مذهبا، لمّا منّ اللّه سبحانه وتعالى عليّ بزيارة بيت المقدس الأقدس، المنزّه السامي النفيس الأنفس، ثمّ منّ عليّ بزيارة كليمه موسى عليه السلام، وأولاده الكرام، وبقيّة الأنبياء الأعلام، ثمّ بزيارة الأنبياء الذين في جبل نابلس[2]، حين ذهابي لزيارة الشيخ عليّ بن خليل الغمريّ، قدّس اللّه سرّه، ثمّ بعد ذلك قضى بتوجيهي إلى نحو أراضي دمشق الشام، المحفوفة باللطف والإنعام، كان مدّة بقائي في بيت المقدس ستّة أشهر وبعض أيّام، وذلك لأنّي خرجت من الشام في تسعة عشر من المحرّم الحرام، سنة اثنين وعشرين ومائة وألف، ودخلت بيت المقدس في التاسع والعشرين، في أوائل شعبان المبارك من السنة المذكورة، وكان قد اتّصل بطريقتنا الخلوتيّة[3] جماعة، فلمّا أردنا التوجّه قصدنا أن نتحفهم بوصيّة مختصرة، جامعة لغالب أركان الطريق، لتكون منبّهة لهم فيما يحتاجونه من التخلّق بأخلاق أولئك، واللّه أسأل أن ينفع بها من طالعها وعمل بما فيها من الإخوان، وأن يجعلها سببا لجذبهم إلى نيل مقامات الإحسان، إنّه سبحانه على كلّ شيء قدير، وبعباده خبير بصير، وسمّيتها «الوصيّة الجليّة للسّالكين طريقة الخلوتيّة»، فأقول، ومنه سبحانه أرتجي نيل القبول: اعلموا إخواني، وفّقني اللّه وإيّاكم لسلوك طريق المقرّبين الأخيار، وعصمنا من الزيغ[4] عن الشريعة المحمّديّة والاغترار، أنّ طريق السادات العارفين من أهل الحقّ والطريق المبين، رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين، غيب غير محسوس ولا مشهود، وسلوكه بالقلوب، لأنّه من الغيوب، فيجب على المريدين التصديق بآثاره، والإذعان لسطعات أنواره، مع الجدّ والاجتهاد، والتوجّه الكليّ والاستعداد، لأنّ سلوكه يصعب على النفوس، لكونه علم ذوق[5] لا يسطّر في السطور. ومثال السالك[6] فيه كمثال السائر في طريق الحجّ، لا بدّ له من ترك مألوفاته، وهذا كذلك، ثمّ يترك الأهل والأوطان، رغبة في رضا الملك الديّان، وكذلك هنا، لا بدّ له أن لا يلتفت إلى أهل ولا أوطان ولا أصحاب ولا خلاّن[7]، بل لا بدّ له من تغيير الأنفاس والجلوس والجلاّس ليصير من الأكياس[8]. ثمّ لابدّ له من زاد، وهو هنا التقوى، لقوله عزّ من قائل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىَ} [البقرة: 197]. ولا بدّ له من سلاح ليضرب به عدوّه، وهو هنا الذكر[9]، ولا بدّ له من مركوب حتى يهوّن عليه الطريق، وهنا المقصود منه الهمّة[10]، لأنّ بها يرتقي المريد إلى المقامات[11]، ولا بدّ له من دليل يسير أمامه، وهو هنا الأستاذ المربّي[12]، فإنّ من سلك الطريق بغير دليل تاه وضلّ، وربّما هلك مع الهالكين. ولقد أشرت إلى ذلك سابقا في رسالتي التي سمّيتها النصيحة السنيّة في معرفة آداب كسوة الخلوتيّة.[13] فلابدّ من رفقة يستأنس بهم في طريقه ويساعدونه في سحقه[14] وتمزيقه، والمقصود منهم إخوانه الذين طالبوا مطلبه، ثمّ إذا ساروا وأراد أن يشعل مصباح الحكمة في بيت قلبه المظلم من آثار السوء والهوى، ليرى ما فيه، أي في قلبه، من الرذائل فيطهر منها ويخرج جليلته[15] عنها، فلا بدّ له من سبعة أشياء، لأنّ من أراد أن يوقد مصباحا فلا بدّ له منها، وهي الزناد، والحجر، والحراق، والكبريت، والسرجة، والفتيلة، والدهن، فمن طلب أن يوقد مصباح الحكمة، فلا بدّ له من زناد الجهد، قال اللّه العظيم: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، ولا بدّ له أيضا من حجر التضرّع، قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]. ولا بدّ له من حراق، وهو احتراق النفس المخالفة، قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41]، ولا بدّ له من كبريت وهو الإنابة، قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [ الزمر: 54]. ولا بدّ له من مسرجة وهو الصبر، قال تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. ولا بدّ له من فتيلة وهي الشكر، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. ولا بدّ له من دهن وهو الرضا بالقضاء، قال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الطور: 48]. فإذا تخلّق المريد بهذه الأوصاف السبعة فيمكنه أن يشعل مصباح الحكمة في قلبه، وهذه أوّل كرامة يكرم اللّه تعالى بها المريد، أن يوقد في قلبه مصباحا ملكوتيّا[16]، حتّى أنّه بعد ذلك إذا دسّت عليه النفس دسيسة، يطلعه اللّه عليها، لوجود ذلك النور المنقذف في القلب، فتقلّ عليه الدسائس النفسانيّة. وإنّما قلنا تقلّ، لأنّها ربّما دسّت دسيسة قبيحة، وزيّنت للمريد أنّها جميلة، فإذا ما نبّهه اللّه تعالى، يُخاف أن يقع فيها، وأيضا فقد شبّهوا القلب ببيت فيه خمس كوّات[17] يدخل منها الهوى[18] إذا فتحت، وإذا غلّقت امتنع دخول الريح إلى ذلك البيت، فعند غلقها يقوى نور ذلك المصباح ويشرق البيت به، وإذا فتحت تلك الكوّات، أو إحداهن ضعف إشراق ذلك المصباح، وربما طفي الموقود من الكوّات الخمس، الحواس، فإذا أشغل المريد الحواس الخمس، أشغل القلب لاشتغالها، وكذلك لبعضها، وإذا منعها من الاشتغال بغير الحق، اشتغل القلب بمراقبة جلال الحق وعظمته