الأربعاء، 25 مارس 2009

المقدمة الوثيقة لمعرفة بعض أحكام الطريقة

المقدمة الوثيقة لمعرفة بعض أحكام الطريقة
لمؤلّف مجهول




تعليق
محمّد فؤاد بن الخليل القاسميّ الحسنيّ









الإيداع القانونيّ: 1584-2005.
الرقم الدوليّ: 4-2-9604-9960ISBN: .
الرقم الموضوعيّ: 260.
الموضوع: تصوّف.
العنوان: المقدّمة الوثيقة لمعرفة بعض أحكام الطريقة.
المؤلّف: مجهول.
تعليق: محمّد فؤاد القاسميّ الحسنيّ.
عدد الصفحات: 24.
حجم الصفحة: 15×22.
الطبعة: الأولى. 1425/2005
الغلاف: صورة من الصفحة الأولى من المخطوط.
جميع الحقوق محفوظة لدار الخليل القاسميّ للنشر والتوزيع. ص . ب: 86. بوسعادة. ولاية المسيلة 28200. الجزائر.
الهاتف: 81 09 25 077.




تمهيد
الحمد لله ربّ السماوات وربّ الأرض ربّ العالمين وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، والصلاة والسلام على سيّدنا ومولانا محمّد، وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين وخلفائه الراشدين والأنصار والمهاجرين وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ في الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
وقال الرسول الكريم سيّدنا ومولانا محمّد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: {?إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ?} رواه الإمام البخاريّ. وقال( : {تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ?} رواه الإمام مالك. وقال (: {اَلْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ} رواه الإمام مسلم. وقال (: {الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ}? رواه الإمام الترمذيّ. وقال (: {?إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ?} رواه الإمام أحمد.
وقال شيخ الطائفة أبو القاسم الجنيد: (الطرق كلّها مسدودة على الخلق إلاّ على من اقتفى أثر الرسول (.) وقال أبو نصر بشر الحافي: (التصوّف اسم لثلاث معان، وهو أن لا يغطي نورُ معرفة العارف نورَ ورعه، وأن لا يتكلّم في علم باطن ينقضه عليه ظاهر الكتاب أو السنّة، وأن لا تحمله الكرامات على هـتك أستار محارم الله). وقال أبو يزيد البسطاميّ: (لا تغترّوا بأحد حتّى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنّهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة). وقال ابن أبي الحواريّ الدمشقيّ: (من عمل عملا بلا اتّباع سنّة رسول الله ( فباطل عمله). وقال أبو بكر الطمستانيّ: (من صحب منّا الكتاب والسنّة وتغرّب عن نفسه والخلق، وهاجر بقلبه إلى الله، فهو الصادق المصيب). وقال ذو النون المصريّ: (من علامات المحبّ لله متابعة حبيب الله ( في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه). وقال أبو العبّاس بن عطاء الآدميّ: (من ألزم نفسه آداب الشريعة، نوّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب ( في أوامره وأفعاله وأخلاقه). وقال أبو بكر الكتّانيّ البغداديّ: (التصوّف خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوّف). وقال أبو محمّد الجريريّ: (التصوّف هو الدخول في كلّ خلق سنيّ والخروج من كلّ خلق دنيّ). وقال محمّد بن عليّ القصّاب: (التصوّف أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام). وقال أبو الحسن أحمد النوريّ: (ليس التصوّف رسوما ولا علوما، وإنّما هو أخلاق). وقال أبو محمّد رويم: (التصوّف استرسال النفس مع الله على ما يريد). وقال أبو القاسم النصرآباذيّ: (التصوّف ملازمة الكتاب والسنّة وترك الأهواء والبدع). وقال أبو عثمان النيسابوريّ: (من أمّر السنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة). وقال أبو سليمان الدارانيّ: (إنّه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلاّ بشاهدين, الكتاب والسنّة). وقال أبو عمرو بن نجيد: (كلّ وَجْدٍ لا يشهد له الكتاب والسنّة فهو باطل). وقال الحارث بن أسد المحاسبيّ: (من صحّح باطنه بالمراقبة والإخلاص زيّن الله ظاهره بالمجاهدة واتّباع السنّة). وقال سهل بن عبد الله التستريّ: (لا مُعين على ما نحن فيه إلاّ الله تعالى، ولا دليل إلاّ رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا زاد إلاّ التقوى، ولا علم إلاّ علم مردود إلى أصول ثابتة من الكتاب والسنّة). وقال أبو بكر الشبليّ: (خلاف السنّة في الظاهر نفاق في الباطن). وقال أبو القاسم الجنيد: (من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث، لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأنّ علمنا هذا مقيّد بالكتاب والسنّة). وقال أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيريّ: (...إنّ المسلمين بعد رسول الله (، لم يتسمّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله (، إذ لا فضيلة فوقها، فقيل لهم الصحابة. ولمّا أدركهم أهل العصر الثاني، سمّي من صحب الصحابة التابعين، ورأوا ذلك أشرف سمة. ثمّ قيل لمن بعدهم أتباع التابعين. ثمّ اختلف النّاس وتباينت المراتب، فقيل لخواصّ النّاس، ممّن لهم شدّة عناية بأمر الدين الزهّاد والعبّاد؛ ثمّ ظهرت البدع، وحصل التداعي بين الفرق، فكلّ طريق ادّعوا أنّ فيهم زهّادا، فانفرد خواصّ أهل السنّة المراعون أنفاسهم مع الله تعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوّف...).
