الاثنين، 23 مارس 2009

مصادر ترجمة الهاملي

بسم الله الرحمن الرحيم
مصادر ترجمة الهاملي الشيخ محمّد بن أبي القاسم في المراجع محمّد بن محمّد بن أبي القاسم
الزهر الباسم في ترجمة الإمام سيّدي محمّد بن أبي القاسم
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلّى اللّه على سيْدنا ومولانا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم الحمد للّه رب العالمين . والصلاة والسلام على أشرف المرسلين . سيّدنا ومولانا محمّد وآله وصحبه أجمعين .
وبعد فيقول أفقر العبيد إلى مولاه . وأوجلهم إليه من عظيم كسبه وخطاياه . محمّد بن الحاج محمّد بن أبي القاسم الشريف الهامليّ الجزائريّ الخلوتيّ الأشعريّ المالكيّ وفّقه اللّه ولطف به في الدارين آمين لمّا كان التعلّق بأهل اللّه من افضل الأعمال. والتشبّث بأذيالهم والتطفّل على أبوابهم والانتساب إلى مكارمهم من اكمل الخصال . إستخرت اللّه في أن اعمل تعريفًا لمن اقامه اللّه رحمة للعباد . وملجأً وكهفًا وعَلَمًا يُهتدى به إلى سبيل الرشاد .وعلى بيان نسبه الطينيّ والدينيّ وكيفيّة نشأته وعلى من أخذ القرآن في حال صباه وعلى من أخذ العلم . وبيان سلسلة سندنا في العلم وعلى سبب معرفته بأستاذه وكيف كان حاله معه من الاعتقاد والخدمة وإقبال شيخه عليه واغتباطه به .وذكر رجوعه لبلده وكيفيّة ترتيب زاويته . وختكته بسلسلتنا في الطريقة وسمّيته بالزهر الباسم . في ترجمة الشيخ سيّدي ومولاي محمّد بن أبي القاسم . وأسأل اللّه العليم الحليم . أن يجعله خالصًا لوجهه العظيم الكريم . ويحشرنا في زمرة الصالحين . ويثيبنا عليه بمقام المحبوبين المقرّبين . إنّه وليُّ التوفيق . والهادي إلى أقوم طريق . وهوحسبنا ونعم الوكيل . ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم فأقول هوسيّدنا شيخ الإسلام . مقتدى الاولياء العظام . علم الهدى . الذي من انتمى إليه كان من السعدا . القطب الربّاني . والفرد الجامع الصمداني . العلاّمة الإمام . والقدوة الهمام . شيخ المالكيّة شرقًا وغربَا . قدوة السالكين عجمًا وعربَا . مربّي المريدين . كهف السائلين . سيّدي أبوعبد اللّه محمّد بن أبي القاسم بن ربيح ابن الوليّ العارف باللّه سيّدي محمّد بن عبد الرحيم بن سائب بن المنصور الشريف الحسنيّ نسبًا المالكيّ مذهبًا الاشعريّ اعتقادًا الهامليّ مسكنًا الجزائريّ إقليمًا . كان رضي اللّه عنه وأرضاه وأعاد علينا من بركاته وأسراره آمين من أكابر المشائخ العارفين . وأعيان المحقّقين . وأعلام العلماء الراسخين . ... ... ... وكان رضي اللّه عنه الحقيق والمتخلّق بقول المولى عزّ وجلّ ويطعمون الطعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا انّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولاشكورَا انّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا وكان مراد اللّه من خلقه والموصوف بقوله وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب . أولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده وللّه درّ العلاّمة الشيخ سيّدي محمّد بن عبد الرحمن الديسيّ حيث قال في بديعيّته في مدح الأستاذ : ماكفّه كالغيث حين يهمع . فذاك يمكث وهذا يقلع قد شابهت أخلاقه الرياضا . لطافة وكفّه الحياضا والأرض لولا غوثنا لدكدكت . لأنّها قِدما لدينا اشتكت لكلّ عصر مفرد إمام . غوث به أحواله تقام فصل في بيان سلسلة نسبه كان والد الأستاذ الجدّ لنا سيّدي أبو القاسم من الصالحين الأفاضل ، ذا عفّة و ورع وتقوى ومحبّة في الصالحين ، مربّيًا للايتام يوثرهم على أولاده ويعلّمهم القرآن ، إمّا بنفسه ، أو بالأجرة من ماله ، ومن اوّل أمره ماترك قراءة القرآن في اللوح حتى مات رحمه اللّه ، وتركها مكتوبة بخط يده في سورة الأعراف ، وفي أخر عمره ، في غالب أحواله يتلو النصف من القرآن في كلّ يوم ، ولد رحمه اللّه في السنة الأولى من القرن الثالث عشر ، وتوفي سنة ثمان وسبعين بعد المائتين والألف . وأمّ الأستاذ ذات الغنيمة والفوز ، يقال لها السيّدة عائشة بنت مزوز ، شريفة حسنيّة ، من فريق والده ، لها الحظّ الوافر من الخير والصلاح ، ولمّا وضعت الأستاذ تلقّته يد الكرامة ، وحُفّ بالتوفيق من خلفه ومن أمامه ، ولم يزل رضي اللّه عنه ، مُربّىً في حجر الكرم ، مُغذّىَ بلبان النعم محفوظًا بالحماية ، ملحوظًا بالعناية ، إلى أن بلغ مبلغ الرجال ، وصار من جميع الاقطار تشدُّ إليه الرحال ، توفيت رحمها اللّه في السنة الاولى من القرن الرابع عشر . وسيّدي الحاج أبو القاسم ، ابن سيّدي رُبَيح المضمون ، وهو ابن سيّدي محمّد بن عبد الرحيم ، قطب زمانه ، ابن سائب ، ابن منصور ، وينتهي هذا النسب الكريم الى سيّدي عبد الرحيم ، الداخل للهامل أوّلاً ، مع عمّه سيّدي أحمد . وسيّدي عبد الرحيم ، وعمّه سيّدي أحمد هما المشهوران بحجّاج الهامل. فصل في ميلاده وتعلّمه القرآن كان سيّدنا رضي اللّه عنه جّوال الفكر. جوهريّ الذكر. جميل المنازعة . قريب المراجعة . لا يطلب من الحقّ إلاّ الحقّ .ولا يتمذهب إلاّ بالصدق . أوسع الناس صدرًا . وأذلّ الناس نفسَا . ضحكه تبسّمًا . واستفهامه تعلّمَا . مذكّرًا للغافل . معلّمًا للجاهل . غوثًا للغريب . أبًا لليتيم. بشره في وجهه . حزنه في قلبه .مشغولاً بفكره . مسرورًا بفقره . طويل الصمت .جميل النعت . حليمًا صبورًا كثير التحمّل . حركاته أدب .وكلامه عجب . وقورًا رضيًّا شكورًا . قليل الكلام . كثيرالصلاة والصيام . له لسان مخزون . وقلب محزون . وقول موزون . وكان جامعًا لأشتات العلوم . والمبرّز في المنطوق منها والمفهوم . بلغ مبلغ السها . وأخمد من نار البدع كلّ ما لا تستطيع أيدي المجاهدين مسّها . فلم يزل يناضل على الدين الحنيفيّ بجلاد مقاله . ويحمي حوزة الدين ولا يلطّخ بدم المعتدين حدّ نصاله . حتى أصبح الدين وثيق العرى . وانكشفت غياهب الشبهات وما كانت الاّ حديثًا مفترى . ومع هذا له ورع طوى عليه ضميرَه . وخلوة لم يتّخذ فيها غير الطاعة سميره . ترك الدنيا وراء ظهره . وأقبل على الآخرة يعامل اللّه في سرّه وجهره .وكان يصدع بالحقّ ولا يبالي . أدركته على خمسين في عمره ، وتربّيت في حجره ومحلّه وكان يعتني بي ، وكنت أقرأ عليه كتب الأحاديث والسِّيَر والتفسير والنحو وعلم القوم ، وما كان أحد يقرأ عليه الكتب سردًا الاّ أنا وأقول كما قال القائل : الحمد للّه أنّي في جوار فتى . حامي الحقيقة نفّاع وضرّار لا يرفع الطرف إلاّ عند مكرمة . من الحياء ولا يغضي على عار ولد رضي اللّه عنه وأرضاه بالبادية بمحلّ يقال له الحامديّة ، على جهة جبل تاسطاره ، في رمضان سنة تسع وثلاثين بعد المائتين والألف ، حفظ القرآن العظيم في حداثة سنّه مع والدي ، على ابن عمّ لهما يقال له السيّد محمّد بن عبد القادر ، وكان استفتاحه في قراءة القرآن في محرّم الحرام ، سنة ست وأربعين ومائتين وألف ، ولم يزالا على ملازمة قراءة القرآن حتى حفظاه وأتقناه ، وانتقلا في أيّام صباهما الى زاوية سيّدي عليّ الطيّار، ومكثا فيها سنتين وجاءا على خير وكرامه . فصل في أخذه العلم ولمّا قرأ القرآن العظيم حتى أتقنه ، وعمر بدراسته سرّه وعلنه ، علم رضي اللّه عنه أنّ طلب العلم على كلّ مسلم فريضه ، وانّه شفاء للانفس المريضه ، إذ هو أفصح لمنهاج التقى سبيلا ، وأبلغها حجّة وأظهرها دليلا ، وأرفع معارج المتّقين ، وأعلى مدارج الموقنين ، وأعظم مناصب الدين وأفخر مراتب المهتدين ، شمّر عن ساعد الجدّ والاجتهاد في تحصيله ، وسارع في طلب فروعه وأصوله ، وقصد الأشياخ الايمّه ، أعلام الهدى علاماء الامّه ، فقدم إلى زاوية الوليّ للّه سيّدي السعيد بن أبي داود بزواوه ، ولازم ابنَ ابنه بها العلاّمة الشيخ سيّدي أحمد ، وجدّ واجتهد ، حتى برع في المذهب المالكيّ ، ولمّا قرأ ختمة في الشيخ خليل صار يقرّر مشكلاته ، وتقاريرُه الآن موجودة بيد بعض الطلبة ، وأتقن علم الفلك من ختمه ، وعلم الفرائض من ختمتين ؛ وكان دخوله للزاوية المذكورة في رمضان بعد مضيّ ثلاث ليال منه وسنّه اذ ذاك ، واللّه أعلم تسع عشرة سنه ، فقرأ في السنة الاولى متن الشيخ خليل مجرّدًا عن الشرح ، وفي السنة الثانية ، قرأه بشرح الشيخ سيّدي محمّد الخرشيّ عليه بالاذن من شيخه ، وفي السنة الثالثة أمره الشيخ أن يقرّر للطلبة المبتدئين متن الشيخ على عادتهم من التدريج العجيب وفي السنة الرابعة مرض الشيخ ، فأمره أن يدرّس في موضعه ، ولمّا شفي ، بقي على معاونته أسبوعًا بأسبوع الى أن كمل كتابي الصلاة والذكاة ، وتخلّص لكتابي البيوع والإجارة وحده مفردًا ، وفي السنة الخامسة أمره الشيخ أن يذهب إلى زاوية أبي التقى يدرّس بها الفقه . واجتمع في هذه السنة بالعلاّمة الجليل ، الذي سمّاه شيخه سيّدي الحاج محمّد ، خليفة سيّدي الحاج عبد القادر بن محيي الدين ، بابن مالك الصغير ، الشيخ الصادق بن الحبيب ، ورغب أن يأخذ عنه علم النحو فلم ييسّر له اللّه ذلك لعوارض ، وافترقا من هناك ، واجتمعا مرّة اخرى بزاوية سيّدي أبي التقى . وهذا آخر عهده به . ولمّا تعذّر على الشيخ الرجوع الى زاوية شيخه بزواوه ، رجع الى بلده ، ومكث بها أشهرًا ، وبطلب من اشراف البلد لشيخه سيّدي أحمد بن أبي داود ، أمره بالتدريس وحرّضه عليه فامتثل . فصل في رجوعه الى بلده بعد أن كتب له شيخه الإجازة بخط يده الكريمة، ابتدأ التدريس ببلده الهامل ، وكانت سنة خمس وستين ومائتين وألف ، فأصبحت به زاهرة يانعه وانهالت له الخلق من كل جهة لطلب العلم ، وحصل به النفع الكثير ، وكان يحضر درسه في الفقه نحو ثمانين تلميذا اواكثر ، وابتدأ من التفاسير بتفسير الواحديّ ، ومن كتب الحديث بشرح العارف باللّه سيّدي عبد اللّه بن أبي جمره ، وتقديمه لهذين الكتابين التماس بركة صاحبها لانّهما كانا من ملك الجدّ . فأقام في بلده لتعليم العلم تسع سنين . وفي السنة السادسة منها عزم على القدوم الى سيّدي مصطفى بن عزّوز لأجل التلمذة له والأخذ عليه ، ومن ثمّ الذهاب الى الحجّ ، فلم يوافقه الأشراف على ذلك لرغبتهم فيه . فصل في سبب سفره للأستاذ ولمّا كان للخير أسباب ، كتب الأستاذ لأحد المريدين وبطلب منه الى شيخه سيّدي المختار ، فلمّا وصل الجواب للشيخ ،بحث عن الكاتب ، وعن كيفيّة حاله ، ومن هو فأخبروه بترجمته تفصيلاً ، فحصل الارتباط الربانيّ في الوقت ، وكتب له الشيخ جوابًا أمره بالذكر ويدعوه الى الحضور عنده ، فبقي في امتثال الأمر، والمكاتبة متداولة بينهما ، الى أن قدم إليه ، ومكث عنده أيّاما ، وعاد فأقام ببلده سنة ، ثمّ رجع إليه ، وفي ثالث زيارة له استبقاه عنده الى ان يصلي على جنازته ، ويفوز بسرّه فأجابه لذلك ،فأحبّه أستاذه ، واغتبط بمكانه ، فعُرف أنّه وارث حاله ، وأنّه هو الذي ينتهي إليه الأمربعده ، ولا زال مقدّس الأسرارمتزايد الكمالات والأنوار ، فمناقبه لا تحصى ، وكراماته لا تحويها الدفاتر ، وكيف يأتي الحصر على كرامات من أقامه اللّه تعالى للارشاد والامداد ، أمّا مطلق الارشاد فقد أرشد اللّه به عالما كبيرًا ، وهدى على يديه جمّا غفيرًا ، وأمّا الامداد ، فانّ اللّه تعالى يرحم ببركته الخلق ويغيثهم وهم لا يشعرون ، وفي شرح العارف الشرقاويّ ، على الحِكَم مانصّه: « وهؤلاء الذين نصرهم اللّه تعالى ونصر بهم ولم ينصرعليهم هم الضّنائن الذين إذا ظهر واحد منهم في عصر حصل به النفع التام لأهله ، وأمدّهم اللّه بسببه وهم لا يشعرون وقد قال الشيخ سيّدي محمّد بن عبد الرحمن في مدحه : ذو مزايا لا يفي المدح بها . كيف يحويها قصوري لا ولم وللّه درّ القائل في العارفين : نجاب فتية عزّ كرام . من العلياء في أعلى مكان بحار العلم أوتاد الأراضي . ملوك الخلق أقمار الزمان وفي مدّة إقامته ، قدّمه الشيخ على جميع أموره ومصالح زاويته الظاهرة والباطنة ، وكلّ تصاريفه الخفيّة والجليّة . وكانت له مرائي كثيرة عجيبة ، وشطحات غريبة كان كتبها لأستاذه والشيخ يعطيها لكاتبه في الوقت، ويأمره بحفظها وكتابتها وصيانتها عن غير أهلها ، فلم يمتثل وضيّعها . ولمّا توفي الشيخ سيّدي المختار أمر الأستاذُ الكاتب المذكور أن يأتيه بها ، فلمّا مكّنه منها، قرأها جميعا وأوقد لها نارًا فأحرقها إلاّ ما اختطفه بعض الطلبة الحاضرين نحو الكرّاستين ، وإلاّ فهي كانت نحوالعشرين كرّاسة أو اكثر ، وله قصائد في مدح شيخه. فصل في رجوعه لبلده بعد وفاة شيخه وبنائه زاويته كان سيّدنا أحد أركان الإسلام ، وانتفع به الخاصّ والعام ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للخلفاء والسلاطين والعمال والقضاة والخاصّة والعامّة ، يصدعهم بذلك على رؤوس الاشهاد وفي المحافل ولايأخذه في اللّه لوم لائم ، وكان يقول : البارّ لي ، والفاجر أنا له ، ولقد كان مع جلالة قدره وعلوّ منزلته ، وسعة علمه ، يقف مع الصغير ، ويوقّر الكبير ، ويبدأ بالسلام ، ويجالس الضعفاء ،و يتواضع للفقراء ، وماقام لأحد من العظماء والاعيان ولا ألمّ بباب وزير ولا سلطان الاّ في حاجة من حوائج المسلمين . وأقول كما قيل : واللّه واللّه واللّه العظيم ومن . أقامه حجّة للدين برهانا إنّ الذي قلت بعضٌ من مناقبه . ما زدت إلاّلعلّي زدت نقصانا وما عليّ إذا ما قلت معتقدي . دع الجهول يظنّ الحقَّ بهتانا وكان رضي اللّه عنه إذا مرّ بطريق وقف الناس في الاسواق ليسألون به حوائجهم ، وكان له صيت وصوت وسمت وصمت وإنّي أرى كثيرًا من المشائخ الذين عاصروه اذا دخلوا إلى مدرسته أو رباطه قبّلوا العتبة ، وأقول متمثلاً ، بقول القائل : تزاحم تيجان الملوك ببابه . ويكثر في وقت السلام ازدحامها إذاعاينته من بعيد ترجّلت . وان هي لم تفعل ترجّل هامها ولمّا دخل بلدة الهامل ، تواردت بقدومه مقدّمات السعادة لأرض نزل بلادها ، وترافدت عليها سحائب الرحمة فعمّت طارفها وتلادها ، وتضاعف فيها الهدى فأضاءت ابدالها وأوتادها ، وتتابعت اليها وفود التهاني فأصبحت كلّ أحيانها أعيادها ، وأضحى قلب البلد بنور ودّه بالبشر متواجد ولسان ثغره بإقبال وجهه ينطق للّه بالمحامد بمقدمه انهلّ السحاب وأعشب ال.عراق وزال الغيُّ واتضح الرشد فعيدانه رند وصحراؤه حمى.