وكبريائه، التي هي كناية عن المصباح. ومعلوم أنّ هذه المراقبة هي نور يهدى به أهل الطريق، ويحصل لهم بها كمال التوجّه، فإذا غفل المريد عنها، فكأنّه أطفأ المصباح. فينبغي للسّالكين طريق القوم، رضي اللّه تعالى عنهم وأرضاهم، أن يفرغوا قلوبهم من كلّ علّة عن كلّ مقرّب فيه استمطار الغيوب، الامداد[19] الإلهيّ لا يقع إلاّ في قلوب فارغة متعطّشة إلى ذلك غالبا، فليجتهد المريدون لنيل هذه الإمدادات الإلهيّة في التخلية[20]، لينالوا بعدها التحلية[21]، فإنّ من لم يتخلّ لا يتحلّى. ثمّ ممّا يجب على الإخوان، وفّقهم اللّه تعالى إلى اجتناء ثمرات العرفان، أن يعرفوا أوّلا وقبل كلّ شيء ما يجب لمولانا جلّ وعزّ، وما يستحيل وما يجوز، وكذا في حقّ الرسل عليهم الصلاة والسلام. ثمّ يعرف المريد ما يحتاج إليه من باب الطهارة والصلاة والصيام والزكاة، إن وجد عنده النصاب، والحج، إن وجب عليه ذلك، بقدر الضرورة، ولا يشتغل في القدر الزائد على ذلك إلا بعد الكمال، فإنّ أهل الطريق يجب عليهم ألاّ يخطوا خطوة ينكرها الشرع عليهم، فإنّ كلّ من خالف الشريعة المحمّديّة تاه وضلّ عن الطريقة المرضيّة. والطريقة[22] أصل، والحقيقة[23] فرعها، فكل من لم يحكم الأصل لا ينتفع بالفرع، ولهذا قال سيّد رؤساء هذه الطريقة أبو يوسف الدارانيّ[24]، قدّس سرّه: "ما حرموا الوصول إلاّ بتضييعهم الأصول"، فشريعة بلا حقيقة عاطلة، وحقيقة بلا شريعة باطلة، ولهذا قال الشيخ محيي الدين[25] قدّس اللّه سرّه: "لا تقتدي بالذي زلّت شريعته ولو جاء بالإنباء عن اللّه". وممّا يجب عليهم: القيام بأوراد[26] الطريق جميعها، من غير إخلال بشيء منها، وأن يوبّخوا أنفسهم إذا تخلّفوا [عن] مجلس ذكر أو وعظ أو غير ذلك، فيقول المتخلّف في حضرة إخوانه يا فرحكم حضرتم المجلس، ويا شقاوتي فاتني ذلك. وليحذر المتخلّف أن يعتاد ذلك، فيوقعه ذلك في الكسل، ويحرم بركة الاجتماع مع إخوانه في الذكر والأوراد. قال الشيخ[27]: "الذاكر جليس في حضرة اللّه تعالى". وإذا دخل المريد وحده إلى تلك الحضرة، ربّما حصل له في تلك الحضرة هيبة تمنعه من الاستحضار والتمادي فيها[28]، وإذا كان مع إخوانه لا يحصل له شيء من ذلك. وأيضا، فإنّه إذا كان مع إخوانه حكم لنفسه بنيل الخير وحصول الرحمة، وأمّا إذا كان وحده، فإنّه لا يحكم لنفسه بذلك لما يعلم هو من أحوال نفسه، ولعدم رؤية نفسه أنّه أهل للرحمة، والذاكرون اللّه هم قوم لا يشقى جليسهم[29]، إذا جلس معهم من يرى نفسه أنّه ليس أهلا للرحمة الخالصة له بهم. وأيضا فإنّ المؤمنين كالبنيان يشدّ بعضهم بعضا[30]، فإذا تخلّف واحد من الإخوان وتمادى على ذلك، وكان ذلك لغير عذر ضروريّ ربّما تبعه في ذلك آخر، والآخر آخر، فيتبعه جميع إخوانه، فيكون هو الذي يتحمّل وزر هذه السيّئة، وتكتب في صحيفته. وكان سيّدي إبراهيم الدسوقيّ[31]، قدّس اللّه سرّه، يقول: "ما قطع مريد ورده يوما إلاّ قطع اللّه عنه الإمداد في ذلك اليوم، فإنّ طريق القوم تحقيق وتصديق، وجهد وعمل، وتنزّه وغضّ بصر، وطهارة يد وفرج ولسان، فمن ترك شيئا من أفعالها رفضته كرها". وكان يقول: " قوّة المريد الصادق في بدايته الجوع، وبصره الدموع، وفطره الرجوع، يصوم حتّى يرقّ ويلين قلبه وتدخل الرأفة في قلبه، وأمّا من شبع ونام، ولغى[32] في الكلام وترخّص وقال ليس على فاعل ذلك ملام، فلا يجيء منه شيء، والسلام ". انتهى كلامه. ومن أوصافهم ألاّ يقول أحد منهم مالي ولا متاعي ولا كتابي، لأنّ العبد لا ملك له مع سيّده، فلا يمنع أحدا من إخوانه كتابه ولا ثوبه ولا حاجة من حوائجه إذا كان أحد إخوانه محتاجا إليها، لأنّ الإخوان جميع مالهم مشترك بينهم، ليس لأحدهم ملك حاجة دون الآخر، وليس لهم أن يمنحوا بعضهم دون بعض شيئا لا تسمح فيه النفوس عادة، إلاّ عند الاضطرار الكليّ. وإذا طلب أحد منهم حاجة يكون طلبه برفق، ويكون عطاء السؤال ببشاشة وفرح، ويروا أن الفضل للآخذ. وممّا يجب عليهم التخلّق بالأخلاق الكريمة وتجنّب الأوصاف الذميمة، لأنّ التخلّق هو الصفاء والوفاء والتخلّق بأخلاق المصطفى، صلّى اللّه عليه وسلّم. ولقد ذكرت في الرسالة المتقدّم ذكرها تفسير أبي العبّاس المرسيّ للصوفيّ[33].[34] ولا يخفى أنّ المريد لا بدّ له من التحلية والتخلّق وهما يمتازان التحقّق. [35] وممّا يجب، القيام بشروط الطريق الثمانية قياما كليّا، وهي: [الأوّل]: الصمت، فعلى المبتدئ أن يصمت بلسانه عن لغو الحديث، وبقلبه عن جميع الخواطر في شيء من الأشياء، فإنّ من صمت لسانه وقلبه انكشفت له الأسرار وجلت عليه المعارف والأفكار[36]، فإذا صمت المريد بقلبه ولسانه، انتقل إلى مقام المحادثة السريعة، لأنّ صمت الإنسان في نفسه لا يمكن أصلا، وهذا الصمت يورث معرفة الحقّ سبحانه وتعالى. الثاني: الجوع، وهو اضطراريّ واختياريّ، فجوع أهل الطريق اختياريّ لا ضروريّ، ولو لم يكن ذلك لما كان فيه مزيد فائدة، وكذا قال بعضهم: "لو يبتاع الجوع في الأسواق للزم المريد أن لا يشتري غيره "[37]، ولكن لا يضرّ بنيته. ولقد ورد في الحديث {إنّ الشيطان يجري في بني آدم كمجرى الدم، فضيّقوا