بعد الآية والحديث، كلمات للسّادة الصوفيّة، قدّمناها للتعريف بالتصوّف، على رسالة ظفرنا بها، اقتبس صاحبها، الذي لم نعرفه، من نور كلام الله عزّ وجلّ، وحديث الأمين( ، ما شاء الله له، فكساها الله رداء القبول، بحول ذي الحول، وددنا نشرها، لما حوته من فوائد في وجازة وبيان، وحاولنا وضع تعليق عليها للتوضيح والتصويب والتأصيل.
وتعليقنا على هذه المقدّمة سيكون بإذن الله مختصرا، نقتصر فيه على تخريج الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، مكتفين بذكر ورودها في أحد الصحاح أو غيرها، ونقيّد فيه بعض ما ظهر لنا، متجاوزين ما كان أكبر منّا، متباعدين عن الحشو والإطناب في ذكر المراجع، إذ المقصود الاستفادة بالتعليق، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وننبّه في البدء إلى أنّ الكلمات ما بين قوسين [...] في الرسالة خرمت بعض حروفها الأرضة، فأثبتنا ما رأيناه موافقا للسياق، والحروف المتبقية.
وصف المخطوط
كتبت الرسالة بخطّ فارسيّ جميل، وبمداد أسود وفواصل حمراء، نسخها موسى بن محمّد، عام 935هـ، الموافق 1529م، بمدرسة قاضي بلدة أماسية، بتركيا، في خمس ورقات، في كلّ صفحة 19 سطرا، وفي كلّ سطر نحو تسع كلمات، مقاس المخطوط 190/130ملم، ومقاس النصّ 140/70ملم، والورق شرقيّ الصنع من ثمانية ألياف أفقيّة فرديّة، والتجليد أصليّ مزهر الوسط واللّسان، وهي ضمن مجموع في التصوّف.
وتجدر الإشارة إلى أنّنا راجعنا في إطار البحث عن نسخة أخرى للمقابلة، كثيرا من فهارس المخطوطات العربيّة ومخطوطات التصوّف ولم نعثر على طائل[1].

قال المصنّف رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم[2]. هذه مقدمة[3] وثيقة[4] لمعرفة[5] بعض أحكام[6] الطريقة[7] وعلى الله قصد السبيل. الحمد لله الذي خلقنا مسلمين، وجعلنا من أمّة سيّد الأوّلين والآخرين[8]. والذي أرسله رحمة للعالمين، وجعله منّة[9] على المؤمنين، وأنزل عليه في محكم كتابه المبين {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10]، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأولاده وذريّته وتابعه ومحبّه إلى يوم الدين، وارحمنا واحشرنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، آمين، الحمد لله ربّ العالمين.