وحصباؤه درٌّ وأمواهه شهد فهام به صدر العراق صبابة . وفي قلب نجد من محاسنه وجد وفي الشرق برق من مقابس نوره. وفي الغرب من ذكرى جلالته رعد ولسان حاله ينشد : أنا من رجال لايخاف جليسهم . ريب الزمان ولايرى ما يرهب قوم لهم في كلّ مجد رتبة . علويّة وبكلّ جيش موكب أضحت جيوش الحبّ تحت مشيئتي . طوعاومهمارمته لا يعزب مازلت أرتع في ميادين الرضى . حتى وُهبتُ مكانة لا توهب أضحى الزمان كحلّةٍ مرموقةٍ . تزهوونحن لها الطراز المذهب أفلت شموس الأوّلين وشمسنا . أبدًا على فلك العلا لا تغرب قدم لبلده الهامل ، رضي اللّه عنه ، في رمضان سنة سبع وسبعين ومائتين وألف ، وسكن بدار لبعض المرابطين يقال لربّها أحمد بن عمر ، وانهالت له الخلق من كلّ جانب بالزيارات ، وقصد من كلّ محلّ بالفتوحات ، وانحاشت له القلوب ، وبذل للزوّار المآكل والمشارب ، مع عزم وحزم في الارشاد ونفع العباد ، وهداية أهل الضلال والاعتدال في جميع الأحوال ، ممّا لا أقدر على ضبطه بكتابة ، فحسب المحبّ أن يقول ما شاء اللّه لا قوّة الاّ باللّه . وابتدأ بإحياء الأرض الموات ، بتسويتها وقلع حجرها وشجرها ، وغرس الأشجار بها ، حتى أحيا من الارض ما شاء اللّه . وفي سنة ثمان وسبعين توفّي الجدّ لنا ، ثمّ في سنة تسع وسبعين بعد المائتين والألف ، شرع في بناء زاويته المعمورة على جهة الغرب من قرية الأشراف في سفح جبل «عمران على كيفيّة حسنة ، فبنى منزلا للعائلة ، في غاية العلوّ والارتفاع ، محفوفًا من كلّ جهة بالعمارات ، وبنا في جنبه من جهة المشرق حوشًا يجلس فيه لإرشاد الخلق وتصريف أحوالهم ، ويأكل فيه الطلبة والإخوان ، وبجنب الدائرة ، بيتًا ، يطبخ بها التلامذة الطعام للطلبة والإخوان والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ، لا يدخلها إلاّ من يناول الطعام طبخًا أو إعطاء ، وهي المسماة بالنواله ، وعَمَر بلصقها مسجدًا يصلي فيه الخمس مع خاصّة تلامذته الملازمين له ، يسمّى بمسجد سيّدي عبد القادر ، ويُتلى فيه القرآن بمحضره في كلّ ليلة نحو الخمسة احزاب ، ويُدرّس به الحديث والنحو والتفسير ، ويقرأ فيه الموالد النبويّة وتُنشد فيه المدائح المصطفويّة وعمل بلصق الجميع من كلّ جهة نحو الخمسين مسكنًا للمصالح الوقتيّة ، وفي سنة ثمانين بعد المائتين والألف ، في محرّم الحرام ، ليلة الاثنين ، دخل زاويته بالعائلة والطلبة والإخوان ، وقدّم على الطلبة تلميذًا ، وهو المعروف ب المقدّم حاكمًا عليهم في المصالح الدينيّة ، من قراءة القرآن ، وملازمة الصلوات الخمس ، والآداب الشرعيّة. ولزّم كلّ طالب أن يستفتح بعشرين دينارًا للزاوية جريًا على عادة المشائخ الأول ، فأدّى كلّ ما عليه بطيب نفس. وفي سنة إحدى وثمانين ، شرع في بناء مسجد للطلبة والاخوان ولدرس الفقه وغيره على جهة الجوف من مساكنه الخصوصيّة ، فجاء مسجدًا عظيمًا في الاتساع والتأنّق ، يصلّى فيه الصلوات الخمس لكافّة الخلق ، ويذكر فيه الورد المعلوم صباحًا وعشيّه ، ويقرأ فيه الحزب الراتب عقب صلاة الصبح وثلاثة أحزاب بعد صلاة المغرب ، على سائر الدهر ، وجعل فيه ثلاثة مصاحف مجزّأة ، وفي ليلة الجمعة وصبيحتها تفرق على الطلبة ، فيختم القرآن ثلاث ختمات في أمد قريب . وجعل لطلبة القرآن معلّمًا يلي تعليمهم ، ويبذل جهده معهم ، ويُدرّس بهذا المسجد الفقه والحديث والتفسير في الشتاء ، وباقي الأوقات النحو والفنون الأدبيّة . وحفر بئرًا بوسط الزاوية ، وعمل نحو المائة مسكن للطلبة والإخوان ، وهي من عملهم ، وأقام إمامًا بالمسجد للصلوات الخمس ، ومؤذنا وأنشأ بساتين بشاطئ الوادي ، وبنى في كلّ بستان دارًا ، وجعل فيها طلبة يقرؤون القرآن ، ويقومون بمصالحه فالمارُّ مع طول الوادي ، لا ينقطع عنه سماع تلاوة القرآن او ذكر لا إله إلاّ اللّه ، وطول الوادي يزيد على فرسخ .وكانت الزاوية المعمورة محلاّ للعلماء العاملين والأولياء الصالحين ، والفقراء ، والغرباء ، والمساكين والأرامل ، والأيتام ، والزوار ، والطلبة ، والهيّام . وكان مبلغ الذين يموّنهم على الدوام ، وهم في حكم العائلة ، نحو الألف نفس ، وهذا من غير من يطرأ من الزوّار والطلبة الذين يجيئون ويذهبون ، وإن اعتبرنا ذلك فحسبي أن اقول ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه . وكان رضي اللّه عنه ، إذا أوصي على يتيم ، يجعل متروكه على حده ، ويحرّكه بالتنمية ، وجميع لوازم اليتيم يصرفها عليه من خاصّة ماله ، الى أن يتحقّق الرشد من الأيتام فيدفع لهم جميع مالهم . فكثيرًا ما شاهدنا بعض أيتام تركهم آباؤهم من غير شيء ، أو تركوا لهم شيئًا قليلا فلا يزال ينمى لهم الشيء القليل ، حتى يصير كثيرًا ، أو يعطي لهم من خاصّة ماله شيئًا وينمّيه لهم حتى يأنس منهم الرشد ، فيصير فوق كفايتهم بأضعاف ، فكانت الأيتام المحجورة له في كلّ وقت لا ينقصون عن مائة ، بل يزيدون في بعض الأوقات . ولمّا اطمأنّت به الدار ، أقبلت عليه الخلق طالبين للارشاد والامداد ، فظفر كلّ بما طلب ، كيف لا وهو عكاظ المعارف ، فلقّن الطريقة لأمم لا يحصون كثرة ، وكل يوم تزدحم على بابه القصّاد ، فمن مريد للهداية ، ومن طالب للعلم والقرآن ، ومن ميمّم ساحته لبذل المعروف والإحسان ومع اشتغاله بالخلق على كثرة أصنافهم ، وتشعّبات أغراضهم ومطالبهم ، وتباين طباعهم ، واشتغاله بقضاء حوائجهم من شفاعات وفصل خصومات ، لا يترك الدروس في علوم عديدة من الفقه والحديث والتفسير والنحو والكلام وغير ذلك .أمّا الفقه ، فقد كان من سنة ثماني وسبعين ، عام عودته إلى الوطن ، إلى سنة ثماني وثمانين ، تقريبًا ، يتولّى الدرس بنفسه ، ولمّا تكاثرت عليه الأشغال ، وقضاء حوائج خلق اللّه ، فوّض التدريس الى نجباء طلبته . ولكثرة اشتغاله بدرس الحديث ، فقد ختم عدّة وافرة من الكتب المعتبرة ، ختمات عديدة ، كالموطأ ، وصحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، والجامع الصغير ، وشروح شمائل الترمذيّ ، وشرح الأربعين النوويّه ، وسيّدي عبد اللّه بن أبي جمرة ، وشفاء القاضي عياض ، والمواهب اللدنية ، وتفسير الواحديّ ، وتفسير الخطيب ، الى غير ذلك ممّا لا يمكننا استقصاؤه . ويحصل له في قراءة الحديث الشريف حال عظيم و وجد كبير واستحضار عجيب ، فيبدي الدقائق العجيبة والنكات الغريبة ، ويقرأ بقوّة ربّانيّة ، يسرد على التوالي نحو الثلاث كراسات بلا تعب ولا ملل ، ولولا ما يعرض من الحوائج ، أو اوقات الصلاة ، ما كان يقطع القراءة لما له من الاذواق والمواجيد ، ولذا قال خاتمة المحقّقين ، العلاّمة الأمير في ضوء الشموع أذواق الصوفيّة كلّها في الإشارات النبويّة ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم أنا قاسم واللّه معطي . وقد حفظ القرآن في زاويته المعمورة خلق لا يحصون ، وانتفع في العلم جماعة كثيرة ، كلّ على قدراستعداده واعتقاده ، وهذه الخيرات الفائضة على الأتباع مستمدّة من المتبوع ، فإنّه الوارث الكامل من حضرة النبوّة وللّه درّ من قال: الفرع ان كان جناه طيّبا ~ فالأصل لولاه لما طاب الجنا. قدم سنة أربع وثلاثمائة وألف الى زيارة شيخ المشائخ سيّدي محمّد بن عبد الرحمن ، وسيّدي عبد الرحمن الثعالبيّ ، فتتلمذ له جلّ أهلها ، من علمائها وفضلائها وأتقيائها ونجبائها وأصفيائها ، وكذا نواحيها ، كبلد المديّه والبليده و مِتّيجه وشرشال والحراش وبلد تابلاط ، وذلك فضل اللّه يوتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم . كتب لي العلاّمة الشيخ سيّدي عاشور من محمّد الخنقيّ جوابا يخبرني فيه ببعض ما عاينه وشاهده : العلاّمة التكلامة ، والدرّاكة الفهّامة ، الشاب العفيف والأديب الظريف ، خلف الشرف ، وشرف الخلف ، الشيخ سيّدي محمّد بن الحاج محمّد لا زالا بين سعي وشكر ورعي يحمد ، السلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته وبعد ، فقد كان بلغني جواباك ، المؤرّخ أوّلهما في 8 رجب وثانيهما في منه ، وقد تضمّن الأوّل من الاثنين علمكم بقصّة المتاحبّين ، ثم أمرك إيّانا باعلامك بمبلغ ثمن حاشية ابن الحاج على المكودي ، ثم الاستعلام عن مقدمي لحضرتكم الشريفة كما هو مقصودي ، والثاني حاصل سفر الأستاذ الى حاضرة الجزائر ، وتخلّفك بالزاوية للقيام بأمورالعشائر فجزاك اللّه عن ذلك الخير بما لا يخطر على قلب بشر . هذا وانّه بعدما ورد جوابك الأوّل ، ورد تلغراف ... مضمنه أنّ الأستاذ قدم حاضرة الجزائر ، فركب البعض من صبيحة غده للاجتماع به والامتداد من مدده ، ومن الغد بعد ،ورد عليّ جواب حضرة القطب الفرد ... يخبرني فيه أنّه قدم الجزائر معروضًا لحضور المشهد المشار إليه بالهناء والسلامة والعافية ، فلا تتحيّر ، فحمدت اللّه عليه . وكتب الأستاذ بعده : ... وقد رأيت أنّ اللّه حرّكني ، لزيارة القطب شيخ مشائخنا سيّدي محمّد بن عبد الرحمن ، وسائر الاولياء برًا وبحرًا ...ومن الغد ورد جوابك الثاني ... وغلب ظنّ الجميع أنّ الاستاذ يقدم حاضرة قسنطينة أيضًا لحضور المشهد الثاني بها ، فارتقبناه ، وخرجنا الى الملاقاة ، فتخلّف ظنّ القدوم اذ ذاك للجماعة ، ثمّ أرجفت العامّة العمياء ، واضطربت الغوغاء ، بأنّ اقدام الحكّام حضرةَ القطب الى الجزائر ، انّما هو بنيّة القبض عليه ، مُظهَرًا في صورة الزائر . ودبّت تلك الأراجيف ... فبينما الأمر كذلك اذ اجتمعت بالأخ السيّد الحاج عليّ بن التبانيّ ... وقال لي الم تسمع ما يقال ، فقلت له سمعت ولكن ما فجعت ...وإني على تيقّن وطمأنينه ...وعلم قاطع ... أنّ ما أرجفت به الغوغاء كذب و زور ... فقال وكيف ذاك وبم عرفت ، فقلت له : بالفهم عن اللّه تعالى فيما وصفت ، فانّ الأولياء على قسمين : قسم خلقه اللّه للبلاء والصبر ، وقسم خلقه اللّه للعافية والشكر . فالاوّل : يتلقّى كلّ بلاء ، ينزل ، راضيًا به منه ، ولا يصيب العامّة الاّ ما فضل عنه . والثاني : يتلقّى كلّ شكر عن عافية ينزل ، وهو من البلاء براء ، والبلاء عنه بمعزل ، بحيث لا يبصره البلاء ولا يرى ، وتمرّعليه الفتن كقطع الليل المظلم وهو منها براء . وهذا القسم هم ضنائن اللّه بهم عن البلايا ، وهم أهل الكرم والجود والعطايا ، وأستاذنا سيّد هذا القسم ، ورئيس الضنائن بلا وهم ، بما أنّه غاية أهل الكرم والجود ، ونهاية أهل العطاء ، فهو فرد أهل العافية والشكر ، وقليل ما هم في الوجود . وثانيًا الفهم عن الأستاذ ، بما كتب اليّ : ان لا تتحيّر ، فانّها مجرد عرضة بالهناء ... وفي عشيّة الغد ، ورد عليّ كتاب من بعض الاخوان ، أن الاستاذ يريد أن نجتمع بحضرته ... فركبت الى الجزائر ...وفي صبيحة الغد اجتمعت بالقطب ، فقرّت العين ، وسُرّ القلب ، وسرى الخطب ... فحمدت اللّه على ذلك ، وشكرته على ما هنالك ، لاسيما على ما زادني شرفًا وتيهًا حتى كدت اطأ الثريّا بأخمصي ، وليتك حضرت ونظرت يا نعم الخليفة والوصيّ ، من ازدحام أهل الجزائر صغارهم وكبارهم ... حتى اختلط المرعى بالهمل ... والسيّد بالمملوك والسوقة بالملوك ... مدى البصر من باب الدار ، حرصًا على انتهاز الفرصة ...برؤية الطلعة السعيدة ...فمن رأى الاستاذ هذه المرّة بالجزائر ، وكان مؤمنًا بالغيب فكأنّما زال عنه الحجاب ، وكشف عنه الغطاء ، ورأى العين بعد الأثر ، وحق اليقين بعد العلم والعين ، وكاشف المقام وشاهد عين العطاء ... وهكذا عادة أهل اللّه العارفين، والكمّل الواصلين ، إذا دخل أحدهم قرية او محلّة او بادية ، اجتمعت عليهم القلوب وانحاشت اليهم الاجسام من الدانية والقاصية وكذلك وقع للأستاذ بالبادية، أيضا ، ما نزل بمحلّة الاّ فاضت الاودية عليهم بالخلق فيضًا ، وتاللّه لكأنّ ملائكة السماء ... تنادي في الخلائق ... ألا هلمّوا الى القطب فقد نزل بالمحلّة الفلانيه ، فينسلّ الخلائق من كلّ حدب ، حتى يبلغ العدد ما يقضي بالعجب... وفي هذه الزيارة رمّم ضريح الشيخ ابن عبد الرحمن. وجدّد الاستاذ بناء مسجد الاسلاف المشهورين بحجّاج الهامل سنة سبع من القرن الرابع عشر ، وللأستاذ نحو ثلاثين زاوية وله رسائل كثيرة ، منها رسالة في الهجرة ، ورسالة في تحريم الدخان ، ورسالة في جواز الافطار ل التويزه في رمضان ، بالشروط المعتبرة ، ورسالة في مقامات الأنفس السبعة ، ورسالة في الرد على من يعتقد أنّ فرس عليّ ليست من نسل الخيل وأنّ سيفه أنزل من السماء ، وله منظومة الأسماء الحسنى ، البديعة المثال ، يشهد من قرأها وتأمّلها برسوخ قدم ناظمها في الطريق . ولمن قال أنّ هذه القصيدة خارجة عن قانون الشعر ، بعيدة من البلاغة ، ألم يعلم ، أنّ العارفين باللّه تعالى ، طارحون للتكلّف والتأنّق في نظمهم ونثرهم ، بل ياتون بما تسمح به القريحة عفوًا ، لأنّ المقصود والمنظور اليه عندهم المعاني لا الألفاظ ، ولذا تجد نظم الاولياء ونثرهم في الغالب غير جار على أساليب البلاغة. سنده في الفقه أخذ الأستاذ الشيخ سيّدي ومولاي محمّد بن أبي القاسم الفقه وغيره عن الشيخ سيّدي أحمد بن أبي داود بزواوه ، وهو عن والده سيّدي أبي القاسم ، وهو عن والده سيّدي السعيد بن أبي داود ، وهو عن والده سيّدي عبد الرحمن ، وهو عن الشيخ ابن اعراب ، وهو عن الشيخ الخرشيّ بسنده المشهور . وكذا أخذ الوليُّ للّه سيّدي السعيد عن العارف الربّانيّ سيّدي محمّد بن عبد الرحمن الأزهريّ ، وهو عن الشيخ العمروسيّ والشيخ القطب العارف باللّه سيّدي أحمد الدردير وغيرهما بمصر، وهم عن الشيخ العلاّمة صاحب التصانيف المفيدة سيّدي عليّ بن أحمد الصعيديّ وهو عن جماعة منهم سيّدي محمّد السلمانيّ والشيخ عبد اللّه المغربيّ كلاهما عن سيّدي محمّد الخرشيّ ، وسيّدي عبد الباقي الزرقانيّ ، وهما عن نور الدين سيّدي عليّ الأجهوري وبرهان الدين سيّدي إبراهيم اللقّانيّ ، وهما عن شيخ المالكيّة سيّدي سالم السنهوري ، وهو عن الشيخ سيّدي عليّ السنهوريّ شيخ التتائيّ وأبي الحسن شارح الرسالة ،وهو عن العلاّمة البساطيّ ، وهو عن تاج الدين بهرام الدميريّ ، وهو عن شيخه العلاّمة سيّدي خليل بن إسحاق وهو عن شيخه قطب الزمان سيّدي عبد اللّه المنوفيّ بسنده المشهور . وكذا أخذ الشيخ سيّدي عليّ السنهوريّ ، المذكور ، أيضًا ، عن الشيخ طاهر بن عليّ بن محمّد النويريّ ، وهوعن الشيخ حسين بن عليّ ، وهو عن الشيخ أبي العبّاس سيّدي أحمد بن عمر بن هلال الربيعيّ ، وهوعن قاضي القضاة فخر الدين المخلطيّ ، وهوعن أبي حفص عمر بن فراج الكنديّ وهوعن أبي محمّد عبد الكريم ابن عطاء اللّه السكندريّ، وهو عن أبي بكر محمّد بن الوليد بن خلف الطرطوشيّ ، وهوعن أبي الوليد سليمان بن خلف الباجيّ ، وهو عن الإمام مكيّ القيسيّ الأندلسيّ ، وهوعن الإمام أبي محمّد عبد اللّه بن أبي زيد القيروانيّ ، وهوعن الإمام أبي بكر محمّد بن اللباد الإفريقيّ ، وهو عن الإمام يحيى الكنانيّ صاحب اختلاف بن القاسم وأشهب ، وهو عن الإمام سحنون والإمام عبد الملك الأندلسيّ ، وهما عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم العتقيّ المصريّ والإمام أشهب بن عبد العزيز القيسيّ ، وهما عن إمام الايمّة مالك بن أنس ، وهو عن ربيعة ونافع مولى ابن عمر ، وتفقّه ربيعة عن أنس بن مالك خادم نعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ، وتفقّه نافع على مولاه عبد اللّه بن عمر ، كلاهما عن سيّد أهل الدنيا والآخرة محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب صلّى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلّم ، وقد جاءه الوحيُ من ربّ العالمين بواسطة الأمين جبريل عليه السلام . سنده في الطريقة ... ... ... الأصل في التلقين ، ما رواه الطبراني والبزار وغيرهما أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لقّن