مجاريه بالجوع والعطش}[38]. وهو يورث معرفة اللّه. الجوع نور والشبع نار يتولّد منها الاحتراق، عكس ذلك، وهو يورث معرفة الشيطان. الثالث: السهر، وهو على قسمين، سهر العين لتعمير الوقت ودوام الترقّي[39] [إلى] المنازل العالية، لأنّ بنوم العين يبطل عمل القلب، ففائدة السهر دوام عمل القلب. وأمّا سهر القلب، فهو تيقّظه من نوم الغفلة والبعد، إلى منازل المشاهدة والقرب، والسهر ينشأ من فراغ المعدة من فضلة[40] الطعام والشراب، وهو يورث معرفة النفس. الرابع: الاعتزال، وهو الانفراد والانقطاع عن الخلق إيثارا لمحبّة المولى تبارك وتعالى، ويكون بالأجسام، وهذا حال المريدين، وبالقلوب، وهذا حال مقام العارفين[41]، وهو لا يكفي عن اشتراط الصمت، لأنّه وإن حصل به الصمت باللّسان، فلا يحصل له الصمت بالقلب، فمن داوم عليه وقف على الأسرار الوحدانيّة، وهو يورث، أي الاعتزال، معرفة اللّه تعالى سبحانه، والخلطة تورث معرفة أهل الدينا. الخامس: الطهارة ظاهرا وباطنا، لأنّ طهارة الظاهر تورث في الباطن نورا، ولقد ورد في الحديث القدسيّ: {يا موسى إذا أصابتك مصيبة وأنت على غير طهارة فلا تلومنّ إلاّ نفسك}[42]. ولقوله عليه الصلاة والسلام: {الدوام على الطهارة يوسع الرزق }[43]. والحديث محتمل للرزق الظاهر والباطن، وهي تورث معرفة تطهير القلب وتزكيته. السادس: مداومة الذكر بالاسم الذي لقّن[44] الشيخ المربّي به، فإنّ المريض إذا استعمل الدواء المناسب لمرضه ومزاجه أتى معه ذلك الشفاء بقدرة اللّه في الحال، والشيخ لا يلقّن المريد إلاّ بما يناسب حاله، فينبغي[45] للمريد ألاّ يستعمل إلاّ ذلك، لأنّه لا شيء أنفع للقلب من ذكر المحبوب، وهو يورث معرفة المذكور. السابع: نفي الخواطر[46] عن القلب لئلاّ يشتغل بها عن استحضار معاني الذكر والحضور والخشوع، وينفيها خلوص القلب من الأكدار[47]، وتظهر فيه لمحات الأنوار، وهو يورث معرفة تخليص التوحيد من الشرك الخفيّ[48]. الثامن: ربط قلب المريد بالأستاذ[49]، ومعناه أن يداوم المريد على مشاهدة الترقّي من مقام إلى آخر، [وهذا أوكد الشروط عند القوم]. [50] ومن أوصافهم إن اجتمعوا في حلقة ذكر تتوافق أصواتهم، لأنّ ذلك أبلغ في التأثير، وإذا خالف أحدهم، ينبغي أن يرجع إلى موافقتهم، فإن لم يرجع إلى موافقتهم يكون قد ساء مع إخوانه[51]، لأنّهم لا يحصل لهم الحظّ التامّ إلاّ إذا توافقت منهم الأصوات وكانت صيغتهم واحدة. وأن يتضامّوا، لئلاّ يدخل الشيطان بينهم، وأن لا يخلّوا بأدب من آداب الذكر، وهي عشرون أدبا، خمسة سابقة على الذكر، واثنى عشر في حالة الذكر، وثلاثة بعدها. فالخمسة التي قبلها: أوّلها: التوبة، وحقيقتها عند القوم ترك ما لا يعني قولا وفعلا وإرادة، ومعنى ذلك كلّ شيء لا يرقّي المريد في طريقته فليتركه. ثانيها: الغسل للذكر، ثالثها: السكون والسكوت، ليحصل له بذلك الصدق وجمعيّة القلب على الحقّ سبحانه وتعالى، ثمّ بعد ذلك يشغل قلبه بالذكر، ثم يتبع اللسان القلب. رابعها: أن يستمدّ بقلبه عند شروعه في الذكر من همّة شيخه، هنا يقول: "دستور[52] يا شيخي دستور يا أهل السلسلة[53] دستور يا رسول اللّه". خامسها: أن يرى استمداده من شيخه، وهو استمداده حقيقة من النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو الواسطة بينه وبينه. وأمّا الاثنى عشر التي في حالة الذكر، الأوّل: جلوسه في مكان طاهر. الثاني: أن يضع راحتيه على ركبتيه. الثالث: تطييب مجلس الذكر بالرائحة الطيّبة، وكذلك ثيابه. الرابع: يلبس اللباس الطيّب الحلال، ولو من شراميط الكتّان. الخامس: اختيار المكان المظلم إن وجد. السادس: تغميض العينين، لكي تنسد طرق الحواس الظاهرة، وبسدّها تفتح حواسّ القلب. السابع: أن يتخيّل شخص شيخه بين عينيه، وهذا آكد الآداب. الثامن: الصدق في الذكر، حتّى يستوي [عنده] السرّ والعلانيّة. التاسع: الإخلاص فيه، وهو تصفية العمل من شوب الأكدار. العاشر: أن يختار من صيغ الذكر: {لا إله إلاّ اللّه}، فإنّ لها عند العارفين تيسير لا يوجد في غيرها من الأذكار. الحادي عشر: استحضار معنى الذكر بقلبه على اختلاف درجات المشاهدة[54] في الذاكرين، [55] فإذا كان الغالب عليه ظهور البشريّة والوسواس، فيقول بلسانه: {لا إلّه إلاّ اللّه}، وبقلبه: {لا معبود بالحقّ إلاّ اللّه}، وبصفاء القلب وطلب شيء من المعارف والشوق والذوق ونحو ذلك يقول بلسانه: {لا إلّه إلاّ اللّه}، وبقلبه: {لا مطلوب إلاّ اللّه}، وبفناء الخواطر كلّها يقول بلسانه: {لا إلّه إلاّ اللّه}، وبقلبه: {لا موجود إلاّ اللّه}، لمشاهدته أنّه به ينطق مع التعظيم بقوّة تامّة جهرا، ويُصعد {لا إله} من فوق السرّة من النفس التي بين الجانبين وإيصال {إلاّ اللّه} بالقلب اللحميّ الكائن بين عظمي الصدر والمعدة مائلا إلى الجانب الأيسر، مع حضور القلب المعديّ فيه، فإذا قلت الكلمة َمُدَّها وانظُرْ إلى قِدَمِ الحقِّ فأَثْبِتْهُ وأَبْطِلْ ما عداه. ومن الناس من اختار موالاة الذكر، بحيث تكون الكلمات كالكلمة الواحدة، لا يقع بينها خلل خارجيّ ولا ذهنيّ، كي لا يأخذ الشيطان منه، فإنّه [في] مثل هذا الموضع بالمرصاد، لعلمه بضعف السالك عن هذه الأولويّة الموالية، لاسيما إن كان قريب العهد بالسلوك. قالوا: وهو أسرع فتحا للقلب وتقريبا للربّ. وقال بعضهم: تطويل المدّ مستحسن مندوب إليه، لأنّ الذاكر في زمان المدّ يستحضر في ذهنه جميع الأضداد والأنداد ثمّ ينفيها ويعقّب ذلك بقوله: {إلاّ اللّه}، فهو أقرب إلى الإخلاص. وليحذر من اللَّحْنِ في {لا إلّه إلاّ اللّه}، لأنّها آية من القرآن، فيمدّ على اللاّم بقدر الحاجة، ولا يطوّل مدّها جدّا، ويحقّق الهمزة المكسورة بعدها، ولا يمدّ عليها أصلا، ويفتح هاء {إله} فتحة خفيفة، ولا يفصل بين الهاء ولا بين {إلاّ اللّه}، وإيّاك أن تتهاون في تحقيق همزة {إله}، فإنّك إن لم تحقّقها انقلبت ياء، وصار الذكر {لا يله الاّه اللّه}، وهذه ليست كلمة التوحيد، فلا ثواب لذاكرها، ولا تأثير لها، وكذا يفصح بالهمزة من {إلاّ}، ويشدّد اللاّم بعدها، إذ كثيرا ما يلحن بعض فيردّها ياء أيضا، ويخفّف اللاّم ويمدّ الألف التي قبل الهاء من لفظ الجلالة، وهذا إذا ذكرت الكلمة المشرّفة وحدها ولم تصلها بغيرها، فإن وصلتها بغيرها كأن تقول: {لاإلّه إلاّ اللّه وحده لا شريك له}، فلك فيها وجهان، الرفع وهو الراجح، والنصب وهو المرجوح، وانظر توجيههما في فصل الإعراب في شرح صغرى السنوسيّ له[56]. وينبغي أن ينوّن الذاكر اسم سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، ويدغم تنوينه في الراء. ويجب على المريد أن يعرض على شيخه كلّ شيء ترقّى إليه من الأذواق، ليعلّمه كيفيّة الأدب. الثاني عشر من أدب الذكر أن ينفي كلّ موجود حال الذكر من القلب سوى اللّه سبحانه وتعالى، فإنّ اللّه غيور أن يرى في قلب عبده المؤمن غيره، ولولا أنّ الشيخ له مدخل في تربيته وترقّيه ما شرطوا على المريد تخيّله في قلبه، وإنّما نفوا عن القلب كلّ شيء سوى اللّه، ليتمكّن لهم تأثير {لا إله إلاّ اللّه} بالقلب، وليسري إلى جميع الأعضاء، كما قال في الإنشاد: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ~ فصادف قلبا خاليا فتمكّنا وأجمعوا على أنّه ينبغي للمريد إذا ذكر اللّّه تعالى أن يهتزّ من فوق رأسه إلى أصابع قدميه، وهي حالة يستدلّ بها على أنّه صاحب همّة، فيرجى له الفتح عن قريب. وأمّا الثلاثة التي عقب الذكر، فأوّلها: أن يسكن إذا سكت ويخشع ويحضر مع قلبه مرتقبا لوارد[57] الذكر، فلعلّه يرد عليه وارد فيعمر وجوده في لحظة واحدة أكثر ممّا تعمره المجاهدة[58] والرياضة[59] في أكثر من ثلاثين سنة، وذلك أنّه إذا كان الوارد وارد زهد، فيجب عليه التمهّل فيه حتّى يتمكّن فيه الزهد ويصير ينتقض إذا فتح عليه شيء من الدنيا، عكس ما كان عليه في الأوّل، وإذا [كان] وارد خير، فيجب عليه التمهّل فيه حتّى يستحكم، ويصير إذا قام الوجود كلّه عليه لا تتحرّك منه شعرة[60]، كما لا يتحرّك الجبل من نفخة ناموسة، وهكذا بخلاف ما إذا لم يتقرّب ولم يتمهّل لحصول شيء من ذلك[61]، فإنّه لا يحصل تحقيق بذلك المقام الذي أتى به الوارد، قال اللّه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]. فمهما لم يكن للذاكر اشتياق، وطلب شيئا لا يعطى. ثانيها: أن يلزم نفسه مرارا، من ثلاثة أنفاس إلى أكثر من ذلك، بحسب قوّة عزمه، وهذا كالمجمع على وجوبه، أي وهي النفس الأمّارة[62] والنفس اللوّامة[63] والنفس المطمئنّة[64]، وهي المراد بثلاثة أنفاس عند القوم، فإنّه أسرع في تنوير البصيرة[65] وكشف الحجب[66] وقطع خواطر النفس. ثالثها: منع شراب الماء عقب الذكر، فإنّ للذكر حرقة وهيجان وشوق إلى المذكور، الذي هو المطلوب الأعظم، من الذاكر، وشرب الماء يطفيء تلك الحرارة، فليحرص الذاكر على هذه الثلاثة آداب، فإنّ شجيّة[67] الذكر إنّما تظهر من هذه الآداب. قال الشيخ الشعرانيّ[68] في «النفحات القدسيّة في بيان الصوفيّة»: "وقال فيها ولقد رأيت مرّة الشيخ محمّد الجناديّ[69] رضي اللّه تعالى عنه في المنام بعد موته، فقال: "أدّب أصحابك حتّى يثمر فيهم الذكر، فإنّ الذكر إذا لم يكن معه الأدب فهو وذكر الشيطان للّه عزّ وجلّ سواء، والشيطان لا ترقّي له بذلك، لأنّه ممّن سبقت عليه الشقاوة". انتهى. فينبغي له أن تظهر له ثمرة ذكره، أن يقوم ويقعد بهذه الآداب جميعا، ولا يخلّ بشيء منها، فإنّ فائدة الذكر لا تظهر بدونها. ومن أخلاقهم الرقّة والرفق واللين وخفض الجناح لإخوانهم، وإذا أراد أحد أن ينصح أخاه، فلينصحه بلطف، لقوله عليه الصلاة والسلام" {من أمر بمعروف، أمره بمعروف}[70]. ويحسّن خلقه في معاشرة إخوانه، وليكن تقيّا ليّنا، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {والذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة إلاّ حسن الخلق} [71]. وكان يقول في دعائه: {اللّهمّ حسّن خلقي وخلقي}[72]. وليكونوا أشفق أحدهم على أخيه من نفسه. وأن يوقظوا بعضهم بعضا في الأسحار وفي أوقات الغنائم والأذكار بلطف. وأن يخصّص كلّ منهم إخوانه بالدعاء في أوقات حصول الاستئناس[73] والبسط[74] لأحدهم في الخلوات[75]، لأنّ دعاء الأخ للأخ في ظهر الغيب مستجاب