فصل
اعلم يا أخي حفظنا الله وإيّاكم من كلّ سوء، وجمع لنا ولكم بين خيري الدارين بجاه [سيّد] الكونين[10] أنّ أوّل قدم يضعه السالك[11] في طريق الآخرة ممّا لا بدّ له منه قطعا، العلم والتوبة بشروطها، وهي أربعة: ردّ المظالم[12]، واجتناب المحارم، والندم على ما فات، والإقلاع[13] في الوقت على الفور والعزم، على أن لا يعود كما لا يعود اللّبن إلى الضرع، وهذا من أعظم أركان الطريق، وعليه مدار الأصول[14] وبناء الفصول[15] فإنّها واجبة بدليل قوله تعالى جلّ وعلا: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31 ]، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]، وقوله عليه السلام: {توبوا فإنّي أتوب في اليوم والليلة مائة مرّة}، وفي رواية {ألف مرّة}[16]، وما حُرم من حُرم الوصول، إلاّ بتضييع الأصول، ولا وصول إلاّ على قدم الرسول[17]. وأقسام التوبة كثيرة، مجملها ثلاثة، توبة من الذّات[18]، وتوبة من ملاحظ الخلق في الطاعات[19]، وتوبة من رؤية الحسنات[20]، هذا بحسب هذا التقسيم، ?وفوق كلّ ذي علم عليم.
فصل
أيّها الأخ في الله والموفّق من عند الله؛ إنّ القدم الثاني هي النيّة[21] الصالحة، فإنّها رأس كلّ عبادة[22]، بصحّتها تصحّ الأعمال، وتفسد بفسادها، وهي أصل قويّ، بدليل قوله عليه السلام: {نيّة المؤمن [خير من] عمله}[23]، وقول مولانا جلّ جلاله: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}[الإسراء: 84]، أي على نيّته[24]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة: 12]، أي نيّة صالحة[25]، إلى غير ذلك من الأدلّة. وفي النيّة سبع سؤالات نظمها بعضهم في بيتين، وهي، قال:
سبع سؤالات أتت في نيّة ~ تكفي لمن حاولها بلا وسن
حقيقة، حكم، محلّ، وزمن ~ كيفيّة، شرط، ومقصود حسن
فصل
القدم الثالث هو جهاد النفس[26]، ومخالفتها في شهواتها، وترك ما أمكن من مألوفاتها وعاداتها، مع العلم والصفح والتجاوز والإحسان إلى من أساء، والشفقة على خلق الله، والتواضع والمسكنة، وحمل الأذى، وترك الأذى بطيب نفس وصفاء قلب، تأسيّا[27] بالمرشد الأعظم والحبيب المقدّم محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وإعمالا[28] بما ورد في سنّته عن خواصّ أمّته، وقوله عليه السلام: {أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم، قالوا ومن هو أبو ضمضم يا رسول الله، فقال كان إذا أصبح يقول اللهمّ إنّي وهبت عرضي ونفسي ومالي لك، لا أضرب من ضربني، ولا أشتم من شتمني، ولا أظلم من ظلمني}[29]، وهذا سبيل كلّ سالك عند الكمّل من أهل السلوك وإليه يرشدون وعليه يتحاضّون، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 134]، فإنّ [الـشهوات] من المهلكات، قال الله تعالى في آياته البيّنات: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ}، الآية [مريم: 59]، وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَىفَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40 و41]، وقال بعض المشايخ رحمة الله عليه:
عليك بقمع النفس عن كلّ شهوة ~ تعوّض بنور في فؤادك بارق
فإن لم تجد نورا لُمِ[30] النفس واعلمنّ ~ بأنّك في دعواك لست بصادق
وما دمت عند الخلق تختار رفعة~ فلا تطمعن في رفعة عند خالق
وأبلغ من ذاك ما وعظنا به أحكم الحاكمين في كتابه المبين: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
فصل
القدم الرابع محاسبة النفس في جميع عاداتها وعباداتها، إعمالا بقوله عليه الصلاة والسلام: {حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا}[31]، وقوله عليه الصلاة والسلام: {لا يحلّ لامرء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُقدِم على أمر حتّى يعلم حكم الله تعالى فيه}[32]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} الآية [الحشر: 18]، وقوله جلّ وعلا: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الآية [الإسراء: 36]، إلى غير ذلك حسب ما هو معلوم عند [أهله]، ونسأل الله أن يمنّ علينا لك من فضله بفضله إنّه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير[33].