أصحابه كلمة لا إله إلاّ اللّه جماعة وفرادى بعد أن سبق تكرارها منهم منذ أسلموا الى ذلك الوقت ... ... ... ... ... ... واعلم أنّ من فوائد التلقين ارتباط القلوب بعضها ببعض إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الى حضرة اللّه عزّ وجلّ ... ... ... ... ... ... فاذا أردت معرفة سلسلتنا فاعلم انّه لقّن ربُّ العزّة جلّ جلاله جبريل ، وهو لقّن قدوة الانبياء والمرسلين ، وملجأ الاوّلين والآخرين ،صاحب المقام المحمود والحوض المورود ، سيّدنا محمّد بن عبد اللّه ، وهولقّن أمير المؤمنين وابن عمّ سيّد الاوّلين والاخرين صلّى اللّه عليه وسلّم سيّدنا عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، وهولقّن ابنيه الحسن والحسين وكميل بن زياد والحسن البصري ، القائل «يستعان على الخاطر الشيطانيّ بالذكر والقراءة ، وعلى الخاطر النفسانيّ بالصوم والرياضة ، وهو لقّن سيّدي حبيب العجميّ ، وهولقّن سيّدي داود بن نصير الطائيّ ،وهو لقّن أبا محفوظ سيّدي معروف الكرخيّ بن فيروز القائل : « من أراد اللّه به خيرًا فتح عليه باب العمل ، وأغلق عنه باب الجدل، وهو لقّن أبا الحسن السرى بن مفلس السقطي وهو لقّن سيّدي أبي القاسم الجنيد ابن محمّد القواريري سيّد الطائفة البغداديّة القائل « مكابدة الوحدة أيسر من مرارة الخلطه، وهولقّن سيّدي ممشاد الدينوريّ القائل»الهمّة مقدّمة الأشياء فمن صلحت همّته وصدق فيها صلح له ما وراءها من الأعمال والأحوال ، وقال أحسن الناس حالاً من أسقط عن نفسه رؤية الخلق ، وهولقّن سيّدي محمّد البكريّ ، وهولقّن القاضي سيّدي وجيه الدين ، وهولقّن سيّدي عمر البكريّ وهو لقّن سيّدي عبد القادر بن عبد اللّه بن محمّد السهرورديّ ،كان يقول « أوّل التصوّف علم ، و وسطه عمل وآخره موهبه وهو لقّن سيّدي قطب الدين الأبهري ، وهو لقّن سيدي محمّد الملقّب بركن الدين النجاشيّ ، وهو لقّن سيّدي محمّد الملقّب بشهاب الدين الشيرازيّ ، وهو لقّن سيّدي التبريزيّ جمال الدين ، وهولقّن سيّدي إبراهيم الزاهد ، وهو لقّن سيّدي محمّد الخلوتيّ ، وهو لقّن الخلوتيّ سيّدي عمر ، وهو لقّن الخلوتيّ سيّدي محمّد امبرام ، وهو لقّن سيّدي الحاج عزّ الدين ، وهو لقّن سيّدي صدر الدين الجياني ، وهولقّن سيّدي يحيى الباكوبيّ الحلبيّ ، وهولقّن سيّدي محمّد بن بهاء الدين الشيرازي ويقال الأدرنجاتي وهولقّن سيّدي سلطان الشهير بجمال الدين الخلوتيّ وهولقّن سيّدي خير الدين التوقاديّ ، وهولقّن سيّدي شعبان القسطونيّ ، وهولقّن سيّدي محيي الدين القسطونيّ وهولقّن سيّدي إسماعيل الجرميّ ، وهولقّن سيّدي عليّ قارباشا، شارح الفصوص للشيخ الأكبر ، وهو لقّن سيّدي مصطفى الأنداويّ وهولقّن سيّدي عبد اللطيف الحلبيّ ، وهولقّن سيّدي مصطفى بن كمال الدين بن عليّ البكريّ الصدّيقيّ ، من تصانيفه : « الوصيّة الجليّة لسالكي الطريقة الخلوتية ، وكتاب السير والسلوك الى ملك الملوك ، وبغية المريد ، والألفيّة الكافية الوافية لطلاّب السّادات الصوفيّه و تشييد المكانة لمن حفظ الأمانة ... وهولقّن سيّدي محمّد بن سالم الحفناويّ ، وهو لقّن أبا عبد اللّه سيّدي محمّد بن عبد الرحمن القجطولي الزواويّ الأزهريّ ، وهولقّن وأرشد سيّدي عبد الرحمن باش تارزي القسنطينيّ ، وهو لقّن العلاّمة الصوفيّ سيّدي محمّد بن عزّوز البرجيّ نور الصحراء ، وهو لقّن وأرشد سيّدي عليّ بن عمر الطولقيّ ، وهولقّن وأرشد سيّدي المختار بن عبد الرحمن ، وهولقّن الأستاذ سيّدي ومولاي محمّد بن أبي القاسم . كتاب الزهر الباسم في ترجمة الإمام سيّدي محمّد بن أبي القاسم تأليف الشيخ سيّدي محمّد بن الحاج محمّد بن أبي القاسم المطبعة الرسميّة التونسيّة 1308 هـ ص 2- 66 بتصرّف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ محمّد بن عبد الرحمن الديسيّ رفع النقاب عن شبهة بعض المعاصرين من الطلاّب أخذ الطريقة رضي اللّه عنه بجدّ واجتهاد وبتحقّق وتعلّق ، لا بتمخرق وتحذلق ، وبصدق توجّه وكمال مجاهده ، ودوام مكابدة ، وحسن إرادة ، وقمع نفس وقهر هوى ، وإماتة حظوظ ، وإرغام شيطان ، وغربة عن الأوطان وعدم التفات الى شرف نسب وعلوّ حسب ، واتكال على علم وعمل ، ألقى اللّه محبّته في القلوب ، وتلك آية محبّة اللّه تعالى لعبده ، قال صلّى اللّه عليه وسلّم : اذا أحبّ اللّه عبدًا دعا جبريل عليه السلام انّ اللّه تعالى أحبّ فلانا فأحبّه فيحبّه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء انّ اللّه يحبّ فلانا فاحبّوه فيحبّه اهل السماء فيوضع له القبول في الارض ،الحديث ، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : والمراد بالقبول في حديث الباب قبول القلوب له بالمحبّة والميل اليه ، ويوخذ منه أنّ محبّة قلوب الناس علامة محبّة اللّه، ويؤيّده ما تقدّم في الجنائز أنتم شهداء اللّه في أرضه والمراد بمحبّة اللّه إرادة الخير للعبد وحصول الثواب له وبمحبة الملائكة استغفارهم له ، وإرادتهم خير الدارين له وميل قلوبهم اليه ، لكونه مطيعًا للّه محبًّا له ، ومحبّة العباد له اعتقادهم فيه الخير ،وإرادتهم دفع الشرّ عنه ما أمكن .اه وقال أيضًا :ومن علامة محبّة العبد للّه نصر دينه بالقول والفعل ، والذبّ عن شريعته والتخلّق بأخلاقه .اه فأحبّه شيخه العارف باللّه تعالى مقدّس الأسرار والانوار من هو كاسمه مختار ، حبًّا شديدًا ، واغتبط به اغتباط أمّ الواحد بالولد ، وأحلّه محلّ الروح من الجسد ، فأحبّه العامّ والخاص ، والداني والقاص ، نعمة من اللّه وفضلاً ، وألسنة الخلق أقلام الحق . بعد تحصيل العلوم ، من فقه وتفسير وحديث ، فانّه رحل في طلب العلم الى مقام العارف باللّه تعالى ، المعمور بالبركات والأسرار ، الشيخ بن أبي داود ، شيخ مشايخ بلادنا فحصّل واستفاد ، ودرّس وأفاد ، فبنى على أساس متين وسلك في طريق واضح مبين . قال العارف باللّه تعالى الشيخ زرّوق في قواعده : لمّا كان الفقه في علمه لا يصحّ التصوّف بدونه ، كان التزامه مع صدق القصد به محصّلاً له ، فمن ثمّ كان الفقيه الصوفيّ تامّ الحال ، بخلاف الصوفيّ الذي لا فقه له ، وكفى الفقه عن التصوّف ، ولم يكف التصوّف عنه . ثمّ حض الأيمّة على القيام بالظاهر لما سئلوا عن علم الباطن وقال عليه السلام للذي سأله أن يعلّمه من غرائب العلم :ما صنعت في رأس الامر ثمّ قال :اذهب احكم ماهنالك ، وقال عليه السلام :من عمل بما علم ورّثه اللّه علم ما لم يعلم . الحديث . فافهم . اه .قال المحقق الأمير في أوّل شرح مجموعه :وفي الحطّاب سأل رجل مالكا عن شيء من علم الباطن فغضب وقال :انّ علم الباطن لا يعرفه الاّ من عرف الظاهر فانّه متى عرفه وعمل به فتح اللّه عليه علم الباطن .اه وقال السرى سقطي للجنيد رضي اللّه تعالى عنهما :جعلك اللّه صاحب حديث صوفيًّا ولا جعلك صوفيّا صاحب حديث . قال الغزاليّ :أشار الى من حصّل الحديث والعلم ثمّ تصوّف أفلح ، ومن تصوّف قبل العلم خاطر بنفسه . وقال الجنيد :علمنا هذا مقيّد بالكتاب والسنّة . قال ابن عربيّ :يريد أنّه نتيجة عن العمل عليهما ، وهما الشاهدان العدلان وقال الجنيد أيضًا :من لم يسمع الحديث ويجالس الفقهاء ، ويأخذ أدبه عن المتأدّبين أفسد من اتّبعه اه وقد اتقن مختصر الشيخ خليل غاية الاتقان منطوقًا ومفهوما ، فهو يجري على لسانه لفظًا ومعنى ، أمّا الأحاديث النبويّة فلا يكاد يشذّ عنه حديث واحد من الصحيحين ، فقد كان له بهما العناية التّامّة ، ويبدي من اسرار الأحاديث العجائب والغرائب ، فانّ أذواق العارفين في الأحاديث والآيات لا تلحق . وختم البخاري ختمات كثيرة ، وصحيح مسلم ايضًا ، لكن دونه ، وكذا له اعتناء تامّ بموطأ الإمام مالك ، وشفاء القاضي عياض ، وشمائل الترمذيّ ، والمواهب اللدنيّة ، والجامع الصغير ، الى غير ذلك ممّا يكثر ويتعذّر حصره . وأمّا تفسير القرآن فهو فيه البحر الزاخر المتلاطم الامواج ، أحكم ظاهره وباطنه ، فكم له فيه من دقائق افهام ونكت إشارات ، لا تعدّ ولا تحدّ ، فسبحان من خصّه بمواهبه اللدنيّه ، واصطفاه لحمل أسراره القدسيّه .وله اليد الطولى في كثير من الفنون ، كالنحو والبيان والمنطق و الفلك وأصول الدين وأصول الفقه ، قرأنا بين يديه ختمات في الألفيّة والقطر والجوهر المكنون وسلم الأخضريّ ، فاستفدنا من حضرته الشريفة فوائد جمّه، ونبّهنا على دقائق بديعة مهمّه ، لا تلحقها أفهامنا القاصرة يستحضرها في الحال بلا مطالعة ولا مراجعة ، وقد أمدّنا اللّه من بركته في هذه العلوم وفي غيرها بما لسنا له أهلاً ،لولا العناية الالهيّة وبركة الأستاذ وسرّه المقدّس ، فللّه الحمد والمنّه ، وكذا قرأنا بحضرته كتبًا كثيرة في الحديث والسير وعلم القوم ، بقراءة ابن أخيه العلاّمة سيّدي محمّد حفظه اللّه تعالى وأيّده ونفعه ونفع به . وفي الحديث :الخلق كلّهم عيال اللّه وأحبّهم اليه أنفعهم لعياله ، قال المناوي :أنفعهم لعياله بالهداية اليه وتعليمهم ما يصلحهم ،والعطف والانفاق عليهم من فضل ما عنده .اه فهذا السيّد الجليل نفّاع لعباد اللّه بحاله وجاهه وماله مشفق عليهم حريص على هدايتهم وعلى ايصال الخير اليهم بكلّ وجه وبكلّ طريق ، يحبّ أهل الدين وأهل الصلاح ويؤثر أهل الفضل ، ويكرم أهل العلم ويبجّلهم ، بعيد عن التعصّب والاغراض ، يوالي في اللّه ، ويعادي في اللّه ، وهو دليل الصدق في المعاملة بين العبد وربّه ، قال الغزاليّ في الاحياء: من لم يفرح بمن يعينه على إرشاد الخلق ودعائهم الى اللّه تعالى وتعليمهم أمر دينهم ، وأحبّ الانفراد بذلك ، كان بمنزلة من كره من يعينه على حمل ميّت لأنّ الجاهل كالميّت . وهو أيضًا ممن دفع اللّه به الضرر عن المسلمين ومعلوم انّ دفع الضرر عنهم من فروض الكفاية كما في المختصر باطعام جائعهم ، وكسوة عاريهم ، ومواساة مضطرّهم وإعانة عاجزهم ، وكفّهم عن ظلم بعضهم بعضًا ، الى غير ذلك من آثاره الحميده ، ومزاياه الكثيرة العديده. أمّا الارشاد الى طريق اللّه ، وهداية الخلق به و تعليم الجهّال وكثرة من تعلّم العلم وحفظ القرآن العظيم بمقامه الشريف ، وكذا كثرة من تاب على يده ورجع الى اللّه تعالى وحسن حاله بعد الانهماك في أنواع الشرور وضروب الفسوق فأمر محسوس ، من انكره أنكر الضرورة ، وعاند الحسّ . قال السعد في شرح العقائد النسفية العناديه : من ينكر الاشياء ويزعم أنّها أوهام وخيالات باطلة ،والحق ،انّه لا طريق الى المناظرة معهم بل الطريق تعذيبهم بالنار ليعترفوا أو يحترقوا . وفي الحديث : لان يهدي بك اللّه رجلاً واحدًا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس . فهو بحمد اللّه تعالى إمام متبوع مقتدى جمهور عظيم من الامّة المحمّديّة ، وقد قالوا :المرء في ميزانه أتباعه ، فهذا فضل عظيم لا يقدّرقدره. وانّه العلم الفرد في بذل المعروف وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم ، وقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم :واللّه يحبّ إغاثة اللهفان ، وقال عليه الصلاة والسلام :من موجبات الجنّة إطعام الطعام وإفشاء السلام وحسن الكلام . آية في علوّ الهمّة، نزيه عن الاطماع والاغراض ، أظهره اللّه رحمة للعباد بلا دعوى منه ولا اختيار ولا مراد . قال محمّد بن عليّ الترمذيّ الحكيم :الوليّ أبدًا في ستر حاله والكون ناطق بولايته، ومدّعي الولاية ناطق بولايته والكون يكذّبه اه فانّ الدعوى بلوى ، وما أفلح مدّعِ قطّ ، بل يفتضح ويذهب أمره سريعا ، قال أبو عليّ بن الكاتب : روائح نسيم المحبّة تفوح من المحبّين وان كتموها وتظهر عليهم دلائلها وإن اخفوها وتدلّ عليهم وان ستروها اه وفي المعنى قيل: تضوع أرواح نجد من ثيابهم . عند القدوم لقرب العهد بالدار وانّه من المرادين المحبوبين ، سئل الجنيد قدّس سرّه : ما الفرق بين المريد والمراد ، فقال :المريد تولّته سياسة العلم والمراد تولّته رعاية الحقّ ، فانّ المريد يسير و المراد يطير وأين السيّار من الطيّار اه فراية الولاية عليه خافقة ، وآية الصدّيقيّة الكبرى بشهادة حاله ناطقة ، فمخبره ينبيء عن الخبر وكلّ إناء بالذي فيه يرشح وليس يصحّ في الأذهان شيء . اذا افتقر النهار الى دليل قال ابن عطاء :علامة الوليّ أربعة صيانة سرّه فيما بينه وبين اللّه ، وحفظ جوارحه فيما بينه وبين أمره ، واحتمال الأذى فيما بينه وبين خلقه ،ومداراته للخلق على تفاوت عقولهم اه فأخلاق الاولياء متوفّرة فيه يتيقّنها من يشاهد أحواله الشريفة عيانًا ، ويتحقّقها من يسمع طيب أخباره من بعيد من المنصفين برهانا ، فانّ المتواترات إحدى اليقينيّات التي يتألّف منها البرهان المنطقيّ ، قال العارف باللّه تعالى أبو نجيب السهرورديّ في بعض رسائله : ومن اخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم الحلم والتواضع والنصيحة والشفقة والاحتمال والموافقة والاحسان والمداراة والايثار والخدمة والالفة والبشاشة والكرم وبذل الجاه والمروءة والتوءدة والجود والتودّد والعفو والصفح والسخاء والوفاء والتلطّف والبشر والطلاقة والسكينة والوقار والدعاء والثناء وحسن الظنّ وتوقير الاخوان وتبجيل المشايخ والترحّم عن الصغير والكبير واستصغار ما منه واستعظام ما عليه اه .وقال القشيريّ في الرسالة : فان قيل فما الغالب على الوليّ في حال صحوه قيل صدقه في أداء حقوقه سبحانه ثمّ رفقه وشفقته على الخلق، ثمّ انبساط رحمته لكافّة الخَلق ، ثمّ دوام تحمّله عنهم بجميل الخُلق ، وابتداؤه بطلب الاحسان من اللّه عزّ وجلّ اليهم من غير التماس منهم ، وتعليق الهمّة بنجاة الخلق ، وترك الانتقام منهم ، والتوقّي عن استشعارحقد عليهم مع قصر اليد عن اموالهم وترك الطمع بكل وجه وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم والتصاون عن شهود مساويهم ولا يكن خصمًا لأحد في الدنيا ولا في الآخرة اه .