لا يردّ[76]. وأن لا يسلم كلّ منهم لصاحبه بما لا يقتضيه إلاّ إذا كان الفاعل لذلك الشيء أعلى من المتعرّض، فينبغي له أن يستفهم عن ذلك من الأعلى، ويسلم له فعله إن جاءه بخطّة موافقة للطريق، وأن يقدّم كلّ واحد منهم مصالح إخوانه على مصالح نفسه، ويرى الفضل لأخيه حيث أنّه تسبّب له في نيل الثواب باستقضائه لحاجته. قال عليه الصلاة والسلام: {إنّ اللّه يكون في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المؤمن}[77]. وإذا غاب أحد عن الأوراد فليسألوا عنه، فإن غاب لحاجة دعوا له بقضائها، وإن [كان] مريضا عادوه، وإن احتاج للخدمة جلسوا عنده وطلبوا له الشفاء عقب التهجّدات وفواتح الأوراد، ويكونوا كجسد واحد[78]. ومن أوصافهم، إذا كان وجد في باطنهم ضيق، فإن [كان] الذي به ذلك عند الشيخ، أخبره به، وإلاّ فليتوجّه بكلّيّته إلى أستاذه، ويسأل رفع ذلك عنه، وإن حرم أحدهم اللذّات في مباحثه وطاعته، فليبادر بالتوبة والاستغفار، فإنّ ذلك من عقوبة ذنب صدر منه. وليحذر المريد من تغيّر باطن الشيخ[79]، فإنّ ذلك يؤثّر في المريد ولو بعد وفاة الشيخ، وقد قال بعضهم: "لن يصيب المريد آفة من الآفات ما دام باطن الشيخ متوجّها إليه، فإذا طرقته آفة، فليبادر إلى شيخه ويسأله المسامحة إن كان الشيخ عنده، وإلاّ فليتوجّه بقلبه إلى الشيخ ويسأله الصفح عنه"، ولهذا قال سيّدي أبو العبّاس المرسيّ، قدّس اللّه سرّه: "كلّ مريد خائف من الخلق مع وجود أستاذه، فهو كاذب في إرادته وفي إسناده[80] إلى شيخه، فإنّ المريد مع شيخه كولد اللّبؤة في حجرها، أفتراها تاركته لمن يريد اغتياله، لا واللّه، لا واللّه، لا واللّه". ومن أخلاقهم الذلّ والانكسار مع الصغار والكبار، لقوله عليه الصلاة والسلام: {من تواضع للّه رفعه اللّه ومن تكبّر على الخلق ضيّعه اللّه}[81]. قال السيّد الجليل الأعبد سيّدنا ومولانا عبد القادر الجيلانيّ[82]، رحمه اللّه تعالى ورضي عنه وأرضاه ونفعنا ببركاته آمين: "ما وصلت إلى اللّه تعالى بقيام اللّيل ولا بصيام النهار، ولكن وصلت بالكرم والتواضع وسلامة الصدر". وأن لا يكون عندهم حقد ولا حسد ولا استهزاء بأحد من المخلوقين، وأن يبادروا بالأعمال الصالحات، ولا يهملوا وقت عبادة إلى غيره، فما فات لا يعود إلى ذلك، وقد قيل: "إنّ الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك"، "والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل". ومن شأنهم دوام المجاهدة وترك الشهوات، فمن وافق شهوته عدم صفوته، وأنّهم لا يبالون من كلام غير العدل، ومن لم يسلك الطريق ولا ذاق حلاوتها والتمزيق والجمع والتفريق[83]، فلا ينال حلاوتهم. ومن شأنهم الإقبال على الأستاذ بالكليّة، لكي يقبل هو عليهم كذلك، وهذا من العدل. وفي المحبّة أن يحبّوه أكثر من مالهم وأهليهم وأولادهم وأنفسهم والخلق أجمعين، بعد محبّة اللّه ورسوله، وذلك للأشياخ رضي اللّه تعالى عنهم، لأنّهم هم الأبواب. وممّا يجب عليهم عدم تتبّع عوارت الخلق، وإذا ظهرت من أحدهم هفوة ستروها، أو زلّة تجاوزوا عنها، وإذا كشف لأحدهم عن عورات النّاس سأل اللّه أن يستر عنه ذلك، لأنّ ذلك كشف شيطانيّ، لا يُعبؤ به، في حديث الطبرانيّ مرفوعا: {من تتبّع عورات النّاس تتبّع اللّه عوراته، ومن تتبّع اللّه عوراته فضحه ولو في جوف رحله}[84]، وكان الحسن البصريّ[85] رضي اللّه عنه يقول: "واللّه لقد أدركنا أقواما لا عيوب لهم، فتتبّعوا عورات النّاس فأحدث اللّه لهم عيوبا". وكان سيّدي أحمد الزاهد يقول: "إذا رأيتم أحدا من إخوانكم على معصية فاستروه، فإن تجاهر لكم بها فوبّخوه بينكم وبينه، فإن لم ينزجر فوبّخوه بين النّاس مصلحة له لعلّه يرعب وينزجر[86]، وما دام يعصي في قعر داره ولو بحضرة أطفال داره فهو لم يتجاهر، إلاّ إذا كان الأطفال من أهل العبارة فإنّهم كالرجال". وقد أنشد بعضهم في ذلك شعرا: قبيح على الإنسان ينسى عيوبه ويذكر عيبا في أخيه قد اختفى ولو كان ذا عقل لما عاب غيره وفيه عيوب لو رآها بها اكتفى ومن شأنهم أن ينفقوا على إخوانهم وعلى أنفسهم كلّما فتح اللّه به عليهم أوّلا فأوّلا، ولو كان شيئا زهيدا، ولا يعوّدوا أنفسهم الاختصاص من شيء عن إخوانهم أبدا، فإنّ من آثر نفسه على إخوانه في الشهوات لا يفتح عليه أبدا ولا يرتقي المقامات. ومن شأن المتقدّم عليهم في البدء والختام أن لا يعجل عليهم، في الختم على الخصوص، إذا رأى الذكر قد احتبك[87]، والأصوات قد توافقت، والأشواق قد تحرّكت، فليصبر على إخوانه حتّى يعلم أنّهم قد أخذوا بعض حظّهم من الذكر، وبعد ذلك يختم. وأيضا، فينبغي ألاّ يشدّ عليهم إذا رآهم قد ملّوا وغلبهم النعاس وفيهم ذو حاجة، فالرفق بالإخوان محمود. وينبغي لهم أنّ كلّ من تقدّم عليهم يقدّمونه ولا يتنازعون عن المسيّر، وهذه وصيّة سيّدي أحمد الرفاعيّ[88] لأصحابه. وينبغي لهم أن لا يتقدّموا في بدء الفواتح وختمها على من قدّموه أوّلا، وأن يوافقوه في ذكره ولا يخالفوه، وليحذر المتقدّم من رؤية نفسه، أي الكبر على إخوانه في تقديمهم له، وإيّاه وحبّ الرئاسة فإنّه سيف قاطع يقطع ظهور