فصل
القدم الخامس دوام الذكر سرّا وجهرا امتثالا لأمر الله عزّ وجلّ، قال عزّ من قائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا.وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 41-44]، هذا كلّه جزاؤهم على ذكره، وقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، وقال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} الآية [آل عمران: 191]، وقال عليه الصلاة والسلام: {أفضل ما قلته أنا والنبيّون من قبلي لا إله إلاّ الله}[34]، وقال عليه الصلاة والسلام: {ألا وإنّ القلوب لتصدأ كما يصدأ[35] الحديد، قيل فما جلاؤها يا رسول الله، قال ذكر الله}[36]، وفي بعض مناجاة السيّد موسى عليه السلام أنّه قال: {يا ربّ علّمني شيئا أتقرّب به إليك، قال يا موسى قل لا إله إلاّ الله، قال موسى عليه السلام يا ربي كلّ عبادك يقولون لا إله إلاّ الله، وإنّما أريد شيئا تخصّني به دون عبادك، قال الله تعالى وعزّتي وجلالي لو وضعت السماوات والأرض ومن فيهنّ في كفّة ووُضعت لا إله إلاّ الله في كفّة لرجحت عليهن لا إله إلاّ الله}[37]، وقال بعض الأقطاب: (الذكر منشور الولاية من أعطيه فقد أعطي منشور الولاية، ومن حرمه [فقد] حرم منشور الولاية)[38]، وقال بعض المشايخ: (علامة طرد العارف انقطاع الذكر)[39]، وقال جلّ من قائل: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} الآية [الكهف: 28]. وأقسام الغفلة كثيرة مجملها ثلاثة: غفلة عن الذكر[40]، وغفلة عن ملاحظة الذكر في نفس الذكر[41]، وغفلة عن شهود الذكر من الله على لسان عبده[42]، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافّات: 61]، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطفّفين: 26]، والله الموفّق، وفي أقلّ من هذا القدر كفاية، فإنّ هذه النبوّة بنيت على الاختصار {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8].
فصل
القدم السادس هو المراقبة[43]، قال جلّ من قائل: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} [الدخان: 59]، وقال: {وَلاَ تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]، وقال جلّ جلاله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. والمراقبة لها معنيان، أحدهما حفظ القلب من أطوار المذمومة[44]، والثاني ملاحظة الحقّ في كلّ حال. ثمّ اعلم يا أخي أنّ للقلب بحسب الإدراكات[45] حركات خفيّة، ألا وهي الخواطر[46]، وتسمّى عند القوم بالواردات[47]، وعند آخرين بالوقائع، وهي تنقسم إلى أربعة أقسام: خاطر شيطانيّ، وخاطر نفسانيّ، وخاطر ملكيّ، وخاطر رحمانيّ، فإن خطر خاطر بالجحود والانكار والمعاصي، فهو شيطانيّ، ويسمّى وسواسا، وإن خطر خاطر باللّذات والشهوات [من] المباحات فهو نفسانيّ ويسمّي هاجسا[48]، وإن خطر خاطر بالميل إلى الطاعات والعبادات والقربات فهو ملكيّ، ويسمّى إلهاما، وإن خطر خاطر بالهيـبة والعظمة واليقين فهو رحمانيّ، ويسمّى إلقاء[49]. وسبب اشتباه هذه على المريد أربعة أشياء: أحدها عدم معرفة النفس في أخلاقها. الثاني قسوة القلب وضعف اليقين. الثالث متابعة الهوى[50] باخترام[51] قواعد الشرع. الرابع محبّة الدنيا وطلب الرفعة عند أهلها. فمن حفظ هذه الأربعة فقد فاز بالمقصود والدرجة القصوى. ولا بدّ في الجملة من مرشد عارف بالداء والدواء، يخبر المريد بجميع ما يرد عليه، والشيخ يدفع عنه ذلك الوارد، إمّا بطريق الاستدلال[52]، وإمّا بطريق الحال[53]، {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 13]، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126، والأنفال: 10]، {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ} [هود: 88]، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53].