فهذه المذكورات وأكثر منها موجودة فيه واجبة التسليم ، من كلّ ذي عقل صحيح وتصوّر سليم ، لما ذكرنا سابقًا من البرهان ، فاذا قد تحقّقت ولايته ، فمن آذاه فقد اجترأ على حرب ربّه ، بشهادة الحديث القدسيّ : من آذى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب ، أمّا حسن الاخلاق والمروءة التامّة والكرم الباهر والاحسان الخارج عن الحدّ ، فحدّث عن البحر ولا حرج ، فمن نفع اللّه به العباد ، وأنار بوجوده البلاد وأحيى به الدين وأيّده وسدّده وحفظه وحفظ به في مثل هذا الزمان الصعب الذي قلّ خيره وكثر شرّه ولم يبق فيه من دين الهدى الاّ اسمه ، ولا من القرآن الاّ رسمه ، وغاضت فيه ينابيع الهدى ، وفاض بحر الجهل والزيغ بدا ؛ وجبت محبّته على الكافّة ، فلو فرض أنّ عارفًا بهذه الصفات بالصين ، أو بصين الصين ، أو من وراء البحر المحيط لكنّا نفرح به وندعو له بطول البقاء لما في ذلك من نفع الامّة المحمّديّة ، وفي صحيح البخاري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :ترى المومنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى ، قال الحافظ في الفتح ، وفي معناه قال عياض :فتشبيه المومنين بالجسد الواحد تمثيل صحيح وفيه تقريب للفهم واظهار للمعاني في الصور المرئيّة وفيه تعظيم حقوق المسلمين والحظ على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضًا اه وللّه درّ من قال ماجزا من يحبّ الاّ يحبّ ، وغيره علامة حبّ اللّه حبّ حبيبه غيره ، وكلّ امريء يولي الجميل محبّب. ولا يطعن فيه الاّ مرتاب في دينه ، شاكّ في أمره ، حمله على ذلك الحسد الصرف ،والتعصّب البحت . وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها . ويجهد أن يأتي لها بضريب قال عليه الصلاة والسلام :آية الايمان حبّ الأنصاروآية النفاق بغض الانصار ، لا خصوصيّة للانصار بهذا بل كلّ من نصر الدين بأيّ وجه من وجوه النصر ، كان له حظّ من هذا الحديث واللّه أعلم ، وانّه جبل من جبال الدين ، ومن أيمّة الرسوخ والتمكين ، ذو فتح أكبر ، ودائرة في المعارف واسعة ، لا تستخفّه السرّاء ، ولا تحلّ عرى صبره الخطوب والبأساء ثابت القدم ، عالي الهمم ، كثير الصدقات وافر الصلات والهبات . وانّه من سادات أهل البيت الواجب تعظيمهم واحترامهم ، الجامعين بين النسبة الدينيّة والطينيّة قال العلاّمة المناوي نقلاً عن الجلال الدواني : آل النبيّ من يؤول اليه بحسب نسبه عليه الصلاة والسلام لحياته الجسمانيّة كاولاده النسبيّة ، ومن يحذو حذوهم من اقاربهم الصوريّة أوبحسب نسبته لحياته العقليّة كاولاده الروحانيّة من العلماء الراسخين والاولياء الكاملين والحكماء المتألّهين المقتبسين من مشكاة النبوءة سواء سبقوه زمانا اولحقوه ،ولا شكّ انّ الثانيّة آكد من الاولى والثانية من الثانية آكد من الاولى منهما واذا اجتمع نسبتان بل النسب الثلاث كان نورًا على نوركما في الأيمّة المشهورين من العترة الطاهره . تنبيه : قد يعترض من لم يساعده التوفيق ، ولا شمّ رائحة التحقيق على الأيمّة الهادين المهتدين بما يبسط اللّه تعالى عليهم من النعم الدنيويّة ويوسّعه عليهم من الارزاق ظنًّا منه انّ ذلك قادح في كمالهم ، بل ذلك عين الكمال ، لأنّ الاولياء اصناف وأقسام ، فمنهم من يختار اللّه تعالى له الغنى ومنهم من يختار له الفقر ، ويشهد له حديث :انّ من عبادي من لا يصلح له الاّ الغنى ولو أفقرته لفسد حاله ، ومنهم من لا يصلح له الاّ الفقر ، ولو اغنيته لفسد حاله ، والمراد بالعباد في الحديث الخواصّ المعتنى بهم ، لا مطلق العباد ، بدليل الإضافة الموذنة بالتشريف ، ولولا إرادة الخصوص لأشكل معنى الحديث ، لأنّ أكثر الاغنياء والفقراء غير موفّقين ، ولانّ كلّ وليّ على قدم نبيّ ، وأحوال الانبياء مختلفة بالفقر والغنى ، قال تعالى :فقد آتينا آل ابراهيمالكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ، يعني ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام كما في المدارك ، وفي لباب التاويل فلم يشغلهم عن النبوّة ، وفي صحيح البخاري عن ابي هريرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ، قال :بينا أيّوب يغتسل عريانا فخرّ عليه جراد من ذهب فجعل ايوب يحثي ثوبه فناداه ربّه ياأيّوب الم اكن اغنيتك قال بلى وعزّتك ولكن لا غنى لي عن بركتك ، وحال يحيى وعيسى عليهما السلام معروفة في الزهد وترك الدنيا بالكليّة ، والدنيا لا تمدح ولا تذمّ لذاتها بل هي وسيلة لها حكم مقصدها ، فان صرفت فيما يرضي اللّه تعالى ورسوله كانت مطيّة الآخرة ونعم المال الصالح للرجل الصالح ، وإن صرفت في شهوات النفس وطاعة الشيطان ، فهي فتنة و وبال ، انّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين ، فمن امدّه اللّه تعالى بالمال الحلال، و وفّقه لصرفه في وجوه الخير ، وأقام به ناموس الطريق والعلم ، بالاظهار والاشهار ، وأعان على نوائب الحقّ فذاك عين الكمال ، فانّ اليد العليا خير من اليد السفلى ، والعليا المنفقة والسفلى الآخذة ، على أنّ الكسب والاشتغال بالاسباب من حرث وغيره لا ينافي التوكّل ، قال سهل بن عبد اللّه : من طعن في الحركة ، أي الكسب ، فقد طعن في السنّة ، أي في سنّة اللّه ورسوله ، فانّها جرت بذلك ،كحفر الخندق ولبس الدرع وتحصّن المسلمين وحمل الازواد في الأسفار. وقد قال تعالى :واعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل وقال العارف زرّوق في قواعده: حكم التابع حكم المتبوع فيما تبعه فيه وان كان المتبوع أفضل ، وقد كان أهل الصفّة فقراء في أوّل امرهم حتى كانوا يعرفون بأضياف اللّه ثمّ كان منهم الغنيّ والأمير والمتسبّب والفقير ،لكنّهم شكروا عليها حين وجدت ، كما صبروا عليها حين فقدت ، فلم يخرجهم الوجدان عمّا وصفهم مولاهم به :يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ،كما انّهم لم يمدحوا بالفقدان بل بحبّ الملك الديّان ، فلا يختصّ التصوّف بفقر ولا غنىً اذا كان صاحبه يريد وجه ربّه، فافهم اه . ومياسير الصحابة كثيرون كعثمان ابن عفّان فقد جهّز جيش العسرة بما هو مذكور ومشهور في السير ، وعبد الرحمن بن عوف فقد صولحت احدى زوجاته وكنّ أربعًا بثمانين ألفًا ، والزبير بن العوّام فقد ترك من الأراضي والضياع ما تزيد قيمته على خمسين ألف الف ، وغيرهم رضي اللّه عنهم ، فلم يقدح ذلك فيهم، بل ورد :ذهب أهل الدثور بالأجور ، لانّهم زادوا على الاعمال البدنيّة من صيام وصلاة وحجّ وجهاد بالصدقات والانفاق في مرضاة اللّه عزّ وجلّ من فضول اموالهم ، وفي الجواهر الحسان في تفسير قوله تعالى :انّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب ، فقد يعبّر بهذه العبارة عن المكثرين من الناس انّهم ينفقون بغير حساب ، وذلك مجاز وتشبيه ، والحقيقة هي ما ينفق من خزائن اللّه سبحانه ، قال الشيخ بن أبي جمرة رضي اللّه عنه :وقد قال العلماء في معنى قوله تعالى انّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب انّه الفتوح اذا كان على وجهه ذكر هذا عند شرحه لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم لو دعيت الى ذراع او كراع لأجبت اه الى هنا كلام الجواهر رضي اللّه عن مؤلّفه ، وهذا قليل من كثير ، وأنموذج يسير يدلّ على ما وراءه ، واللبيب تكفيه الإشاره ، والمتعنّت لا يقنعه التطويل ، ولو تليت عليه التوراة والزبور والانجيل . وبالجملة فأدلّة ولايته محكمه وقضايا فضله مشهورة مسلّمه ، فهي كقضايا أقيستها معها محجوج ومغلوب من ردّها ومنعها ، وللّه درّ من قال: إذا رضي الناس عن واحد . وخالفهم في الرضى واحد . فقد دلّ اجماعهم دونه . على رأيه أنّه فاسد غيره: والناس أكيس من ان يمدحوا رجلا . من غير ان يشهدوا آثار احسان غيره: فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله . ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب واللّه الموفّق والمعين ، لا ربّ غيره ... رفع النقاب عن شبهة بعض المعاصرين من الطلاّب تأليف العلاّمة الشيخ محمّد بن عبد الرحمن الديسيّ طبعة سنة 1312 هـ المطبعة الرسميّة التونسيّة الصفحات من 4 الى 13 من مقدّمة الرسالة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ محمّد المكي بن عزوز برق المباسم في ترجمة الشيخ سيّدي محمّد بن أبي القاسم ... هذا ولم اتقيّد بعهد أحد من الأشياخ منذ البلوغ ، حتّى هبّت نفحة من نفحات الباري ، الذي لا تقيّده عادة ، فساقت رياح الأقدار سفينة نجاتي تِلقاءَ مَدْيَنِ السّعادة ، وهو قصدي ، صاحب الترجمة ، بزاويته مقرّ شرفاء الهامل ، قرب أبي سعاده . يجمعني اللّه به في ذي القعدة عام 1300 هـ ، فوجدته ممّن قال فيهم الصوفيّة : شيخك الذي تنتفع بلحظه قبل لفظه ، وبحاله قبل مقاله فاطمأنّ القلب له ، وقلت : هذه الضالّة التي أنشدها ، والغاية التي أرصدها ، وفي ذلك قلت : نشقت به عبير أبي وجدّي . فألقى القلب جملَتَه إليه ومن ذا في الأنام يلوم شخصا . ترامى إذ أحسّ بوالديه وقد رأيت له من الاستقامة الشرعيّة أكثر ممّا نقلت عنه الأخبار وربُّك يخلق مايشاء ويختار . فقابلني بإكرام ، وحسن أخلاق ما يدلّ لفضل الهاشميّة على سائر الأعراق ... ... ... ... ... ... ثمّ شيخنا صاحب الترجمة ، بارك اللّه في مساعيه ، ممّن امتاز بتعميم جميل المعاملة ، وملاطفة عباد اللّه بأحسن معاملة ، كما سترى ذلك إن شاء اللّه . ولنرجع الى الكلام في أخذي عنه ، وذلك انّي بقيت عنده أيّامًا ، كلّ يوم تتجدّد نفحاته عبقًا ، وإشاراته رتقا ، وحبّه يمتزج بالقلب والذات ، والعبد يسمع علوم الباطن من نتائج المواهب والواردات ... ... ... ... فطلبتُ منه التلقين ، فأجابني بفضله ، فتقدّمت لمبايعته بإذنه ، على كيفيّة العهد في الطريقة ... ... ... ... ... ... ولقّنني وعمري في ذلك الحين نحو الثلاثين ، نرجو اللّه أن ينفعنا به وبأسلافه نسبا وروحا ، وأن يجعلنا مقتدين به علما وعملاً بالصدق والأخلاص آمين لم أكن للوصال أهلاً ولكن . أنتمُ بالوصال أطمعتموني فمنذ أخذت عنه العهد وأنا شاكر له على فوزي بمعرفة هذا السيّد ، ومحبّتي فيه ، ومحبّته لخادمه هذا العبد الضعيف ، نفعني اللّه بذلك آمين . برق المباسم في ترجمة شيخنا سيّدي محمّد بن أبي القاسم كتاب مخطوط ، عثرنا على جزء منه ، بمكتبة زاوية الهامل ، فنقلنا منه هذه المقتطفات .ولقد أشار إليه في كتابه السيف الربّاني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني المطبوع بتونس سنة 1310 هـ ، والذي يقول في مقدّّمته ، ص 3 : ... ... ... فاستخرت الرحمن ، واستشرت شيخنا ، فخر الزمان ، الأستاذ العلاّمة الناشر للدين المحمّديّ أعلامَه ، الوليّ الكامل الغطريف ، سيّدي محمّد بن أبي القاسم الشريف ، بارك اللّه في حياته ، ونفعنا بأسراره وطيب نفحاته ، بعدما حكيت له ، و وصفت له ظلمات ورقاتها الحوالك ، فقال : قد اقشعرّ جلدي من هذا الكلام ، فدونك والذبَّ عن ذلك الإمام ، وأطلق ليَ الإذن في التأليف ... ... ... قال في هذا الكتاب الذي يرجع فيه باستمرار الى تحليلات الأستاذ واستنباطاته مشيرًا الى كتاب برق المباسم ص 8 : ... وقد حرزنا بقدر الإمكان ما يتعلّق بسيّدنا الخضر في رسالتنا المسمّاة برق المباسم في ترجمة شيخنا سيّدي محمّد بن أبي القاسم واللّه أعلم ... . . وذكره الزركلي في كتابه الأعلام ضمن مؤلفات الشيخ المكيّ ، تحت عنوان : بروق المباسم في ترجمة محمّد بن أبي القاسم . الأعلام للزركلي ط 1 دار العلم للملايين بيروت ج ص 388 . . وأورده كذلك الشيخ عبد الحيّ الكتّانيّ ، في كتابه فهرس الفهارس ، في قائمة تآليف الشيخ المكيّ بعد التعريف به طبعًا تحت نفس العنوان الأوّل ، وذكر ضمنها كتاب الرحلة الهامليّه ، هذا الأخير يُعرف عند البعض ب الرحلة الجزائريه . وللإشارة فإنّ الشيخين المكيّ وعبد الحيّ كانت تربطهما علاقة علميّة وروحيّة قويّه، يقول الشيخ عبد الحيّ ، في مستهلّ ترجمته للشيخ المكيّ : هو صديقنا الإمام العلاّمه المحدّث المقريء الفلكيّ الفرضيّ الصوفيّ المسند الشهير الشيخ أبوعبد اللّه سيّدي محمّد المكيّ ... ويقول في آخر الترجمة : ... لوجمعت المكاتبات التي جرت بيني وبينه لخرجت في مجلدة متوسطة ، وكلما تذكّرت موته أظلمت الدنيا في عيني رحمه اللّه رحمة الأبرار . كتاب فهرس الفهارس للشيخ عبد الحيّ الكتّاني طبعة فاس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبو القاسم محمد الحفناوي تعريف الخلف برجال السلف شيخنا الأستاذ محمّد بن أبي القاسم سيّدنا شيخ الإسلام مقتدى الأولياء العظام ، علم الهدى الذي من انتمى إليه كان من السعدا ، القطب الربّاني ، والفرد الجامع الصمداني العلاّمة الإمام ، والقدوة الهمام ، شيخ المالكيّة شرقا وغربا ، قدوة السالكين عجما وعربا ، مربّي المريدين ، كهف السائلين ، سيّدي أبوعبد اللّه محمّد بن أبي القاسم بن ربيح بن الوليّ العارف باللّه سيّدي محمّد بن عبد الرحيم بن سائب بن منصور الشريف الحسنيّ نسبا ، المالكيّ مذهبا ، الأشعريّ اعتقادًا ، الرحمانيّ طريقةً ، الهامليّ مسكنا ، الجزائريّ إقليما . كان رضي اللّه عنه وأرضاه وأعاد علينا من بركاته وأسراره آمين من أكبر المشائخ العارفين ، وأعيان المحقّقين ، وأعلام العلماء الراسخين ، صاحب الكرامات الخارقة ، والاحوال النفسيّة والانفاس الصادقة ، والمعارف السنيّة ، وكان يُلقّب قُدوة الفريقين ، بهيّ السمت طاهر الوضاءة ، فصيح الكلام فيما يشرحه من احوال القوم ، وكان يلبس لباس أعيان العلماء ، ويركب الفرس وهو أحد أركان هذا الشأن وإمام أئمّة ساداته ، وأجلاّء القادة إليه ، ورئيس الدعاة الى اللّه له القدم الراسخ في التمكين والباع الطويل في أشرف الأخلاق ، وانعقد عليه إجماع المشائخ والعلماء رضي اللّه عنهم على اعتقاده بالتعظيم والتبجيل و الاحترام ، وأوقع اللّه تعالى محبّته في القلوب ، وتخرّج بصحبته غير واحد من أعيان المشائخ في الظاهر ، وانتمى اليه من مشائخ الصوفيّة جمّ غفير ، واشتهر ذكره في الآفاق ، وقصد بالزيارات من كلّ مكان ، وله كلام في الحقائق و تسليك المريدين ، وآداب الصادقين كثير مشهور ، رضي اللّه عنه ... ... ... وهو أحد من جمع اللّه له بين علميّ الشريعة والحقيقة ، وأفتى بالإقليم الجزائريّ على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي اللّه عنه ، وقصده طلبة العلم ، وأخذوا عنه ، وانتفعوا بكلامه ، وانتهت إليه رياسة العلم بالمغرب . وقفت الناس عند فتاويه . وكان متقشّفا في مأكله ومفرشه ، وكان خلقه واسعا ،إذا تجادل عنده الطلبة والاخوان يشتغل هو بالذكر حتى يفرغ جدالهم ، وكان يقضي بعض مصالحه بيده ، وكان كثير الأدب والحياء ، كريم النفس جميل المعاشرة حلو الكلام ، وكان مهاب المنظر عليه خفر العلماء العاملين والاولياء الصالحين ، وكان نهاره وليله في الطاعة إمّا في علم ، أو تلاوة قرآن ، أوذكر ورد ، أوفكر في مصنوعات الرحمن ، أو قضاء حوائج المسلمين ... ... ... وُلد رضي اللّه عنه وأرضاه بالبادية بمحلّ يقال له الحامديّة ضاية الحرث على جهة جبل تاسطاره ، وهي بلاد الاغويني فريق أولاد سي محمّد ، في رمضان سنة تسع وثلاثين بعد المئتين والألف ... ... ... ولمّا حفظ القرآن قدم إلى زاوية الوليّ للّه سيّدي السعيد بن أبي داود بزواوه ، ولازم ابن ابنه بها العلاّمة الشيخ سيّدي أحمد ، وجدّ واجتهد حتى برع في المذهب المالكيّ ... ... ... وفي سنة خمس وستين ومئتين وألف ابتدأ التدريس ببلدة الهامل ، فأصبحت به زاهرة يانعه ، وانهالت له الخلق من كلّ جهة لطلب العلم وحصل به النفع الكثير ، وكان يحضر درسه في الفقه نحو ثمانين تلميذ أو أكثر ، وكانت مؤونة الطلبة في هذه السنوات من عنده ، وابتدأ من التفاسير بتفسير الواحديّ ، ومن كتب الحديث بشرح العارف باللّه سيّدي عبد اللّه بن أبي جمره ، وتقديمه لهذين الكتابين التماس بركة صاحبيهما ، لأنّ الكتابين كانا من ملك جدّه الوليّ المشهور سيّدي محمّد بن عبد الرحيم ... ... ... توفي رضي اللّه عنه يوم الأربعاء ثاني محرّم سنة 1315 في بويرة السحاري ، آيبا من حاضرة الجزائر إلى مقامه الشريف ... ... .. تعريف الخلف برجال السلف تأليف أبي القاسم محمّد الحفناوي مؤسّسة الرساله بيروت المكتبة العتيقه تونس طبعة 1982 القسم الثاني ص : 345-351