المريدين الذين ليسوا بصادقين، فإنّ الرئاسة لا تحلّ في قلب أحد إلاّ هلك. ومن الواجب عليهم عدم الإنكار على أحد من الخلق، إلاّ أن يكون فعله يناقض الشريعة مع ثبوت عقله، وأمّا من زال عقله بعارض كونيّ أو تجلٍّ[89] إلهيّ، فلا يعترض عليه، فإنّه مسلوب الاختيار[90]. ومن الواجب عليهم إذا لقي أحد منهم أحدهم أن يتصافحوا، ويسلّم كلّ واحد منهم على أخيه، ويسأل الدعاء من أخيه في ظهر الغيب عند المفارقة، وإذا سئل أحد منهم على حال أخيه أثنى عليه غاية الثناء فلا يعتدّ من أخيه علوّ المقام ولا يوافق من يحطّ على أحد من إخوانه ولو كان ذلك فيه الانحطاط الذي حطّ به، بل ينهاه عن ذلك ويحذّره من مثل هذا، فإذا انتهى، وإلاّ، هجره لينتهي. وإذا نقل له أحد أنّ بعض إخوانه قذفوه أو سبّوه، فليقل للقائل: يا هذا أنا لا أصدّق في أخي ما تقول لما أعلم من ودّه، وإذا وقع من أخي ذلك فلعلّه مغلوب. ومن فضائلهم وأوصافهم، ترك المجادلة والمباحثة والمماراة[91]، فإنّ طريق القوم يبعد عن ذلك. وينبغي إذا سئل أحدهم عن مسألة دفع السائل إلى الشيخ، فإن لم يكن فإلى أحد إخوانه، فإن لم يكن فإلى أحد إخوانه، فإن لم يكن أحد منهم، ولا كان في ذلك المكان من يدفعه إليه، فحينئذ يجيبه المريد، مع رؤية نفسه أنّه ليس أهلا لذلك، فإنّ كلّ من فتح على نفسه من المريدين باب المجادلة فقد فتح على نفسه حبّ الرئاسة، ومن فتح على نفسه حبّ الرئاسة لا يفلح أبدا، فيجتهد المريد في شرط الصمت ما أمكن. ومن شأنهم التباعد من مخالطة الأحداث ومعاشرتهم، فإنّ معاشرة هؤلاء توقع البدعة والمهالك للمريد، لأنّ النفس أمّارة بالسوء ميّالة إلى المعاصي، تلقي صاحبها إلى المهلكة، وتحسّن له فعلا مثل ذلك، ويساعدها الشيطان والهوى في مرامها[92] حتّى يقع المريد في وادي الميل إلى الأحداث[93] والنساء، فيقع بسبب ذلك في الأمور التي لا ترضي، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا، ونسأل اللّه المعونة على دسائسها الخفيّة، وقد قال القشيريّ[94] رضي اللّه عنه: "ومن ابتلاه اللّه بشيء من ذلك، فبإجماع الشيوخ أهانه اللّه وأخذله، بل عن مصالح نفسه شغله، ولو بألف ألف كرامة أهانه "[95]. كان الواسطيّ [96] رضي اللّه عنه يقول: "إذا أراد اللّه هوان عبد ألقاه اللّه إلى هؤلاء الاثنين المرد[97] الذين تميل إليهم النفوس والنساء"، فليحذر المريد الصادق من مجالسة الأحداث المرد، إلاّ في حلقة الذكر والدرس بحضرة الشيخ، مع غضّ البصر عنهم ما أمكن، وكذلك النساء ومؤاخاتهنّ والاجتماع بهنّ، كما عليه غالب فقراء هذا الزمان، فإنّ ذلك لا يجوز، وأمّا وعظهنّ والنصيحة لهنّ فذلك جائز[98]. وهذا القدر كاف في الإخوان الصادقين والمريدين العطشين، فإنّ الذكيّ يفهم بالتلويح[99] والإشارة[100]، والغبيّ لا يفهم ولو بالتصريح، أي تصريح العبارة، ومن عمل بالقليل جرّه إلى الكثير، ونسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا وإخواننا وأحبابنا إلى ما يرضاه قولا وفعلا، وأن يختم لنا بالحسنى، عند انتهاء الأجل، وأن لا يخلفنا بل يحقّقنا بالمعارف اللدنيّة[101] والأسرار الخفيّة في السرّ والإعلان، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه وهو الذي جمع الخيرات طوع يديه، وصلّى اللّه وسلّم على الحبيب الأعظم والسيّد الأفخم، الإمام الجليل والحبيب النبيل، سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وشيعته وحزبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله ربّ العالمين. -*--- الهواموش [1] انظر: علماء دمشق وأعيانها في القرن الثاني عشر هجريّ، للدكتور محمّد مطيع الحافظ، والدكتور نزار أباظة: 394/2 . تاريخ الجبرتيّ: 170/1. فهرس الفهارس للكتّانيّ: 159/1، هديّة العارفين لإسماعيل باشا: 446/2، الأعلام للزركليّ: 239/7. [2] في فلسطين. [3] الخلوتيّة نسبة إلى أخي محمّد الخلوتيّ، وعند الصوفيّة هي محادثة السرّ مع الحق، حيث لا أحد سواه. [4] الزيغ، الميل عن الحق. [5] الذوق: لغة معرفة الأمر شيئا بعد شيء، واصطلاحا هو أوّل مباديء التجلّيات الإلهيّة. [6] السالك: هو الذي مشى على المقامات بحاله لا بعلمه، فصار العلم له عينا. [7] الخلاّن: جمع خليل، مخالل، وهو الصديق، درجة عالية من المودّة. [8] الأكياس: جمع كيّس، والكيس نقيض الحماقة، وفي الحديث {إنّ أكيس الكيس التقى}. [9] الذكر: لغة عدم نسيان الشيء، واصطلاحا، ذكر الله في كلّ حين بالقلب والجوارح. [10] الهمّة: تطلق بإزاء تجريد القلب للمنى، وتطلق بإزاء أوّل صدق المريد. [11] المقامات: جمع مقام، وهو المنزلة التي يتوصّل إليها المريد بالمجاهدة. وأوّل المقامات مقام التوبة. [12] الأستاذ المربّي: هو المرشد الذي يدلّ على الطريق المستقيم. [13] في الأصل بعد هذه الفقرة شعر، حذفناه لعدم استقامة مبانيه ومعانيه بفعل النسخ. [14] السحق: لغة الإبعاد، واصطلاحا، ذهاب تركيب المريد تحت القهر. [15] كذا في الأصل، ولعلّ المراد إجلاء ما بطن في القلب. [16] ملكوتيّا: نسبة إلى الملكوت، وهو عالم الغيب. [17] الكوّات: جمع كوّة، وهي الخرق. [18] كذا في الأصل، وهي تنطبق على القلب، أمّا البيت فلعلّ الصواب الهواء. [19] في الأصل، والامتداد الإلهيّ... ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [20] التخلية: هي اختيار الخلوة، والإعراض عن كلّ ما يشغل عن الحقّ. [21] التحلية: الاتّصاف بالأخلاق الإلهيّة، وعند ابن عربي، هي الاتّصاف بأخلاق العبوديّة. [22] الطريقة: هي السيرة المختصّة بالسالكين إلى اللّه تعالى من قطع المنازل والترقّي في المقامات. [23] الحقيقة: قال القشيريّ هي إنباء عن تصريف الحق، وشهود لما قضى وقدر وأخفى وأظهر، وقال ابن عربي: هي سلب آثار أوصاف السالك عنه بأوصافه تعالى بأنّه الفاعل به فيه منه. [24] هو عبد الرحمن بن أحمد بن عطيّة العنسيّ الدارانيّ الدمشقيّ، من كبار الصوفيّة، توفي سنة 315 هـ/ 830 م. [25] هو محمّد بن عليّ بن محمّد بن عربيّ أبو بكر محيي الدين الحاتميّ الطائيّ الأندلسيّ: 560­638هـ/ 1165­1240م، يلقّب بالشيخ الأكبر، من كبار الصوفيّة، له نحو أربعمائة تأليف. [26] الأوراد: جمع ورد، وهو ما يرتّب المريد أو السالك أو الشيخ من أذكار يوميّة. [27] قد يكون المراد أحد شيوخ المؤلّف: عبد اللّطيف الحلبيّ أو عبد الغنيّ النابلسيّ أو محمّد التافلاتيّ. [28] في الأصل: والتمادي في تلك. أي الحضرة. [29] إشارة إلى الحديث القدسيّ الوارد في فضل الذاكرين: {هم القوم لا يشقى بهم جليسهم} رواه البخاريّ ومسلم والترمذيّ. [30] كذا في الأصل، وهو يشير إلى الحديث: {المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدّ بعضه بعضا} رواه البخاري ومسلم والترمذيّ والنّسائيّ والإمام أحمد. [31] هو إبراهيم بن أبي المجد بن قريش بن محمّد الدسوقيّ الحسينيّ الشريف: 633­676هـ/ 1235­1277م. من كبار الصوفيّة، له كتاب الجواهر في التصوّف. [32] كذا في الأصل، ولعلّ المراد لغا أو لغي، ومعناهما واحد وهو الكلام بغير رويّة، والهزل، والسقط. [33] هو أبو العبّاس شهاب الدين أحمد بن عمر المرسيّ الأندلسيّ، توفي سنة: 686هـ/ 1287م، ودفن بالأسكندريّة، من كبار الصوفيّة. وهو شيخ ابن عطاء اللّه السكندريّ صاحب الحكم العطائيّة. [34] في الأصل بعد هذه الفقرة شعر، حذفناه لعدم استقامة مبانيه بفعل الناسخ. [35] هكذا في الأصل، ولعلّ المراد أنّ الذي تحلّى وتخلّق بالأخلاق المحمّديّة امتاز التحقّق، أي ناله. أو؛ أنّ الذي امتاز بالتحقّق، وهو العلم، تحلّى وتخلّق بالأخلاق المصطفويّة. [36] من المجاز، يقال جلت العروس على زوجها، أي ظهرت. والمراد، وضحت له المعارف والأفكار. [37] نسب عبد القاهر السهرورديّ هذه المقولة إلى أبي زكرياء يحيى بن معاذ بن جعفر الرازيّ الواعظ المتوفى سنة 258هـ/ 872م، من كبار الصوفيّة. [38] رواه البخاريّ وأبو داود وابن ماجة والدارميّ وابن حنبل. [39] الترقّي: التنقّل في الأحوال والمقامات والمعارف. [40] في الأصل فضالة، والفضلة البقيّة من الشيء. [41] العارف: هو من أشهده الربّ نفسه، فظهرت عليه الأحوال. [42] رواه البيهقي وابن أبي شيبة. [43] لم نقف عليه. [44] لقّن: من التلقين، وهو أخذ الكلام مشافهة، واصطلاحا هو تلقين كلمة التوحيد، والأسماء الحسنى والذكر والأوراد عموما، وقد روى الطبرانيّ والبزّار أنّ الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه وآله لقّن أصحابه كلمة التوحيد، راجع الترغيب للمنذريّ. [45] في الأصل: فلا ينبغي... ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [46] الخاطر: هو ما يرد على القلب والضمير من الخطاب، ربّانيّا كان، أو ملكيّا، أو نفسيّا، أو شيطانيّا، من غير إقامة، وقد يكون كلّ وارد لا تعمّد للمرء فيه. [47] الأكدار: من الكدر، وهو نقيض الصفاء. [48] الشرك الخفيّ: الرياء. [49] الأستاذ: كلمة فارسيّة، تعني المعلّم والمدبّر والعالم، والمقصود بها هنا الشيخ المربّي والمرشد. [50] ما بين المعقوفتين منقول عن هامش المخطوط. وفي الأصل آاكد... ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [51] هكذا في الأصل، ولعلّ المراد: أساء لإخوانه، أو، أساء الأدب مع إخوانه. [52] الدستور: كلمة فارسيّة، تعني القاعدة التي يعمل بمقتضاها. ويعني بها آخرون رجال السند. [53] أهل السلسة: هم الرجال الذين أخذ الواحد منهم عن الآخر إلى رسول الله صلوات الله عليه. [54] المشاهدة: تطلق على رؤية الأشياء بدلائل التوحيد، وتطلق بإزاء رؤية الحقّ في الأشياء. [55] الفقرة الآتية، من قوله: فإذا كان الغالب.. إلى قوله: ويدغم تنوينه في الراء، سقطت من هذه النسخة، ووجدناها في نسخة أخرى غير كاملة، فأضفناها عنها. [56] السنوسيّ هو محمّد بن يوسف بن عمر بن شعيب أبو عبد اللّه السنوسيّ التلمسانيّ: 832 ­ 895هـ / 1428 ­ 1490م، من العلماء الأفذاذ، له عدّة تآليف، من بينها أمّ البراهين، في التوحيد، اشتهرت بصغرى السنوسيّ، عليها عدّة شروح، من بينها شرحه هو لها. [57] الوارد: هو ما يرد على القلوب من الخواطر المحمودة من غير تعمّد. [58] المجاهدة: حمل النفس على المشاقّ البدنيّة، ومخالفة الهوى على كلّ حال. [59] الرياضة: تهذيب الأخلاق النفسيّة. [60] في الأصل: ... إذا قام الوجود كلّه عليه فإذا لا تتحرّك منه شعرة... ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [61] في الأصل: ...ولم يتمهّل حصول شيء... ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [62] النفس الأمّارة: هي التي تميل إلى الطبيعة البدنيّة، وتأمر باللذّات والشهوات الحسيّة، وتجذب القلب إلى الجهة السفليّة، فهي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة. [63] النفس اللوّامة: هي التي تنوّرت بنور القلب قدر ما تنبّهت به عن سنة الغفلة، كلّما صدرت عنها سيّئة بحكم جبلّتها الظلمانيّة، أخذت تلوم نفسها وتتوب عنها. [64] النفس المطمئنّة: هي التي تمّ تنوّرها بنور القلب حتّى انخلعت عن صفاتها الذميمة، وتخلّقت بالأخلاق الحميدة. [65] البصيرة: قوّة للقلب المنوّر بنور القدس، يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها. [66] الحجب: جمع حجاب، وهو انطباع الصور الكونيّة في القلب، المانعة لقبول تجلّي الحقّ. [67] الشجيّة: من الشجا، أي الحزن، وهو من صفات المؤمن، كما ورد في الحديث الشريف. [68] هو أبو المواهب عبد الوهّاب بن أحمد بن عليّ الحنفيّ الشعرانيّ: 898­973 هـ/ 1493­1565م، من كبار الصوفيّة، له عدّة تآليف منها «لواقح الأنوار في طبقات الأخيار»، و«الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر». [69] لعلّه شيخ الطائفة الجنيد بن محمّد البغداديّ المتوفىّ سنة 297هـ/ 910م. [70] لم نقف عليه. [71] رواه الترمذيّ في البرّ، ورواه ابن ماجة في المقدّمة بلفظ آخر. [72] رواه الإمام أحمد. [73] الاستئناس: من الأنس، وهو أثر مشاهدة جمال الحضرة الإلهيّة في القلب، وهو جمال الجلال. [74] البسط: هو حال الرجاء، وقيل هو وارد توجبه إشارة إلى قبول ورحمة وأنس. [75] الخلوات: جمع خلوة، وهي محادثة السرّ مع الحق، حيث لا ملك ولا أحد سواه. [76] رواه أبو داود والترمذيّ وابن ماجة. [77] رواه الإمام أحمد. [78] يشير الى حديث رواه البخاريّ ومسلم وابن ماجة والدارميّ. [79] الشيخ: الأستاذ المربّي الذي يتولّى الإرشاد. [80] الإسناد: الاتّكاء والاعتضاد، وهو عندهم الانتساب الروحيّ بين الصاحب والمصطحب. [81] رواه الإمام مالك ومسلم وابن حنبل والترمذيّ والدارميّ. [82] هو عبد القادر بن موسى بن عبد اللّه الحسنيّ الجيلانيّ: 471­561هـ/ 1078­1166م، تنسب إليه الطريقة القادريّة، من كبار الزهّاد والصوفيّة، له عدّة تآليف، وعليه عدّة دراسات. [83] الجمع والتفريق: الفرق ما نسب إليك، والجمع ما سلب عنك، ومن لا تفرقة له لا عبوديّة له، ومن لا جمع له لا معرفة له، فقول العبد إيّاك نعبد، إثبات للتفرقة بإثبات العبوديّة، وقوله إيّاك نستعين طلب للجمع، فالتفرقة بداية الإرادة، والجمع نهايتها. [84] رواه الإمام أحمد وابن ماجة. [85] هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصريّ: 21­110 هـ/ 642­728م. من كبار التابعين. [86] يرعب وينزجر: يخاف ويرعوي. [87] الحبك: الشدّ، والاحتباك، الاحتزام، وهو هنا الانسجام والتواجد. [88] هو أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن يحيى الرفاعيّ الحسينيّ: 512­578هـ/1118­1182م، من كبار الصوفيّة، وإليه تنسب الطريقة الرفاعيّة. [89] التجلّي: ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب، وفيه التجلّي الذاتيّ والتجلّي الصفاتيّ. [90] المقصود به حال الفناء وهو عدم رؤية العبد لفعله بقيام اللّه على ذلك، وعرّفه ابن القيّم في بقوله: حقيقة الفناء أن يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل. [91] المماراة: من مارى يماري، أي جادل ونازع وغالب، قال تعالى: {أفتمارونه على ما يرى} [النجم: 12]. [92] المرام: من رام يروم، طلب يطلب، المطلب. [93] الأحداث: جمع حدث، وهو الشاب الأمرد. [94] هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة النيسابوريّ القشيريّ: 376­465هـ/986­1072م، من كبار الصوفيّة، ترك عدّة تآليف منها: الرسالة القشيريّة، ولطائف الإشارات والتيسير في التفسير، وغيرها. [95] كذا في الأصل، ولعلّه من باب التوكيد. [96] يكون أحد اثنين هما: أبو الفتح الواسطيّ الرفاعيّ، المتوفّى سنة 580 هـ، أو هو عليّ بن الحسن الواسطيّ، صاحب خلاصة الإكسير، المتوفى سنة 733 هـ. [97] المرد: جمع أمرد، الشاب لم يلتح بعد، قالت الخنساء: وساد عشيرته أمردا، كناية عن صغر سنّه. [98] في الأصل بعد هذه الفقرة شعر محذوف. [99] التلويح: الإشارة من بعيد مطلقا، أي بأيّ شيء كان، يقال لوّح بسيفه، أي لمع به. [100] الإشارة: تكون في القرب والبعد، مع حضور القلب. [101] المعارف اللدنيّة: قال تعالى: {وعلّمناه من لدنّا علما} [الكهف: 65] قال القرطبيّ: أي علم الغيب، قال ابن عطيّة: كان علم الخضر علم معرفة بواطن قد أوحيت إليه، لا تُعطى ظواهرُ الأحكام أفعالَه بحسبها، وكان علم موسى، علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال النّاس وأفعالهم.

هناك تعليقان (2):