فصل
القدم السابع فراغ القلب من الشواغل[54] بكلّ ممكن، وأن لا يعلّق باطنه بشيء من أحوال الطريق، فيكون ممّن عبد الله على حرف[55]، نعوذ بالله، ففي الحديث الشريف: {إنّا لا نؤتي أمرنا هذا من طلبه}[56]، بل يكون طلبه في سلوكه أن يعبد الله كما وجب عليه، والذي قُسم له في الأزل يأتيه، قال جلّ من قائل: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاَقِيهِ} [القصص: 61]، قال بعض أهل الطريق رضي الله عنّا بهم[57]:

يا من يرى الأحوال أحلى غرامه ~ ويفرح بالوجه الدنيّ وبالأُمْنيِّ[59]
لو كنت من أهل الوجود حقيقةً[58]~ لَغِبْتَ[60] عن الأكوان[61] والعرش[62] والكرسيّ[63]
وكنت بلا حال مع الله واقفا ~ خَلِيًّا[64] عن التذكار للرمز والحسيّ[65]

وقال بعضهم:
خلوة[66] [العاشق] [67] قلبٌ شاهدٌ[68]~ لجمال الحق من حيث رمق[71]
وهواه فيه تجريد[69] السِّوَى[70] ~ كائنا في كونه كيف اتّفق

فإنّ كثيرا من المريدين محجوبون في سلوكه بغرض من الأغراض، إمّا خلافة أو رياسة، وإمّا كرامة، وإمّا تصرّفا ووجاهة[72] عند الخلق إلى غير ذلك، وهذا عمل معلّق يُخاف على صاحب هذا الحال من الحرمان أو من الاستدراج، نعوذ بالله، قال جلّ من قائل: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ} الآية [الحج: 11]، وقال جلّ وعلا: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، وفي الحديث الشريف: {إنّ الرجلين ليصلّيان الصلاة[73] الواحدة في الصفّ الواحد، وأمّا بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض}[74]، وهذا مثل يدلّنا على مثله في كلّ عبادة، ووجه القياس[75] صحيح، والله أعلم.
فصل
القدم الثامن، وهو الثابت في الأقدام، وسبب النجاة في الإقدام إلى دار السلام {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71]، ويا له من إمام محبّة[76] مرشدٍ عارفٍ داعٍ إلى الله على بصيرة ناصحٍ صادقٍ مخلصٍ، نصيحةُ مريده لله لا لعلّة، ومتى ما لاحظ في إرشاده لمريده أجرةً أو هيبةً أو خدمةً في الدنيا وأجراً في الآخرة لا يصلح الإرشاد ولا ينتفع به، قال جلّ من قائل، معلّما لنا بنبيّه من باب تربية الأدنى بالأعلى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الشورى: 23]، وهذا سبيل كلّ مربٍّ كامل. ويجب على المريد أن يعتقد في شيخه [الكمال][77] وأنّ الله يرزقه على يده، فإنّ الله تعالى يعطيه على نيّته، ففي الحديث الشريف: {إنّما يعطى الرجل على قدر نيّته}[78]، وفي الحديث الشريف: {نيّة المؤمن خير من عمله}[79]، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ويجب على المريد أن يكون واقفا عند أمر شيخه ونهيه بالتسليم[80] الكليّ ظاهرا وباطنا من غير دليل[81]، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النّساء: 65]، فالتصوّف[82] مبنيّ على التسليم والتصديق، وعلم الظاهر[83] مبنيّ على البحث والتحقيق، {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة: 60 والأعراف: 160]، ويكفينا في هذا المحلّ من الدليل التامّ ما كان من قصّة موسى مع الخضر عليهما السلام وعلى نبيّنا وسائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام[84]. ويجب عليه أن يحفظ حرمته في الغيبة والحضور، وأن يحفظ وصيّته، وأن لا يعترض عليه ظاهرا وباطنا. كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله)، وكان يقول صلّى الله عليه وسلّم: {لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله ونفسه وولده}[85]. قد أورد القشيريّ[86] في رسالته عن السلطان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه[87] قال: (صحبت ألف شيخ[88] منهم الجنيد[89] وغيره، وكلّ منهم أسأله الوصول إلى الله فيقول لي: يا إبراهيم عليك بخمسة أشياء؛ أن تخرج حبّ الدنيا من قلبك، وحبّ الرياسة من رأسك، وأن لا تجالس أبناء الدنيا، وأن لا تصحب الأحداث، وأن تحفظ حرمة المشايخ، قال ففعلتهنّ بتوفيق الله فحصل لي مرادي بعون الله)، {هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ} [إبراهيم: 52]، وقد أمرنا مولانا بصحبتهم، فقال جلّ من قائل في كتابه المبين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، والصدق له علامات، فمن علاماته ما ورد عن أهل الطريق، قالوا: (الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كلُّ قدرٍ له من قلوب الخلق من أجل إصلاح قلبه، ولا يحبّ اطّلاع النّاس على مثاقيل الذرّة من حسن عمله، ويكره أن يطّلع النّاس على السرّ من عمله) [90]، نسأل الله ذلك من فضله بفضله، قال تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: 21]، {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40]، نسأل الله الخلاص بالإخلاص[91] والقبول والرضا وحسن الخاتمة، {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8]، يا نعم المولى ويا نعم النصير، وقد تيسّر بعض الغرض بعون الله وحسن توفيقه، ولكن في غاية الإيجاز والاختصار للضرورة الداعية بالسرعة، وعلّقت على عجل منّي، وستلحق إن شاء الله تعالى بوصيّة أبسط في المباني وأوسع في الشروط والأحكام والمعاني، ونسأله أن يجعلها وسيلة إلى رضاه بجاه نبيّه ومصطفاه والصالحين من عباده وأولياه[92]، {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النّساء: 70]، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله أجمعين، وتابعه إلى يوم الدين، والحمد لله ربّ العالمين.