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمّد علي دبوز نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة ... ... ... والزوايا ثلاثة أنواع : المطلقة وهي التي انشئت لأعمال البرّ وحدها ، ولم تُنسب الى شخص . وهذه أحسن الزوايا كزاوية الهامل ، فإنّها نسبت إلى مكانها لا إلى مؤسّسها ، ويقصدها الناس لبرّها وعلمها ومعنويّاتها ... ... ... ... ... ... لقد حفظ اللّه زوايا كثيرة في الجزائر لم تفسد ، ولم يتسلّط الاستعمار عليها ، سيما في الجبال المنقطعة وفي الصحراء التي لم يعبأ بها الاستعمار في عهوده الاولى . فأفادت فائدة كبرى ، ونشرت العلم والدين وصارت من اوتاد العربيّة والإسلام فلم يستطع الاستعمار القضاء عليها في الجزائر ، نبغ في معاهدها علماء صالحون ، كانوا حماة الدين ، وجندًا مخلصًا للنهضة الحديثة . ومن هذه الزوايا الصالحة في شمال الصحراء زاوية الهامل ... ... ... زاوية الهامل ومعهدها الكبير قرية الهامل موقعها وبيئتها تقع قرية الهامل في الجنوب الغربيّ لمدينة بوسعاده في شمال الصحراء بجنوب الجزائر . وتبعد عن بوسعاده بسبعة أميال ونصف . وهي في سفح جبل عمران الأشمّ ، وفي ناحية تجمع بين خصائص الصحراء وميزات الشمال ... ... ... لهذه المزايا في المكان آثر حفيدا أبي زيد بن عليّ عبد الرحيم وأحمد الحلول فيه ، فبنيا فيه مسجد التوتة ومساكنهما في القرن السادس الهجريّ ... ... ... ولكنّها ظلّت قرية خاملة لا يؤمّها إلاّ أبناء الناحية ، ولا يعرفها إلاّ سكّانها القليلون . إلى أن عزم الشيخ محمّد بن أبي القاسم على إنشاء زاويته ومعهده في القرن الثالث عشر ، فعرف خصائص المكان الجميلة ،وطهارة بيئة القرية فآثرها محلاّ للزاوية والمعهد الذي ازدهر وأشرق فأصبحت كعبة القصاد للطلبة ، وقبلة يحجّ إليها كلّ من اراد أن يمتّع نفسه بدروس الشيخ محمّد بن أبي القاسم في الإرشاد ، ويتزوّد من الجوّ الدينيّ الصافي القويّ الذي خلقه بشخصيّته القويّة ، وبعلمه وتقواه في الهامل . واشتهرت في الجزائر وذاع صيتها في المغرب والمشرق وأمست الهامل لنهضتها العلميّة العتيدة إذا ذُكرت لا يراها الناس إلاّ في هالة من العلم والتربية الدينيّة التي اشتهرت بها... ... ... ... ... إنّ عظمة هذا المعهد الهامليّ كانت بعظمة مؤسّسه . فعبقريّته العلميّة ، وشخصيّته القويّة ، وإخلاصه وبراعته وحكمته ، هي التي جعلت المعهد الهامليّ يطلع طلوع الشمس قويّة زاهرة فاشتهر سريعًا ، وهو الذي رسم له الطريق الرشيد ، والأساليب الحسنة فازدهر وآتى ثماره المباركة . فمن هو المؤسّس لهذا المعهد العتيد ؟ العلاّمة الجليل الشيخ محمّد بن أبي القاسم الهامليّ 1239 -1315 نسبه ووراثته ونشأته الكريمة : ْ هو أبو عبد اللّه محمّد بن أبي القاسم بن ربيح بن محمّد بن عبد الرحيم . ولد بالبادية قرب حاسي بحبح في شمال الصحراء بجنوب الجزائر ... ... ... سنة 1239 هـ= 1822م . وكانت عائلة الشيخ محمّد أسرة كريمة متمسّكة بالدين ، حالية بالخلق الكريم ، وبالاستعداد للنبوغ في العلم ، والتفوّق في العرفان . وكان جدّه الثاني الشيخ محمّد بن عبد الرحيم من العلماء الصالحين في زمانه ، ترك خزانة كتب حافلة تدلّ على درجته العليا في العلم ، وعلى تفقّهه في الدين والعربيّة ، وقد وجد حفيده محمّد بن أبي القاسم بعض تلك الكتب فدرسها ودرّسها حفاوة بجدّه ، ووفاء له ، واعتدادًا بمقامه الكبير ... ... ... وكان محمّد بن أبي القاسم طموحًا نشيطًا منذ صباه . وكان ذكاؤه الوقّاد يبدو لأسرته في ألعابه وفي كلامه فيعجبون به ، ويتمنّون أن يكون من كبار العلماء ليخلف جدّه محمّد بن عبد الرحيم . مرحلته الابتدائيّة في العلم ... ... ... فلمّا بلغ سنّ التعلّم أسرع الى الكتّاب فتعلّم على قريبه هذا القراءة والكتابة ، وحفظ القرآن الكريم . ولمّا بلغ الثالثة عشر كان قد استظهر القرآن ، وسطع نجمه في الكتّاب ، واشتهر في باديته بالمواهب النادرة . فتاقت نفس محمّد الى إتقان القراءات السبع والتجويد ليتمّ حفظه للقرآن ... ... ... إرتحاله إلى جبال القبائل ونبوغه في معاهدها الزاخره : وكانت جبال القبائل من منابع العلم في الشمال ... ... ... فاختار له أهله زاوية ابتدائيّة في جبال القبائل يستعدّ فيها للزاوية الكبرى التي يجد فيها كلّ ما يشاء من علوم في مختلف الدرجات . فسافر إليها في سنة 1252هـ= 1836 م زاوية عليّ الطيّار : وكانت الزاوية الأولى هي زاوية علي الطيّار في البيبان ، فأتقن فيها القراءات السبع و التجويد ، واستعدّ فيها للعلوم بحفظ متونها ، وكانت مدّته في هذه الزاوية سنتين. زاوية ابن أبي داود : وكانت زاوية الشيخ السعيد بن أبي داود في ازواوه في ناحية آقبو في جبال القبائل من أكبر الزوايا في الشمال ... ... ... فاختارها آل محمّد لابنهم ... ... ... وفي سنة1254 هـ= 1838 م انتقل محمّد الى زاوية ابن أبي داود ، وكان حفيد مؤسّسها الشيخ أحمد بن أبي داود من كبار العلماء ، ومن المدرّسين البارعين المخلصين ، وكان يدير الزاوية ويتولّى التعليم فيها . فوجد فيه محمّد بن أبي القاسم كلّ ما يشاء من علم غزير ، وإخلاص ونشاط ، وفصاحة وبراعة في التدريس . فلازمه فأخذ عنه علوم الشريعة فأتقنها على يده كلّ الاتقان . فبرع في التفسير والحديث ، وفي الفقه وأصوله ، وفي علم الكلام ، كما درس في الزاوية فنون العربيّة ، فبرع في النحو والصرف والبلاغة كما درس المنطق ، وعلم الفلك و الحساب فأتقن هذه العلوم جميعها . وكان الشيخ أحمد بن أبي داود يحبّ تلميذه كلّ الحبّ ... ... ... ويأمل أن يكون في العلوم بحرًا يروي صحراءه المتعطّشة ، ويقوم بنهضة ينتظرها شمال الجزائر من أبنائه ... ... ... جدّه واجتهاده واعتماده على نفسه : ... ... ... إنّ شغفه بالعلم ومثله الاعلى الذي يملك قلبه ، وهو أن يحيي في قومه في شمال الصحراء بزاوية ومعهد كبير ، تجعله لا يدرس ويجدُّ على قدر شغفه وحده ، بل على قدر حاجة أمّته إلى العلم ، وعلى قدر ما يجب عليه من الكفاح ضد الاستعمار الفرنسيّ الذي يعمل لقتل الدين واللغة العربيّة ، وتجهيل المسلمين في الجزائر ... ... ... ابتداؤه التدريس والوعظ في جبال القبائل : وكان شيخه ومدير الزاوية أحمد بن أبي داود معجبًا بعلم تلميذه محمّد بن أبي القاسم وخلقه ، وكان يُكبر فيه مع العلم ورعه وتقواه وشخصيّة المعلّم والواعظ القويّة فيه ، فعيّنه في سنة 1259 هـ مدرّسًا للتلاميذ ، و واعظًا للعامّة في أحد المساجد التابعة للزاوية فيازواوه وكان عمر محمّد حينئذ عشرين سنه . فقام بالمهمّة أحسن قيام ... ... ... وكان شيخه أحمد بن أبي داود مدير الزاوية إذا غاب في سفر يستخلفه في الدروس العليا التي يلقيها في معهد الزاوية وفي إدارة المعهد ... ... ... ودام في عمله هذا سنة . فبدا نضوجه في العلم ، واقتداره في التدريس ، وكفاءته في الإدارة ، وحُسنُ تأثيره في العامّة بوعظه ؛ فأجازه الشيخ ... ... ... وآذن له آسفا بمفارقته والرجوع إلى صحرائه ليفتح فيها زاوية تبثُّ النهضة ... ... ... ... ... وكان رجوع محمّد بن أبي القاسم إلى أهله في سنة 1260 هـ= 1844م ، بعد ثماني سنين قضاها في جبال القبائل . فماذا فعل بعد رجوعه ؟ إنشاء الشيخ محمّد بن أبي القاسم لمعهده وزاويته رجع الشيخ محمّد بن أبي القاسم من جبال القبائل في سنة 1260 هـ= 1844 م وكان جهاد الأمير عبد القادر بن محيي الدين رحمه الله ضد الفرنسيين على أشدّه ... ... ... وكان محمّد بن أبي القاسم وهوتلميذ في زاويته يتتبّع جهاد الأمير في اهتمام ويدعوله بالنصر ، ويحثّ الناس على التطوّع في الجهاد ، وشدّ أزر الأمير ... ... ...ولكن ما يعدُّ نفسه له من جهاد كان أكبر من جهاد السيف ... ... ... وكان الأمير يرابط بجيشه في صحراء الميعدات في ناحية تيطري بجنوب مدينة الجزائر . وكانت الناحية هي طريق الشيخ محمّد بن أبي القاسم الى أهله في شمال الصحراء . فأسرع إلى الأمير في معسكره فسلّم عليه . وأحسن الأمير استقباله . ولمّا رأى علمه ودينه ، وعرف نيّته الحسنة وعزيمته في ميدان التربية والتعليم ، سرّ به كلّ السرور وأكبره ، وأكبر عزيمته وعمله ودعا له بالنجاح . ... وأمره ببثّ الدين الصحيح في العامّة ... وتفاوض محمّد بن أبي القاسم مع الأمير في أساليب التربية والتعليم فدلّه الأمير على أحسن الطرق ... واستأنف سيره إلى وطنه فاختار محلّ عمله في قرية الهامل ... ابتداء جهاده في التربية والتعليم 1260 هـ= 1844 م وكان الشيخ محمّد بن أبي القاسم قد عزم على فتح معهد كبير وإنشاء زاوية كبرى ... ... ... فعرف مزايا قرية الهامل التي ذكرناها فأمّها ، وابتدأ التدريس بها في سنة 1260 هـ= 1844 م ... ... ... وانتشر ذكر الشيخ وعلمه ودينه واستقراره بالهامل فأسرع الناس بأبنائهم إليه ... ... ... وهبّوا للدفاع في المعركة الثانية الخطيرة التي أشهرها عليهم الاستعمار . وكانت التربية الدينيّة والتعليم الدينيّ لأبنائهم هو السلاح الفتّاك الذي يقضون به على محاولة الاستعمار . فانثال التلاميذ على المعهد القاسميّ ... ... ... وكان الشيخ محمّد بن أبي القاسم في أوّل أمره هو المدرّس الوحيد في معهده يقوم بكلّ الطبقات : الابتدائيّة ، والثانويّة ، والعالية ويُدّس كلّ الفنون . إنّه عمل مرهق يقتضي معارف واسعة ، وجهودًا كبيرة . وكان الشيخ يسع الطبقات بعلمه الغزير ، ويقوم بكلّ الجهود بعزيمته الجبّارة ، وبنيانه المتين ، وحبّه للعلم ، لا يتعب ولا يضجر . وكان مع هذا دروس الوعظ والارشاد يلقيها على العامّة في المسجد وفي مجالسه . واستمرّ التعليم على هذا النحو تسع عشرة سنه وكثر التلاميذ وضاق معهده الصغير . كما كثر عليه الاقبال من المحسنين فعلم أنّه يستطيع بناء معهد كبير وزاوية كبرى تسع تلاميذه ، وضيوفه ، و زوّاره . فدعا الناس إلى التبرّع فأجابوا . وشرع في البناء . بناء الزاوية والمعهد الهامليّ : وكان شروع الشيخ في البناء في سنة1279 هـ= 1862 م . واستمرّ البناء سنة وتمّ بناء الزاوية بكلّ مرافقها في سنة1280 هـ= 1863 م.فانتقل إليها الشيخ بأهله وتلاميذه فسكنها .وكانت هندسة الزاوية الحسنة ، وأبنيتها الجميلة ، وموقعها يدلّ على ذكاء الشيخ ، وحسن ذوقه ، وعُلوّ همّته ، وبُعد نظره . وكان المسجد الذي بناه في الزاوية تحفة فنيّه ... ... ... وترى المسجد لجماله وسعته وبراعة هندسته فتخالك في أكبر الحواضر الإسلاميّة لا في الصحراء . كان الشيخ قد انجب تلاميذ نبغوا في العلم في مرحلته الاولى فاستعان بهم في التدريس في الزاوية ، فاتّسع معهده وكثر تلاميذه فبلغوا ألف تلميذ وأربعمائة . منهم سبعمائة يحفظون القرآن والباقي للعلوم . وصار المعهد الهامليّ أكبر معهد في المغرب ... ... ... اعتناؤه بالتربية الدينيّة : وكان الشيخ وأساتذة معهده يعتنون بالتربية والتعليم . التربية الدينيّة والتعليم الدينيّ اللذين يخلقان رجالا صالحين يحمون الدين ، ويسعد بهم الوطن ... ... ... إنّ الجزائر لم تبق عربية مسلمة ثابتة في ميدان العراك للاستعمار ، وسلكت طريق الجهاد فتحرّرت ، إلاّ بفضل هذه المعاهد الدينيّة التي أنجبت للجزائر أبطالها المخلصين . وكانت نفقات الزاوية والمعهد وأجور المعلّمين من تبرّعات المحسنين ... ... ... وكان الناس لِمَا رأوا من نتائج المعهد الباهرة ، وثماره المباركة للأمّة يسارعون إلى التبرّع ... ... ... وكان زهد الشيخ محمّد في المال وثقة الناس به من اسباب إقبال المحسنين في حماس على الزاوية فشدّوا أزرها ... ... ... شروط الانخراط في المعهد الهاملي : إنّ المعهد الهامليّ يشتمل على التعليم الابتدائي والثانوي والعالي ... ... ... وشروط الدخول في المعهد أن يكون التلميذ حافظًا للقرآن الكريم قد استظهر وأتقن حفظه ، وإن لم يحفظه يدخل في قسم القرآن في الزاوية حتى يحفظه ؛ وأن يكون التلميذ حسن السيرة خاليًا من شذوذ خلقيّ يستحيل علاجه ،ومن عيوب في السيرة يعدى بها غيره. إنّ المعهد قد اشترط حفظ القرآن لأنّه للعربيّة والدين ، والقرآن أساسهما ... الفنون التي تدرس في المعهد :ْ أمّا فنون المعهد الهامليّ فهي العلوم العربيّة والدينيّة ... ... ... الفنون الشرعيّة : التفسير ، والحديث ، وأصول الدين ، والفقه ، وأصول الفقه . وفي العربيّة : النحو والصرف والبلاغة ، والأدب . وفيه من العلوم الاخرى السيرة ، والتاريخ ، والمنطق ، والفلك ، والحساب ... ... ... كتب النحو للابتدائي هي الأجروميّة ، وملحة الإعراب ، والأزهريّة . وللثانوي : قطر الندى ، وشذور الذهب ، وشرح المكّوديّ للألفيّة . وللقسم العالي : شرح ابن عقيل للألفيّة ، وشرح الأشمونيّ لها وشرح ابن يعيش للمفصّل . وكان الشيخ محمّد قد ابتدأ في التفسير في مرحلته الاولى بتفسير الواحديّ ، وفي الحديث بشرح العارف باللّه عبد اللّه بن أبي جمره . قد آثر هذين الكتابين وفاء لجدّه الشيخ محمّد بن عبد الرحيم فهما ممّا ورث من كتبه ، إنّ هذا يدلُّ في الشيخ على عدم التقليد وعلى الوفاء ... ... ... مؤلفاته : كان الشيخ محمّد بن أبي القاسم فصيحًا بليغًا في خطبه ودروسه . ولكنّ إقباله على التأليف كان ضعيفًا . لقد ترك لنا بعض المؤلّفات ذكر منها الحفناويّ في ترجمته منظومته الأسمائيّة ... ... شخصيّته العظيمة ... ... ... وكان مغرمًا بالمطالعة والاستزادة من العلم ، محبًّا للكتب يقتني نفائسها لنفسه وللمعهد . وفي المعهد خزانة كبيرة مملوءة بالنفائس في كلّ الفنون ... ... ... وكان الشيخ رحمه اللّه مخلصًا يعمل للّه فحفظ اللّه معهده الذي يتربّص الاستعمار بأقل منه الدوائر . حكيما داهية ، فاستطاع أن يحفظ معهده فلم يقض عليه الاستعمار الصليبيّ ، فعاش مزدهرًا في أحلك الظروف ، ولا زال قائمًا إلى اليوم بفضل الاخلاص الذي بُني عليه. وكانت زاوية الهامل لإيواء اليتامى والفقراء ، سيما أبناء الذين قتلهم الاستعمار وشرّد أسرهم . فلمّا ثار المجاهد الحاج محمّد المقرانيّ في سنة1871 م وقضى الاستعمار على ثورته استأصل عددًا من اهله ، وشرّد من بقي من اسرته ، فآووا إلى زاوية الهامل فآواهم الشيخ وأكرمهم وقام بهم أحسن قيام . وكذلك الأسر التي يبيد الاستعمار قراها ويقتل رجالها تأوي إلى الزوايا فتأويها ، وقد التجأ عدد كبير منهم إلى زاوية الهامل فرحّبت بهم ، وآوتهم ويتاماهم وعلّمت صغارهم وكفلتهم حتى كبروا ... ... ... كان أثر الشيخ محمّد بن أبي القاسم في مجتمعه عظيمًا ... ... ... كان هو والعلماء الصالحون ، وشيوخ الزوايا العاملون همُ الذين أحبطوا خططَ المبشّرين ... ... ... أسفاره وأثره خارج الهامل : وكان الشيخ محمّد بن أبي القاسم يسافر إلى الجزائر العاصمة فيلقي دروسه في المدن التي يحلّ فيها ويترك فيها أحسن الآثار . وكان في أوّل أمره قد استدعاه الشيخ المختار بن خليفه شيخ زاوية أولاد جلاّل في الصحراء الشرقيّة بالجزائر ، وكان ذلك في سنة 8ه . فأجاب الدعوة ، وقصد بتلاميذه زاوية الشيخ ، وأخذ منه الطريقة الرحمانيّة في التصوّف . وكان يتردّد عليه في كلّ عام بتلاميذه ولمّا أحسّ الشيخ المختار بدنوّ أجله استبقاه معه ليحفظ زاويته ومعهده إذا توفي ، وينظّم شؤونها وقد بقي الشيخ بعد وفاة المرحوم سنة1276 هـ= 1859 م عامًا كاملاً في أولاد جلاّل ينظّم زاويتها ، ويضمن لها البقاء والاستمرار بعد شيخها ... ... . لقد ترك لنا الشيخ محمّد بن أبي القاسم مئات الطلبة وفدوا إليه من كلّ أنحاء الجزائر، ومن جنوب تونس . نبغ منهم علماء كثيرون تولّوا التدريس في معهده ، وانبثّوا في الزوايا الأخرى ، سيما الرحمانيّة ، يعظون ويرشدون . وكان منهم جمهور كبير تولّوا القضاء ، والوظائف في المساجد ، ومنهم من تولّى الافتاء . ففي كلّ ركن في الجزائر سيما بشمال الصحراء تجد مثقّفين من المعهد الهامليّ . إنّه من الموارد الزكيّة التي رفعت راية العربيّة والاسلام في الجزائر ... ... ... المعهد الهامليّ و واجب الجزائر نحوه : يجب أن تعرف الجزائر فضل هذه المعاهد العظيمة الحرّة فتحافظ عليها فإنّها أكبر عدّتها في التعريب الذي تنشده ، وفي التربية الدينيّة التي تسعدها ... ... ... يجب أن يبقى المعهد القاسميّ إحياء لذكراه ، ومعاهدنا الحرّة الناضجة كلّها ... ... ... لا يزال المعهد القاسميّ وزاويته موجودين . وإنّنا لنتمنّى للمعهد المزيد من الرّقيّ والنشاط ليسترجع شبابه ، فيقوم بواجبه في الجزائر المستقلّة ... ... ... وفاته : وكانت وفاة الشيخ محمّد بن أبي القاسم في يوم الاربعاء الثاني من محرّم سنة 808 ه في بويرة الصحاري آيبًا من الجزائر العاصمة إلى مقرّه بالهامل . لعلّه توفي بالسكتة القلبيّة كما يموت العباقرة والعاملون الذين قاموا بمثل جهاده ، ولعلّ الاستعمار قد سمّمه كما سمّم الشيخ عبد القادر المجاوي وعلماء كثيرين في تلك العهود . يرحمه اللّه ويسكنه فراديس الجنان مع المجاهدين الصالحين . وكان عمره لمّا توفي نحو سبعة وسبعين سنة . أمضى منها في الجهاد العلميّ خمسة وخمسين عامًا . وقد ارتاعت الجزائر والمغرب وأصدقاؤه في العالم الإسلامي وبكوه بأحرّ القصائد و أبلغ المراثي . وأسرعت أنحاء الجزائر إلى جنازته فدفن في حشد حاشد يرحمه اللّه . إنّنا نقتصر على الناحية العلميّة في زاوية الهامل ، لا نتعرّض للجانب الصوفيّ فيها ... ... ... تلك شخصيّة محمّد بن أبي القاسم وآثاره في النهضة الحديثة ... ... ... أساتذة المعهد الهامليّ وأنبغ تلاميذه إنّ المشائخ الذين علّموا في المعهد الهامليّ كثيرون وأغلبهم تلاميذ للشيخ محمّد بن أبي القاسم درسوا في معهده ونبغوا على يده فتولّوا التدريس معه ومن أعظم المدرّسين في المعهد الشيخ محمّد بن عبد الرحمن الديسيّ ... ... ... وهو من مفاخر الجزائر ومن علماء نهضتها الحديثة بتدريسه ومؤلّفاته . ومنها : الزهرة المقتطفة و القهوة المرتشفة و الروضة المزخرفة و الموجز المفيد في شرح منظومة عقد الجيد و المناظرة بين العلم والجهل و المشرب الراوي على منظومة الشبراوي ، وغيرها كثير ... ... ... ومن اساتذة المعهد الهاملي الشيخ محمّد بن الحاج محمّد القاسميّ ، والشيخ الحاج المختار القاسميّ وهم الطبقة الاولى ومن تلاميذهم المدرّسين في المعهد . الشيخ بلقاسم بن محمّد القاسميّ ، والشيخ أحمد بن الحاج محمّد القاسميّ . وكان الشيخ عاشور الخنقي الشاعر الظريف الهجّاء المشهور مدرّسًا في المعهد الهامليّ ، والعلاّمة الجليل الشيخ محمّد المكيّ بن عزّوز وهذا كان يزور المعهد ويلقي فيه دروسًا في فنون سيما في الحديث والفلك ثمّ يغادره لا يرابط فيه . ومن الأساتذة في المعهد : أحمد الأمين ابن عزّوز دفين المدينة المنوّرة ... ... ... تلاميذ المعهد الهامليّ : أمّا تلاميذ المعهد الهامليّ فلا نستطيع إحصاءهم ، إنّهم كثيرون يُعدّون بالمئات ... ... ... ومن تلاميذ المعهد الشيخ عبد السلام التازي المدرّس بجامعة القرويين بالمغرب . والشيخ حميدة المدرّس بالحرم الشريف بالمدينة المنوّرة ، والشيخ الحسين بن أحمد البوزيديّ المدرّس بالأزهر في مصر ، والشيخ العابد بن عبد اللّه المدرّس باولاد جلاّل ، والشيخ مصطفى بن قويدر المدرّس بها أيضا . وأجاز الشيخ محمّد بن أبي القاسم وسمع منه علماء كثيرون منهم : الشيخ المكّي ابن عزّوز ، والشيخ عبد الحليم بن سماية ، والشيخ حمدان الاونيسيّ ، والشيخ الدكتور محمّد بن العربيّ . وغيرهم من العلماء . وزار زاوية الهامل ومعهدها وألقى فيه دروسًا ومحاضرات علماء كثيرون منهم : الشيخ امحمّد اطفيش ، والشيخ سليمان البارونيّ والشيخ عبد الحميد بن باديس ، والشيخ بيّوض إبراهيم بن عمر ، والشيخ محمّد البشير الإبراهيميّ ، والشيخ أحمد توفيق المدنيّ والشيخ محمّد الحجوي المغربيّ ، والشيخ عبد الحيّ الكتّانيّ . نهضة الجزائر الحديثه وثورتها المباركة تأليف محمّد عليّ دبّوز الجزء الأوّل الطبعة الأولى 108 ه 8 م المطبعة التعاونيّة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ عاشور بن محمّد بن عبيد منار الإشراف ... ... ... حملني عليه شيخ الوقت ، ومظهر الحبّ والمقت ، عرش التجلّي ، وفرش التدلّي ، يعسوب الأمم ، وصاحب خلعة الكرم ، القطب الأعظم ، الغوث الأكرم ، خليفة اللّه في جميع المراسم ، أبو عبد اللّه شيخنا وأستاذنا و وليّ نعمتنا وسيّدنا ومولانا محمّد بن أبي القاسم ، الشريف الحسني ، البوزيديّ الهامليّ ، كان اللّه له ولنا به في الخفيّ والجليّ ... ... ... فامتثلت أمره المطاع ، على قدر المستطاع ، فجاء بعون اللّه المعين الأجلّ ، وببركة هذا الأستاذ الأكمل ، وبحرمة أهله السادة الشرفاء ، ومواليهم من الطرفاء ، موضوعًا يا له من موضوع ... ... ... أخذ المؤلّف عهد الطريقة الخلوتيّة الرحمانيّة العزّوزيّة ثلاث مرّات عن ثلاثة شيوخ من أكابر أطواد الحضرة القدسيّة . أوّلاً أخذها في عهد صباه عن الوليّ الكامل ، المحمول الحامل ، أحد الأبدال ، وصاحب الأحوال ، الورع الزاهد المحيي بالعبادة ظلمات الدياجي ، أبي محمّد الشيخ الحسن بن الصدّيق الخنقيّ الشريف الحسنيّ المنصوريّ الناجيّ . وثانيًا بعد وفاته بمدّة أعوام ، أخذها عن سلاطين سلطان العلماء الأعلام ، وأسطوانة أساطين الأولياء الأصفياء الطوام ، شيخ الشريعة والطريقة ، وصاحب القدم الراسخة في الحقيقة ، القطب الغوث الفرد الجامع الحبيب الخليفة على اللّه في جميع البلاد والعباد شيخنا وأستاذنا أبي عبد اللّه الشيخ محمّد بن الحدّاد ، صاحب بلد صدّوق المشهور ، بأحد جبال زواوةَ جبال النور ، اجتمع به المؤلّف بالحضرة القسنطينيّة ... ... ... وللمؤلّف معه محاضرات كثيرة شريفة ومذاكرات غزيرة لطيفة ، لا تحتملها هذه العجالة ، بموجب ما تشتمل عليه من الإطالة ، ولمّا قربت إجابته رضي اللّه عنه دعوةَ المولى إلى لقائه بالحضرة القدسيّة والرفيع الاعلى ، أخذ ينوّه بذكر الطامّة الكبرى أعجوبة الدنيا والأخرى ، سلطان سلاطين العلماء ، وأسطوانة أساطين الحكماء ، من هو الواحد في الأرض ، واللّه الواحد في السماء ، عرش التجلّي الذاتي ، ومعترك التحلّي الأسمائي والصفاتي ، يعسوب الأمم ، وصاحب خلعة الكرم ، قبلة العالم ، ورحلة بني آدم ، كعبة الجود ، ومركز الوفود والجنود ، من جميع الأغوار والنجود ، وارث ولايته وقطابته وفردانيّته وخلافته على اللّه في جميع المراسم ، شيخنا وأستاذنا بعده أبي عبد اللّه الشيخ محمّد بن أبي القاسم ، الشريف الفاطميّ الحسنيّ الكامليّ ، الإدريسيّ البوزيديّ الهامليّ ، فمن ذلك أنّه كان يقول لإخوانه المرّة بعد المرّة في مجلسه الشامل : اغتنموا الطريقة فإنّها مرتحلة الى أشراف الهامل . وكان يقول لهم : هل تسمعون بالكبريت الأحمر الذي يُذكر ولا يوجد ، فيقولون له : نسمع به وما رءاه أحد ، فيقول لهم : إنّه قد وُجد اليوم في جبل الهامل الراسم ، وهو محمّد بن أبي القاسم ، وكان يقول : واللّه ثمّ واللّه ثمّ واللّه ما كان مثلُ محمّد بن أبي القاسم في رجال الطريقة من عهد الجنيد إلى هذا العهد ، و واللّه ثمّ واللّه ثمّ واللّه لا تحمل المرأة بمثله أبدًا ولا تضعه في المهد . وبموجب ذلك ارتحل ، بعد وفاته ، المؤلّفُ بأهله ... ... ... إلى مقامه الشريف الكامل ، بقرية جبل الهامل ... ... ... كتاب منار الإشراف على فضل عصاة الأشراف ومواليهم من الأطراف تأليف العلاّمة الشيخ عاشور بن محمّد بن عبيد الخنقي الطبعة الأولى 008 ه 88 م المطبعة الثعالبيّة الجزائر ص 8 8 من مقدّمة القسم الأول للكتاب و 0 من ترجمة المؤلّف في القسم الأخير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد توفيق المدني حياة كفاح ... ... ... أمّا أنا فللهامل أسير ... ... ... ... و ولّيت وجهي شطر زاوية الهامل ... الهامل معقل العروبة والإسلام ... تراءت لنا من بعيد جدران وقُبّة زاوية الهامل ... يحدونا أمل التعرّف بهذا المعهد العلميّ الكبير ورجاله الأبرار ... ... فخفّ الشيخ رحمه اللّه لاستقبالي مرحبًا معانقًا ، وحوله ثلّة من ذوي قرابته ، وبعض الكبار من شيوخه ، وتناولنا القهوة وتداولنا في شتّى الأحاديث ، خاصّة الأحاديث العلميّة ، وشؤون الزاوية والمعهد ، وسمعت من الشيخ ومن معاونيه ، ما أثلج صدري وملأني بهجة وسرورًا ، وزاد إيماني ويقيني بمستقبل الاسلام والعروبة ومستقبل الجزائر الخالدة هذا معهد بناه الشيخ المبرور محمّد بن بلقاسم ... ... ... بواسطة ما بذله الشعب معه من مال ، وجعله مخصّصًا لبثّ أنوار الهداية الإسلاميّة والعلم الصحيح لكلّ الطلبة الذين يؤمّون رحَابَه ، من مختلف جهات البلاد . يؤمّه الطلاّب المجاورون ، فيجدون المأوى والمأكل ، والدراسة وتفسير القرآن ، إلى جانب الصلاة جماعة ، والذكر في ساعات الذكر ، وكان عددهم يومئذ يزيد عن 350 طالبًا حفظوا القرآن الشريف حفظًا متقنًا ، ويقضون سحابة اليوم ، في تعلّم التفسير والحديث والفقه المالكي والتاريخ الإسلاميّ والرياضيات وبعض علوم المعقول ، ويعقدون مجالس للمحاضرة والمناظرة ، يصلّون جماعة ويردفون الصلاة بما يتلونه من أوراد ومن دعاء ، ثمّ يختلفون الى حجراتهم هذا يحفظ متنًا والآخر يراجع درسًا وأكثرهم يتهجّد ويتلو آي الذكر الحكيم . وإدارة المعهد تقوم بكلّ ما يجب لهم مجّانًا من طعام ولباس ومأوى الى أن تنتهي دراستهم ويمتليء وطابهم علمًا ومعرفةً وإيمانًا ، وعندئذ يُجاز من استحقّ الإجازة منهم ، فيودّعها ويسير الى حال سبيله ناشرًا فضائل الدين ، وأنوار العلم والمعرفة . وبعد موت الشيخ محمّد بن بلقاسم رحمه اللّه ، تولّت أمر الزاوية وزادتها سعة في العلم وفي العمران ابنته التقيّة النقيّة الفاضلة السيّدة زينب بنت محمّد الى أن رجعت روحها الى خالقها راضية مرضيّة سنة 1904 . وبعد تناول طعام العشاء والصلاة مع الجماعة الفاضلة ، زار بي الشيخ المبجّل المكتبة الغنيّة الثريّة ، وأعجبتني كثرة ما بها من مخطوطات علميّة ذات قيمة كبيرة ... ... ... ... ... ... أذّن المؤذّن لصلاة الصبح ، فقمت وقام الجماعة قاطبة وأدّينا الفريضة في المسجد الفسيح ثمّ أخذت الصفوف تلتئم والحلقات تلتفُّ حول الشيوخ الفضلاء هذا يفسّر ويشرح آي الذكر الحكيم ، وآخر يحلُّ مغالق متن سيّدي خليل ، وذلك يُدرّس أحاديث الموطّأ ، وجماعة من صغار السنّ قد انتحت جانبًا تحفظ حول شيخ وقور سور القرآن العظيم وهكذا يقضون الليالي والايّام ، والاشهر والاعوام ، لا يشغلهم عن العلم شيء ، ولا تلهيهم أمور الدنيا عن ذكر اللّه . ... ... ... ودّعت الشيخ وجماعته وطُفت على حلق الدراسة وعلى مجتمعات الطلبة منشّطا ، مودّعا ، وغادرت الهامل ... ... ... ... ... ولا يزال قلبي يهفو الى ذلك المعقل من معاقل العلم والهدى والنور الصحيح ، ولا أزال ولن أزل أذكر ما بقي فيّ رمق ، ليلة من ليالي الأنس والبهجة الروحيّة قضيتها في روضة من رياض الجنّة ... ... ... أحمد توفيق المدنيّ حياة كفاح مذكّرات القسم الثاني الجزائر1954 1935 95949393 SN 77 687
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحاج مزاري الهامل مركز إشعاع ثقافي وقلعة للجهاد والثورة ... ... ... لقد ازداد الأشراف احترامًا وتقديرًا ، وتعدّت شهرة بلدهم الهامل المنطقة ، لتعمّ الوطن الجزائريّ كلّه من أقصاه الى أقصاه وبلغ صدى ذلك الى الأقطار المجاورة المغربيّة منها والافريقيّة بعد تأسيس الوليّ الصالح القطب الأعظم والملاذ الأفخم الشيخ الأستاذ صاحب الكرامات ، سيّدي محمّد بن أبي القاسم بن ربيح ،الزاوية والمعهد في العشريّة الخامسة من القرن التاسع عشر الميلاديّ ... وللإشارة فإنّ علاقة ابن محيي الدين الأمير بمحمّد بن أبي القاسم استمرّت وتوثّقت حتّى بعد نفيه إلى بلاد الشام ، في شكل تبادل الرسائل بينهما ... ... تواصلت هذه العلاقة بعد وفاة الأمير مع ولده الأمير الهاشميّ ، الذي عاد من بلاد الشام إلى الجزئر في عام 18 م ، ولمّا أُبعد من الجزائر العاصمة ، إختار التوجّه إلى بوسعاده ، وذلك في أوت 18 م ، ولعلّ هذا الاختيار له جذور تعود إلى عهد أبيه وعلاقته بسكّان هذه الجهة من الوطن العزيز وتقديرهم له ، و وقوفهم إلى جانبه أيّام الثورة والجهاد ضد الفرنسيّين حين مروره ببوسعاده وأعراشها في عام 018 . هذه العلاقة والمحبّة للأمير هي التي جعلت ولده الهاشميّ، يختار بوسعاده دون غيرها لقضاء بقيّة حياته بها ... من خلال ما سبق نستنتج أنّ فكرة تأسيس الزاوية والمعهد ، هي أُمنية حُجّاج الهامل ، و وصيّة شيخه أحمد بن أبي داود ، ونصيحة الأمير عبد القادر ، وهو ما جعل هذه الزاوية محلّ فخر واعتزاز من طرف أشراف الهامل ، وسكّان منطقة بوسعادة ، ومحلّ تقدير واحترام لدى الكثير من سكان الوطن الجزائريّ ، وعلى الخصوص سكان الغرب الجزائري وبلاد القبائل ، وكلّ المنطقة التي شملتها رقعة الدولة الجزائريّة في عهد الأمير عبد القادر وجاهدت تحت لوائه ... لقد كان الشيخ من أكثر أهل الخير تقديرًا للعلم والعلماء ، وكان من الموجّهين الدينيين والوعّاظ الصادقين الذين يخلو تصوّفهم من كلّ بدعة او خرافة ، حقّق في سنوات قلائل للزاوية الرحمانيّة الهامليّة صيتًا واسعًا تجاوز ما لغيرها من الفروع الرحمانيّة ، وتمكّن أن يُدرّس كلّ الطرق الصوفيّة لعلماء الشرفهالأشراف ومن أمَّ المعهد من غيرهم . إنّ قرية الهامل التي كانت تضمّ مدرستين قرآنيتين ، وبعض الكتاتيب الصغيرة عند فترة الاحتلال الاولى ، صارت مركز إشعاع علميّ و دينيّ عظيم ، ومَعلمًا نيّرًا ، بعد تأسيس محمّد بن أبي القاسم الزاوية والمعهد بها ... بالإضافة إلى الدور الثقافيّ والدينيّ فإنّ الزاوية كانت مركز التقاء كبير للأعراش المجاورة ، ومحطّ رحال أولاد نائل ، لفكّ خصوماتهم ، والتآلف بينهم ، وتزويدهم بالمعارف الدينيّة ، كما كانت مأوىَ للعجزة والمحرومين . ... إنّ مؤسّسي مقام الهامل من السلف الصالح ، قدّس اللّه أرواحهم وطيّب ثراهم ، أسّسوه على تقوى من اللّه ، وأرادوه أن يكون مَعلمًا نيّرًا ، ومركز إشعاع ثقافيّ علميّ ودينيّ محترم ، تشعّ أنواره في البلاد ، ويعمّ خيره كلّ العباد ، وهي رؤى صالحة ، حقّقها من بعدهم الخلف الصالح ، وساروا على النهج الذي رسمه الرعيل الأوّل من العلماء والمشائخ ، محقّقين بذلك المناعة الفكريّة للأمّة ، وضمان وحدة العقيدة والشعب ... إنّ هذا الدور الكبير لزاوية الهامل ومثيلاتها ، في الحفاظ على مقوّمات الشخصيّة الوطنيّة العربيّة الإسلاميّة في الجزائر هو الذي جعل أحد أساطين الاستعمار : الدكتور فيتال يستخلص أثناء جولته التي قام بها خلال شهر أفريل من عام 18 في الوطن الجزائري ... حيث قال : ماتزال هناك كلمات تهزّ هذا البلد هزًّا كلّما ذكرها ، هي كلمات : القوميّة ، والإسلام ، والأرض المقدّسة التي يجب تطهيرها من الكفّار ، هذه الكلمات عندما تتردّد تجعل الشعب مستعدًا للثورة ... لقد كان دور الهامل وزاويتها عظيمًا في الحفاظ على مقوّمات الأمّة وثوابتها وترسيخ العقيدة الإسلاميّة في النفوس ونشر لغة القرآن ... وتأكيدًا للدور الذي قامت به زاوية الهامل في هذا الجانب أستعرض فيما يلي أقوال وآراء بعض المؤرّخين والكتّاب الجزائريّين والأجانب : يقول « جاك بيرك « في رسالة وجّهها إلى الشيخ مصطفى القاسميّ في 8 8 : « ...فيما يتعلّق بي ، إنّ تاريخ زاوية الهامل يهمّ تاريخ المغرب بأسره ، من حيث المجهود الذي بذلته بكلّ عزم حتى في زمن الاستعمار ، وذلك باستنهاض القِيَم الروحيّة والاجتماعيّة التي تقوم مقام ملجإ للنّاس ... وفي نفس الرسالة يقول : « ... وذلك لأنّ في نفس هذا التاريخ ويعني بذلك تاريخ التأسيس 18 والنهضة العلميّة والأدبيّة في المغرب التي صادفت ذلك ظهرت أيضًا في الشرق بوادر النهضة وخصوصًا في بيروت ، هل هناك روابط أدبيّة وثقافيّة بين معهدكم ، وبين المدارس الأخرى في الشرق أو الغرب ، فيما عدا الرحلات الناتجة عن السفر والحجّ ؟. ... أمّا الأستاذ والمؤرّخ الكبير أحمد توفيق المدنيّ ، فيقول في كتاب الجزائر : « كان لبعض الطرق الصوفيّة في بلادنا مزيّة تاريخيّة لا يستطيع أن ينكرها حتى المكابر تلك هي أنّها استطاعت أن تحفظ الإسلام بهذه البلاد في عصور الجهل والظلمات ، وعمل رجالها الكاملون على تأسيس الزوايا « الرباطات يُرجعون فيها الظالمين إلى سواء السبيل ، ويقومون بتعليم الناشئة وبثّ العلم في صدور الرجال، ولولا تلك الجهود العظيمة التي بذلوها والتي نقف أمامها موقف المعترف المعجب ، لما كنّا نجد الساعة في بلادنا أثرًا للعربيّة ولا لعلوم الدين ... فالزوايا الكبرى مثل معهد الهامل ، ومعهد اليلولي ومعهد سيدي منصور ، هي التي كوّنت في هذه البلاد طبقة فاضلة من العلماء والفقهاء وحفظة القرآن الشريف ، وكانت واسطة فعليّة في نقل الإسلام الى بلاد أقاصي الجنوب والسودان ، وكانت فوق ذلك ملجأ للعاجز وابن السبيل . ويقول الأستاذ محمّد علي دبّوزفي كتابه نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة : « ... وانّ في الجزائر زوايا ثبتت على صلاحها القديم وأخرى نشأت في عهد الاستعمار لأعمال البرّ وللجهاد الوطنيّ في الميدان الثقافيّ والدينيّ ، فقدّمت للجزائر خيرًا كثيرًا ، وأنشأت لها علماء صالحين كانوا عمدة النهضة الحديثة ، ومن أبطال جمعيّة العلماء ومن هذه الزوايا المباركة زاوية الهامل في شمال الصحراء ... . الهامل مركز إشعاع ثقافي وقلعة للجهاد والثورة تأليف الأستاذ الحاج مزاري الطبعة الأولى دار الحكمة الجزائر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد نسيب زوايا العلم والقرآن في الجزائر زاوية الهامل تقع زاوية الهامل قرب مدينة بوسعادة ، جنوب الجزائر العاصمة أسّسها الشيخ محمّد بن أبي القاسم الهامليّ ، وهو أبو عبد اللّه محمّد بن أبي القاسم ، بن ربيح بن عبد الرحيم ، الشريف الحسنيّ ، من كبار رجال التصوّف ، متضلّع في علوم الفقه والتفسير والحديث ، وعالم بفنون اللغة العربيّة والمنطق والتاريخ . ولد رحمه اللّه خلال عام 08 ه 818 م ، في الحامديّة ، ببادية حاسي بحبح ، ولاية الجلفة . حفظ القرآن الكريم ، وتعلّم مباديء العربيّة والدين في بلده الهامل ، ولمّا بلغ الثالثة عشرة من عمره ، قصد زاوية سيّدي عليّ الطيّار ، بالقبائل الصغرى ، فأخذ العلم عن مشائخها مدّة سنتين ، إنتقل بعدها الى زاوية سيّدي السعيد بن أبي داود ، قرب آقبو عام 8ه 1018 م ، حيث أخذ عن مؤسّسها علوم الفقه والتفسير والحديث ، ودرس العربيّة وفنونها ، فبرز في هذه العلوم وأجازه شيوخه فيها . رجع الشيخ الى الهامل عام 8 ه 118 م ، فتولّى التعليم في قريته مدّة تسع سنوات ، وكان يتّصل بالأمير عبد القادر عن طريق المراسلة ، واجتمع به في ناحية التيتري ، بنيّة الالتحاق بصفوف المجاهدين ، تحت لوائه ، فدعاه الأمير الى تحمّل أعباء التربية والتعليم وإعداد الأمّة للجهاد والاستبسال في المقاومة ، ولتحقيق هذا الهدف نصحه بتأسيس زاوية لتحفيظ كتاب اللّه ، ونشر لغة القرآن ، وعلوم الإسلام . ومنذ عام 88 ه 18 م ، كان الشيخ يتنقّل مدّة ثلاث سنوات بين قريته وزاوية الشيخ المختار باولاد جلاّل ،للتعليم فيها ، ثمّ أقام فيها معلّمًا سنة كاملة استجابة لرغبة الشيخ المختارالذي طلب منه أن يبقى عنده ، حتى يصلّي عليه يوم وفاته . وعاد الشيخ إلى موطنه الهامل في مطلع شهر رمضان 8 ه 318 م . استأنف التعليم وشرع في بناء زاويته الحاليّة ، خلال عام 8 ه 18 م ، وافتتحها في غرّة المحرّم 318 ه 018 م ، وأصبحت الزاوية القاسميّة ، منذ ذلك الحين ، عامرة بطلبة القرآن والعلم ، يقصدونها من كلّ انحاء القطر وبازدهارها ، ازدهرت النواحي والجهات المجاورة لها ، بل وعمّ إشعاعها الوطن كلّه ، فكانت بحق ، معهدًا علميًّا يمتدّ التعليم فيه من المرحلة الابتدائيّة الى الدراسات العالية ، واشتهرت بتعليم القرآن الكريم وأحكام قراءته ، وتعليم الفقه وبقيّة العلوم الإسلاميّة ، وتدريس اللغة العربيّة ، والعناية بالتربية الروحيّة ، وقد ذاع صيت زاويته داخل الجزائر وخارجها ، فكانت محطّ رحال العلماء والأدباء ، يفدون إليها من كلّ حدب وصوب ، ويقيمون فيها الأسابيع والشهور ، وقد تخرّج منها عدد كبير من حفظة القرآن الكريم ، ومئات العلماء والفقهاء ، والدعاة والمربّين ، الذين انتشروا في أنحاء الجزائر يحاربون الأمّيّة والجهل والفساد ، وينشرون كتاب اللّه ، وعلوم العربيّة والاسلام ، ومنهم من واصل دراسته العليا في جامع الزيتونة بتونس ، أوجامع القرويين بالمغرب ، أو جامع الأزهر بمصر ، ثمّ عادوا إلى الوطن ، بعد إتمام دراستهم ، ليخدموه وفاء للعهد ، و تولّى بعضهم التدريس في إحدى هذه المؤسّسات العلميّة ... ... ... ترجم لزاوية الهامل عدد من المؤرّخين الجزائريين والأوروبييّن وسجّل مناقبها كثير من الأدباء والشعراء في كتاباتهم وقصائدهم ... ... ... ... وحقًا لقد كانت زاوية الهامل مركز إشعاع علميّ وثقافيّ وروحيّ ، وكان دورها عظيمًا في المحافظة على مقوّمات أمّتنا الأساسيّة ، وإرساخ العقيدة والقيم الروحية ، ونشر الثقافة الاسلاميّة واللغة العربيّة ، وبثّ الروح الوطنيّة ، وكما كانت مساهمتها كبيرة في النهضة الدينيّة والعلميّة في بلادنا ، فقد كانت مشاركتها فعّالة في دعم حركات الجهاد والمقاومة ضدّ المحتلّ الأجنبيّ منذ عهد الأمير عبد القادر الذي كانت تربطه بمؤسّس الزاوية صلات وثيقة ، مرورًا بثورة الشيخ ابن الحدّاد ، والمقراني ، وثورة الزعاطشة إلى ثورة التحرير الكبرى ، حيث كانت الزاوية معقلاً لها ، ومحطّة لقادتها وجنودها ، ومركزًا للمجاهدين يمدّهم بالمؤونة والمال وبالرجال ، واستمرّ القائمون على الزاوية يؤدّون واجبهم الوطني ، حتى استرجاع الاستقلال والسيادة الوطنيّة ، بعد أن نال شرف الجهاد والاستشهاد عدد من طلبة الزاوية وأبنائها ... ... ... محمّد نسيب زوايا العلم والقرآن في الجزائر دار الفكر د مشق دار الفكر الجزائر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادل نويهض معجم أعلام الجزائر الهاملي 1339 1315 ه 1833 1897 م محمّد بن أبي القاسم بن ربيح بن محمّد بن عبد الرحيم ، أبو عبد اللّه ، الشهير بالهامليّ : فقيه ، له مشاركة في علوم الحديث والكلام والتاريخ و الأخلاق والتفسير ، وُلد بالبادية قرب حاسي بحبح في شمال الصحراء بجنوب الجزائر في مكان يسمّى الحامديه ...تعلّم القراءة والكتابة وحَفظ القرآن في بلده ، ولمّا بلغ الثالثة عشر انتقل الى جبال القبائل فأخذ عن مشائخ زاوية عليّ الطيّار لمدّة سنتين ، ثمّ قصد زاوية ابن أبي داود في زواوه فأخذ عن مؤسّسها علوم التفسير والفقه ، كما درس فنون العربيّة ... الخ ...ورجع الى الصحراء سنة 38 ه 18 م . وفي سنة 318 ه 018 م أسّس زاويتَه المعروفة بزاوية الهامل...توفّي في بويرة الصحاري في طريق عودته من الجزائر العاصمة الى زاويته بالهامل ... ... ... عادل نويهض معجم أعلام الجزائر مؤسّسة نويهض بيروت الطبعة الثالثه 018م ص 0.0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجيلاني بن عبد الحكم المرآة الجليّه ومن الزوايا المعتبرة زاوية الشيخ القطب الغوث السيّد محمّد بن أبي القاسم صاحب زاوية الهامل ، قرب أبي سعاده .وهي زاوية معتبرة ، تشتمل على مدارس للقرآن العظيم ، وعلى مدارس للعلم الشريف ، وقد تخرّج منها علماء جهابذة ... ... ... أسّس تلك الزاوية الغوث السيّد محمّد بن أبي القاسم ... ... ... وعمرها الشيخ المذكور بالقرآن والعلم الشريف ، وجلب لها القرّاء وفحول العلماء للتدريس ، وأقبلت عليه الناس أفواجا ، غربا وشرقا وطار صيته في الأقطار ، وعَمَّ نفعه الصغير والكبير ، وانقاد له فحول الرجال ، وأخذوا عليه الطريق الرحمانيّه ، وانتفعوا منه ، وسرى فيهم ذلك السرّ النورانيّ . وكان كثير الذكر والمذاكرة ، والبحث في مسائل العلم ، لا سيما علم التصوّف ، فإنّ له سطوة وتقدّم فيه على غيره ، وله كرامات متواترة نقلها وتحدّث بها الثقاة وغيرهم ... ... ... ... ... ... وتلك الزاوية الهامليّة معمورة دائما بما يقرب من مائة طالب ، ونفقتهم من مدخول الزاوية ، إذ لها أحباس كثيرة وقفها أهل الخير والصلاح بقصد التوسعة على الفقراء وطلبة القرآن والعلم ... ... كتاب المرآة الجليّه تأليف الأستاذ الشيخ الحاج الجيلاني بن عبد الحكم طبعة 08 ه دار ابن خلدون تلمسان ص0 0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ عبد اللّه بن محمّد بن الشارف سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول ومنهم أولاد سيّدي عبد الرحيم ، في أبي سعاده ، بقرية الهامل ، فمنهم قطب دائرة الصالحين ، وتاج العارفين ، الشيخ الكامل ، مولانا محمّد بن أبي القاسم ، شهير الضريح والزاوية ، ببلدة الهامل ، بن زبيح ، بن محمّد ، بن عبد الرحيم ، بن سائب ، بن منصور ، فقد سار لعفو اللّه ، ولحق بالرفيق الأعلى في عام 808 من الهجره ... وخلف أبناء أخيه السيّد الحاج محمّد ،الجهابذة النقاد ، والنجباء الأفراد ، فقد ورثوه في السرّ ، وظهرت أنوارهم وأسرارهم ، واستفاد الخلق من علومهم ... لإرشاد الخلق ، وبثّ العلوم ، وإطعام الطعام للفقراء والأيتام ... ... ... عمّر اللّه بهم الزاوية ، وأعانهم على فعل الخير فإنّهم في نصرة الدين ، وإرشاد الضالّين : من تلقَ منهم فقد لقيت سيّدهم . مثل النجوم التي يسري بها الساري . والجدُّ الجامع لهذه الفروع كلّها ، هو أبو زيد ، بن عليّ ، بن مهدي بن سفيان ، بن يسار ، بن موسى ، بن عيسى بن الإمام إدريس باني فاس الخ نسبهم الشريف ... ... ... سلسلة الأصول . في شجرة أبناء الرسول تأليف الشيخ السيد عبد اللّه بن محمّد بن الشارف ط تونس 08 8 ص 0 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خير الدين الزركلي الأعلام الهامليّ 1897 1834 = 1315 1339 محمّد بن أبي القاسم بن رُبيح ابن محمّد بن عبد الرحيم بن سائب ابن منصور، الشريف الحسني الجزائريّ ، أبو عبد اللّه الهامليّ : فقيه مالكيّ ، من المفتين . اشتهر بالعلم والصلاح . وُلِدَ في الحامديّة من أرض البادية قرب جبل تاسطاره في الجزائر وهو من أهل الهامل في الجبل نفسه تفقّه في زواوة . وعاد الى الهامل فدرّس بها سنة 1365 ه وتوفّي في بويرة السحاري ، عائدًا من الجزائر العاصمة إلى الهامل .ولابن أخيه محمّد بن محمّد بن أبي القاسم كتاب في ترجمته سمّاه الزهر الباسم في ترجمة الإمام محمّد بن أبي القاسم طبعه في الجزائر سنة 1308 الأعلام للزركلي ج7ص9 ط7 أيّار مايو1986 دار العلم للملايين. بيروت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
mon OTT L'ISLAM ALRIN N L'AN 1900
... ... ... قد تكون الرحمانيّة أهمّ الطرق ، وأكثرها شعبيّة في كلّ الشرق الجزائري ، كما أنّها تكتسي في هذه المنطقة طابعا شبه وطنيّ ... ... ... ... ... ... ويظهر لنا التاريخ مدى مساهمة مشائخ الطريقة الرحمانيّة على وجه الخصوص في كلّ التمرّدات كالتمرّد الكبير لسنة 1871 للشيخ سي محمّد امزيان الحداد... ... ... ... يتوزّع أتباع الطريقة الرحمانيّة على أقاليم عديدة ، فمنها اقليم الحاج عليّ بن الحملاويّ بن خليفه قرب قسنطينه ، وينتسب اليه 40000 مريد ، و40 زاويه . واقليم محمّد بن بلقاسم في آقبو 9000 مريد و43زاويه . واقليم سي مصطفى بن عبد الرحمن بن باش تارزي ، في قسنطينة 10000 مريد ، و8زوايا . و زوايا نفطه بجنوب تونس وخنقة سيدي ناجي بالأوراس ، تنتسب اليهما 15 زاويةو13000مريد.وزاوية طولقه16000 مريد و17 زاويه . وسي محمّد بن أبي القاسم ، في زاويته الكبيرة بالهامل ، بوسعادة 43000 مريد و39 زاويه ثانويه . وفي الأخير تماسين بالأوراس 3 زوايا و3500مريد ... L'ISLAM ALRIN n l'an 1900 par mon OTT Cap 7 Ls Conrris rliis L'Alri Ps 76-77 IRALT,IMPRIMR-POTORAVR-1900Alr
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
PONT t COPPOLANI LS CONRRIS RLIIS MSLMANS