تمّت المقدّمة. [93]
--- --- ---
الهوامش
[1] راجعنا في هذا الإطار الآتي: فهرسة الأوقاف العامّة ببغداد والموصل والمكتبة العبّاسيّة في البصرة بالعراق، ودار الكتب والمكتبة الخديويّة بمصر، والمكتبة الظاهريّة بدمشق، ومخطوطات الأردن ومصوّراتها، ومخطوطات إيران، ومخطوطات السعوديّة ومصوّراتها، ومخطوطات اليمن، ومخطوطات سلطنة عمان، ومخطوطات قطر، ومخطوطات ليبيا، ومخطوطات المكتبة الأحمديّة بتونس، ومخطوطات الجزائر، ومخطوطات ولاية أدرار، ومخطوطات الخزانة الحسنيّة وخزانة القرويين بالمغرب، ومخطوطات سراييفو، وأهمّ مخطوطات طشقند، والمخطوطات العربيّة في مكتبة باريس، ومخطوطات سلطنة عمان، ولم نعثر على هذا العنوان. وللتحرّي وضعنا احتمال وجوده تحت عنـوان رسالة في التصوّف، ومخطوط في التصوّف، وكتاب في التصوّف، فأوصلنا هذا إلى العثور على نسخة في العراق تحت عنوان رسالة في التصوّف، مجهولة المؤلّف، لها نفس الاستهلال، أوّلها الحمد لله الذي خلقنا مسلمين وجعلنا من أمّة سيّد الأوّلين والآخرين الذي أرسله رحمة للعالمين... نسخها عبد الغنيّ المغربيّ النابلسيّ، في أربع ورقات، بمقاس: 15/21س، رقم التسجيل [2836/5مجاميع]، رقم الفهرسة 3687، في الصفحة 373 من الجزء الثاني، من فهرس المخطوطات العربيّة في مكتبة الأوقاف العامّة في بغداد، إعداد عبد الله الجبوريّ، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1974م.
[2] شرح البسملة موجود في كلّ التفاسير فلا داعي لنقله، وإنّما نشير فقط إلى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: {كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع} النوويّ.
[3] المقدّمات عند علماء العرب المسلمين كانت لكلّ علوم الشريعة الإسلاميّة أصولها وفروعها، «كمقدّمة ابن آجرّوم» في النحو، و«مقدّمة» ابن رشد في الفقه، و«مقدّمة» ابن خلدون في التاريخ، وكذا في المنطق والصرف والكلام وما إلى ذلك. وفي «لسان العرب»: من قدّم بمعنى تقدّم، وقد استعير لكلّ شيء فقيل: مقدّمة الكتاب ومقدّمة الكلام بكسر الدال، قال: وقد تفتح. وقيل: مقدّمة كلّ شيء أوله، ومقدّم كلّ شيء نقيض مؤخره.. وفي «تعريفات» الجرجاني: مقدّمة الكتاب ما يذكر فيه قبل الشروع في المقصود لارتباطها، ومقدّمة العلم ما يتوقف عليه الشروع، فمقدّمة الكتاب أعمّ من مقدّمة العلم، بينهما عموم وخصوص مطلق.
[4] الوثيقة من الوثوق، أي المتانة والصلابة والقوّة، وتكون لأحد مشتقّاتها أيضا وهو الثقة. وفي «لسان العرب»: الوثيقة في الأمر إحكامه والأخذ بالثقة والجمع الوثائق. وفي حديث الدعاء: واخلع وثائق أفئدتهم، جمع وثاق أو وثيقة. والوثيق: الشيء المحكم والجمع وثاق. ويقال: أخذ بالوثيقة في أمره، أي بالثقة وتوثّق في أمره: مثله. ووثقت الشيء توثيقا فهو موثق. والوثيقة: الإحكام في الأمر، والجمع وثيق. وعندي أن الوثيق ههنا إنّما هو العهد الوثيق وقد أوثقه ووثقه وإنه لموثق الخلق. اهـ
[5] المعرفة ما وضع ليدل على شيء بعينه، والمعرفة أيضا إدراك الشيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بجهل، بخلاف العلم، ولذلك يسمى الحق تعالى بالعالم دون العارف.