... ... ... وقد اقام الشيخ المختار، مرعيّة حقيقيّة تحت إمرته ، كانت في خدمة أولاد نائل والقبائل المجاورة وتوفّي في شهر أكتوبر من عام 1863 ... ... ... وترك إرثه الرّوحيّ ، لأقرب المقدّمين إليه ، الطالب محمّد بن أبي القاسم الذي توصّل الى الرفع من نشاط المجتمع بفضل ذكائه وعزيمته الكبيرين ... ... ... ... ... ... وترك تلك الديار ، بعدما تولّى فيها شؤون زاوية شيخه لفترة من الزمن ، قاصدًا قرية الهامل ... ... ... وهي مقام اعطته الروايات والأساطير طابعًا مقدّسا ... ويروى أنّه تمّ انشاء الهامل عام 900 ه من طرف اثنين من اشراف المغرب العربيّ المغتربين في منطقة بوسعاده ، وهما سيّدي عبد الرحيم ، وسيّدي أحمد ، وقد كانا من اصحاب الكرامات ... ... ... ... ... ... وقد استفاد الشيخ محمّد بن أبي القاسم من السمعة الطيّبة للرجلين ، ذلك انّه من احفادهما . وعند رجوعه الى الهامل ، مزوّدًا ببركة الشيخ المختار لقي حفاوة من السكّان ، فبنى زاويته الثانية وكان قد بنى زاويته الأولى عام 1849 والتي صارت معهدًا يعلّم القرآن ، والنحو والفلك والفقه والمنطق ، ويأذن بالاوراد الخلوتيّة ... يدرّس كلّ هذه العلوم الأستاذ ابن أبي القاسم نفسه ، ومن معه من الأساتذة المتمكّنين... ... ... وقد ساهمت سمعته كصاحب كرامات ، وكرجل علم ملتزم بأخلاق دينه عن جدارة الى حدّ بعيد ، في توسيع نفوذ زاويته ، التي تجاوزت شهرتها في سنوات قليلة ، بقيّة فروع الطريقة الرحمانيّة . ...ولقد استطاع مقدّموه ، التغلغل في منطقة القبائل وفي عمالة قسنطينه ، بل ذاع صيته حتى في تونس ... ورغم قلّة أتباعهم في الديار النائية عن الزاوية ، الاّ أنّ حظوة الشيخ كانت كبيرة فيها. وانّ الجدول التالي الذي بيّنّا عليه المناطق التي بنى فيها خليفة الشيخ المختار زوايا واستقطب فيها أتباعًا ، يعطي للقاريء فكرة دقيقة عن الكيفيّة التي استطاع بها هذا الرجل أن ينال ثقة المومنين وان يقيم مجالا دينيّا واسع النطاق ... ... ... pont t Coppolani Ls Conrris rliis mslmans Joran 1897 Alr Ps406413
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
NACIB Cultures oasiennes l AML L PAR L'OASIS
لم يكن اختيار المكان الذي تمّ فيه تأسيس زاوية الهامل وبيد الصدفة ، فالزاوية أقيمت على وادي بوسعاده ، في منطقة قادرة على تأمين القوت لجماعة طلاّب ، لم يكفّ عددهم عن الارتفاع من عام لأخر ، فموقعها الجغرافيّ يسمح لها بالتزوّد بمواد منعدمة في المنطقة . كما أنّها توجد على الطريق الرابط بين بوسعاده والجلفة ، وهذا ممّا يساعدها على أن تستقبل بسهولة وفود الزائرين من الشمال والجنوب أي من التلّ الجزائريّ ومن منطقة القبائل ، وقسنطينه ، إضافة الى القوافل الصحراويّة ، كما أنّ موقعها يتميّز بعزلة تامّة عن المخاطر الخارجيّة ، والتي مصدرها البحر الأبيض المتوسّط ، أو التي تشكّلها الصراعات بين القبائل وهو ما ساعد الشيوخ المرابطين على التفرّغ للعبادة في سكينة واطمئنان ... يجزم جاك بارك ، بأنّ زاوية الهامل من المراكز الكبرى للتصوّف الطرقيّ ؟. (1) هذا يعني انّها لم تكن فقط مركزًا للتدريس وملجأ للمحتاجين ، وانّما فرع للطريقة الرحمانيّة التي ينتسب اليها المؤسّس ... اذا كانت زاوية الهامل مزارًا للزائرين والسائحين ، وملجأ للمحتاجين ، فانّها قبل هذا ، وبالدرجة الاولى ، مركز شهير للتعليم الأصليّ الذي أوصت به السنّة النبويّة الشريفة ، والقائم على تحفيظ القرآن الكريم ... لقد بدأ الشيخ محمّد بن أبي القاسم التعليم عام 118 م ، غير انّه لم يستقرّ في الهامل الاّ سنة 018 م (3)، أي سبعون عامًا بعد وفاة ابن عبد الرحمن ، وهذا ما يدلّ على أنّ دروس الشيخ الأوّل بقيت حاضرة في أذهان المريدين ........ ويتحدّث بارك أوجيستان (3) عن تعصّب الرحمانيين الذين شاركوا في كل الانتفاضات ، وعن جهود الطرق الدينيّة في تحريض أتباعها ضدّ الإستعمار ، ويعتبر بارك أنّ الأمير عبد القادر ما كان ليستطيع ضمّ الناس الى صفّه لو لم يكن هو مقدّم احدى الزوايا . وكان الاستعمار على دراية بالدور الفاعل للزوايا في انتفاضات الشيخ الشريف بو بغله 318م ، والشيخ سي صدّوق بن الحاج 18م ، والشيخ الحدّاد والمقراني 818 م . وحتى في انتفاضات بني مناصر وبلزلمه ، ويقول النقيب دو نوفو في هذا لقد صُوّر لنا اخوان بن عبد الرحمن على أنّهم جدّ متعصّبين ، والظاهر أنّهم أكثر تحفّظا تجاه الفرنسيين من اخوان الطرق الأخرى (4)، ويرى رجل الدين روكيه أنّ تخريب زاويتي الصدّوق وآيت اسماعيل ، وقصف الضريح من طرف الجنرال سيريز ليسا كافيين لتفسير سلوك الرحمانيين ، وانّما الواضح أنّه للاخوان الرحمانيين كراهيّة واحدة ، كراهيّة الرومي ، والرغبة في طرده . أمّا لويس رين (5)المكلّف من قبل السلطات الفرنسيّة بدراسة ومحاربة الظاهرة الطرقيّة فيقول كنّا نعتقد كلما سعينا الى قمع تمرد خطير أننا يجب أن نقضي على الزوايا لانها مصدر إلهام المتمردين ومنه فقد طالب بانشاء منصب شيخ الاسلام تحت مراقبة فرنسية لتسيير شؤون الاسلام في الجزائر ، وكما رأينا فقد كان للأمير عبد القادر حلفاء مخلصون في واحة بوسعاده ، وفي ذلك يقول نذير (6) لم يخضع لحكومة الأمير في المجال الجغرافي للرحمانية الاّ مرابطو الحضنه وونّوغه والجنوب . مما سبق نستنتج أمرين 8 كانت الزاويا الرحمانية ملجأ الذين أذعرهم شبح محو الشخصيّة ومظاهره اغتصاب الأرض وانهيار البنى الاجتماعية التي كانت قبل الاستعمار وظهور بورجوازية جديدة من السكان الاصليين ، فالطريقة نادت بالمساواة والاخاء وبمستقبل افضل . كانت الزوايا الرحمانية ملتقى للفقراء والثائرين فالساكن الاصلي كان يجد القوت والماوى في الزوايا ومنه كان ينادي تلقائيا لكونه تابعا للطريقة ومن ثمّة ثائرًا محتملا وقد سار من خلف الشيخ محمد بن أبي القاسم على دربه في التكفّل بالفقراء وعابري السبيل واستقبال الزائرين ، ومن ذلك انّه حضي بلقاء لالاّ زينب كل من ايزابيل ابرهارت (7) و دوغالون (8) الذي انبهر بها فقال ...في ثيابها المتماوجة الناصعة البياض ظهرت لنا في خلوتها مع الطبيعة وسط أتباعها فكانت تجتمع فيها الأميرة والزعيمة الدينيّة والمتصوّفة القدّيسة ورئيسة الدير... (1) J. Brq : L Marb ntr x rrs . L SIL 1963 (3) J. Brq : L'Intrir Marb (3) Astin Brq : Blltin la socit orapi t 'Arcoloi la Provinc 'Oron (4) Nv , Ls Koans , Paris , 1846 (5) L.Rinn , Marabots t Koans , Alr , Joran , 1884 (6) A. Nair , Ls Orrs rliix t la conqt ranais,Rv Alrinn (7) Isabll brar , Nots rot , asqll , Paris , 1908 (8) allan Yoss NACIB cltrs oasinns Bo-Saaa : ssai 'istoir social .N.A.L. PBLIS 1986 Alr.Imp n Bliq CAPITR 14 L - AML : L PAR L'OASIS Ps : 338 363 -34- S * 3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
nral P.J.ANR CONTRIBTION A L'T S CONRRIS RLIISS MSLMANS
... ... ... بعد أن ترك الشيخ المختار بن خليفه المتوفي سنة1863باولاد جلاّل ، بركته للطالب محمّد بن أبي القاسم ، استقرّ هذا الأخير بقرية الهامل ، الذائعة الصيت من قبل ... ويجب ألاّ ننسى أنّ الرحمانيّة شاركت في انتفاضة 1871... يروي دوبون وكوبولاني في 1896 ، أنّ الطريقة الرحمانيّة ، برجالها ، كانت تقود ما يقارب 160000 مريد . ورغم تطوّر العصر ، فانّ الرحمانيّة بقيت محافظة على الطقوس القديمة للخلوتيّة ، وعلى وصاياها الصارمة والدقيقة ، ففي كبرى الزوايا ، مثل نفطه ، وطولقه، وخاصّة الهامل ، لا زالت القواعد القديمة سارية ، ومنها الطاعة المطلقة للشيخ ، حتى ولو لم يكن هناك مجال للخلوة.كما انّ الروابط المتينة التي تجمع المريد بشيخه لم تفقد قوتها ... ولقد تحوّلت الرحمانيّة من جمعيّة زهّاد ونسّاك إلى مجتمع سياسيّ دينيّ يهتمّ بالمصالح الظرفيّة والدنيويّة ... ففي حوادث ماي 1945 ، الدامية ، ظهر تأثير الرحمانيّة ... وقد يكون مهمّا أن نعرف مدى تأثيرهم في حوادث 541955... للطريقة الرحمانية أكثر من 50000 مريد في الجزائر وحدها ، تتزعّمهم زاويتا الهامل وقسنطينه وتأثيرهما ، ولا سيما زاوية الهامل ، يكون ممتدًا الى عمالات الجزائر و وهران وقسنطينة ... تضمّ عمالة غردايه 31000 مريد ، من اتباع الطريقة الرحمانيّه ، منهم 30000 في الجلفه ، و 1000 في الأغواط ، وفي الآونة الأخيرة ، المنتسبون للرحمانيّة جلّهم تابع لزاوية الهامل ، وأيضا 3500 مريد بواحات ورقلة. وفي الكريشيا ، توجد مدرسة قرآنيّة ، هي أيضًا تابعة لزاوية الهامل... على بعد 13 كلم من بوسعاده ، توجد الزاوية الأمّ ، زاوية الهامل ، التي تضاهي ، وتنافس زاوية ابن الحملاوي على الزعامة الروحية للطريقة الرحمانيّة ... أسّست زاوية الهامل عام 1849 ، وبدءًا من 1879 وبعد مرحلة التقهقر ، عرفت ازدهارًا كبيرًا ، بفضل الشيخ محمّد بن أبي القاسم ... تنفرد زاوية الهامل بزعامة الرحمانيين في عمالة وهران ، بجميع مناطقها ، تلمسان ، وتيارت ، و عمّي موسى هاته المناطق التي تعتبر مراكز للتعليم الدينيّ ... من غير المجدي أن ننفي أهمّيّة الطريقة الأكثر أتباعا بين الطرق الصوفيّة في الجزائر ، والتي تشعرنا بحدّة بتأثيرها في ناحية قسنطينة ، وعمالات الجنوب ، وخصوصا ببلاد القبائل ... التقاليد القديمة للخلوتية ، والتي هي أصل الرحمانيّة ، تدفعهم الى الدفاع عن المضطهدين ، وبالتالي الى مقاومة الحاكم المسيحيّ ... لأنّ هؤلاء المضطهدين ، هم للمسلمين ، مسلمون ، وهذا ما لا يناقش بالنسبة لمن عاشوا مطوّلا في بلاد الإسلام ... ... اذا كانت زاوية الهامل الأمّ ، تريد في الظاهر المحافظة على العقيدة بكلّ صفائها ، فانّ أقارب الشيخ قد اتجهوا نحو الحياة السياسيّة البرلمانيّة ، ونستنتج من هذا تطوّرًا ، يُظهر بأنّ الرحمانيّة والتي تبقى دوما غامضة قد تخلّت ، نوعاما ، عن التفكير الأحادي ... ... ... ... ولزاوية الهامل عدد مهمّ من الفروع الفاعلة والنشطة ، تتمركز بوضوح في مناطق يسودها الإرهاب في هذه الآونة 1955 قد يكون للمشائخ والمقاديم أثر محليّ خاص ... ... ... ... ومن هنا تبدو مدى أهميّة دراسة الطريقة الرحمانيّة على حسب الظروف الحالية ... nral P.J. ANR (C.R.) l'Acami s scincs Colonials CONTRIBION A L'T S CONRRIS RLISS MSLMANS Prac M.J. SOSTLL Ancin ovrnr-nral L'Alri TOM II SSAI SR LS CONRRIS RLIISS MSLMANS N ALRI Capitr 4 L'orr s Kaloatia.Ls Ramania,ls Tijania Ps363389 ITION LA MAISON S LIVRS ALR 1956 - ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم اللّه الرحمن الرحيم تحيي زاوية الهامل الذكرى المئويّة لوفاة مؤسّسها العالم الجليل الأستاذ سيّدي محمّد بن أبي القاسم وبهذه المناسبة ، تقام تظاهرة ثقافيّة ، يشارك فيها نخبة من الأساتذة المحاضرين ، وجمع من قدماء الطلبة والمحبّين ، وتتخلّل هذه التظاهرة محاظرات وندوات ، وعلى هامشها تقام معارض للمخطوطات وللخطّ العربيّ ، وأمسيّات شعريّة وأدبيّة ، ومدائح دينيّة . ففي الرابع من شهر جوان 1997 ، مرّت مائة سنة على وفاة العالم الربّانيّ ، سيّدي محمّد بن أبي القاسم ، مؤسّس زاوية الهامل . ولد الأستاذ في شهر رمضان 1339 ه الموافق لسنة 1834 م ببادية الحامديّة ، بولاية الجلفة ، من أبوين ينتهي نسبهما إلى سيّدي أبي زيد بن عليّ جدّ غالبيّة أشراف المغرب الأوسط . حفظ القرآن الكريم في مسقط رأسه ، على يديّ ابن عمّه محمّد بن عبد القادر ، وأرسخ حفظه ، وترتيله ، ورسمه بزاوية أولاد سيّدي عليّ الطيّار ، بجبال البيبان ، التي قصدها رفقة أخيه الحاج محمّد ، وعادا منها بعد عامين اثنين . رحل ثانية في طلب العلم إلى جبال القبائل ، فحلّ بزاوية سيّدي أبي داود ، بتاسلينت ناحية آقبو ، بعد ثلاث خلت من شهر رمضان المعظّم سنة 1356ه 1840 م . أخذ عن شيخها وأستاذها ، سيّدي أحمد بن أبي داود ، علوم الفقه ، والنحو ، وعلم الكلام ، والفلك ، والفرائض ، والمنطق ، وذلك خلال خمس سنوات قضاها بهذه الزاوية متعلّمًا ، ومقرّرًا للمبتدئين من الطلاّب ، ومناوبًا لأستاذه ، الذي أمره في سنته الأخيرة بالتدريس في زاوية سيّدي أبي التقى ، في ناحية برج أبي عريريج . وبحلول عام 1361 ه ، الموافق ل 1844 م ، جلس للتدريس بالهامل بلد آبائه وأجداده ، فتوافد عليه الطلاّب من المناطق المجاورة لتلقّي العلم ، فزاد عددهم على 80طالبًا وكانت نفقاتهم عليه . وفي هذه الفترة بالذات ، التقى الأميرَ عبد القادر ، غير بعيد عن البيرين ، بجبل البيضاء ، وفي نيّته أن يكون مجاهدًا في صفوف جيش الأمير ، غير أنّ هذا الأخير طلب منه أن يبقى مدرّسًا لأبناء المسلمين ، ومن هنا توطّدت بينهما العلاقة ، فكانت بينهما مراسلات من الجزائر ، ثمّ من الشام ، وما تزال بالزاوية قطع من اسلحة الأمير ، أهداها له ، ولم تنقطع علاقة عائلته من بعده بالزاوية وشيوخها . ولبلوغ درجة الإحسان التي كانت تتوق إليها نفسه ، قيّض اللّه له الشيخ المختار بن عبد الرحمن بن خليفه الجلاّلي ، فلازمه من بداية سنة 1373ه 1856 م الى سنة1378 ه 1857م، حتى أذن له في إعطاء ورد الطريقة الرحمانيّة ، وخلفه على رأس زاويته قريبًا من سنة . عاد الى الهامل فبنى زاويته العامرة ، في أحضان عمران ، لنشر العلم والتربيّة الروحيّة ، ولإيواء ابناء السبيل ، وسدّ حاجة المحتاجين ، فسخّر حياته للتربية والتعليم ، وإصلاح ذات البين ، ونذر نفسه لنصرة المجاهدين من ابناء وطنه ، حيث كان يجمع المؤن ويبعث بها الى المجاهدين بالزيبان في ثورة الزعاطشة ، كما موّن مجاهدي جيش الشيخ ابن الحدّاد الذي قاده الحاج محمّد المقرانيّ ، ثمّ آوى ما يزيد على 80 أسرة من عائلة المقراني ، ولا يزال بالزاوية حيّ أولاد مقران قائما . ولمواقفه هذه ، كانت السلطة الإستعماريّة تراقب حركاته وسكناته ، وتحاصر نشاطه ، وفي هذا ما يصادق الرواية المتداولة التي تقول : أن الأستاذ مات مسمومًا في طريق عودته من الجزائر العاصمة بالمكان المسمّى حدّ الصحاري . تخرّج على يديّ الأستاذ جمع من العلماء الأجلّة منهم : الشيخ محمّد بن عبد الرحمن الديسيّ ، والشيخ عبد السلام التازي الأستاذ بجامعة القرويين ، والشيخ محمّد العاصميّ المفتي الحنفيّ بالجزائر ، وابن أخيه وخليفته سيّدي محمّد بن الحاج محمّد صاحب الزهر الباسم في سيرة سيّدي محمّد بن أبي القاسم ، والشيخ الحفناويّ صاحب تعريف الخلف برجال السلف . وأجاز علماء آخرين منهم : الشيخ محمّد المكيّ بن عزّوز مفتي الأستانه ، ودفينها ، والشيخ حمدان الونيسيّ أستاذ الإمام عبد الحميد بن باديس ، والشيخ عبد الحليم بن سمايه . وتعتبر زاوية الهامل التي أسّسها الأستاذ سيّدي محمّد بن أبي القاسم إحدى أكبر الزوايا العلميّة بالمغرب العربيّ ، كما يجمع على ذلك المؤرّخون ، نظرًا لدورها الرياديّ في جهاد الشعب الجزائريّ ، ومساهمتها في صيانة عقيدة الأمّة وقيمها الروحيّة والوطنيّة ، وجهودها المعتبرة في مجالات التربيّة والتعليم والاصلاح الإجتماعيّ . وينتشر طلبتها وأتباعها وفروعها عبر أنحاء الوطن ، من أعالي القبائل ، إلى أقاصي الصحراء ، ومن تبسّه إلى مغنيّه . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد محمّد فؤاد

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا لكم وبارك الله فيكم على هذه الترجمة الشافية لسيدنا محمد بن لبي القاسم رحمه الله ورضي الله عنه وانالنا الله واياكم ببركاته وعلومه .

    ردحذف