[6] الأحكام، جمع حكم، وفي «التعريفات»: الحكم إسناد أمر إلى آخر إيجابا أو سلبا.
[7] الطريقة هي السبيل المقيّد بالكتاب والسنّة الموصل إلى رضا الله. وعند الجرجاني: الطريق هو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب، وعند اصطلاح أهل الحقيقة عبارة عن مراسم الله تعالى وأحكامه التكليفية المشروعة التي لا رخصة فيها، فإن تتبع الرخص سبب لتنفيس الطبيعة المقتضية للوقفة والفترة في الطريق. وقال: الطريقة هي السيرة المختصّة بالسالكين إلى الله تعالى من قطع المنازل والترقي في المقامات. اهـ وقال بعض السادة الصوفيّة: عدد الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلق. اهـ وكلّهم مقتد برسول الله (، ومعلوم أن لا أحد من الخلق له أن يدرك محمّدا (، فترى المسلمين يتنافسون في الاقتداء به في عبادته وخُلقه وسننه، من بعد الأركان، كلّ حسب طاقته وطبيعته، والنوافل من جنس الفرائض، فمنهم من يسّر الله له الصلاة فأكثر من نوافلها، ومنهم من في الصيام صام الدهر أو أدنى، ومنهم في الزكوات والصدقات، ومنهم في الحجّ والعمرة، ومنهم في حسن الخلق، ومنهم في الذكر الذي هو من أعظم العبادات المتأكّدة على كلّ مسلم بدرجاتها المعروفة، إلى غير ذلك من عبادته وعبوديّته وسائر أوصافه الشريفة التي لا تستقصى عليه صلوات الله وسلامه. فمن وصل منهم إلى الله بكثرة الصلاة كانت تلك طريقته، ومن وصل بالصيام كان ذاك، ودواليك، والظاهر أنّ معظم من وصل إنّما وصل بأيسر الطرق إلى الله، ألا وهو الذكر، وهو في الحقيقة ليس من أيسرها، بل من أعظمها، لأنّه إنّما يكون في أكمل أوجهه بدوام ذكر الله بالقلب، وهو الذي تنشأ عنه المشاهدة لله في كلّ حين، وذلك هو مقام الإحسان الذي قال عنه رسول الله (: {أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك} رواه البخاري. ولابن عجيبة الحسينيّ كلام نفيس حول ما يقرب هذا المعنى، في كتابه «موقظ الهمم» عند قول السكندريّ: (ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه)، قال رحمه الله: (ومن تأمّل الأحاديث النبويّة وجدها على هذا المنوال، لأنّ النبيّ ( كان سيّد العارفين وقدوة المربّين، فكان يقرّ الناس على ما أقامهم الله في حكمتهم، ويرغّبهم فيها، فلذلك تجد الأحاديث متعارضة ولا تعارض في الحقيقة، فإذا نظرت في أحاديث الذكر قلت لا أفضل منه، وإذا نظرت في أحاديث الجهاد قلت لا أفضل منه، و إذا نظرت في أحاديث فضل العلم قلت لا أفضل منه، و إذا نظرت في أحاديث الزهد والتجريد من أسباب الدنيا قلت لا أفضل منه، و إذا نظرت في أحاديث الكسب والخدمة على العيال، كذلك، فكلّ حكمة رغّب النبيّ ( فيها حتّى تقول لا أفضل منها، تطييبا لخاطر أهلها، ليكونوا فيها على بيّنة من ربّهم، ولم يأمرهم عليه السلام بالانتقال عنها، إذ مراد الله منهم هو تلك الحكمة، فأقرّهم عليه السلام عليها ورغّبهم فيها، حتّى يظنّ من يسمع أحاديثها أنّه لا أفضل منها، وهو كذلك، إذ لا أفضل منها في حقّ أهلها). اهـ.
[8] قوله: سيّد الأوّلين. دليله قول رسول الله (: {أنا سيّد ولد آدم ولا فخر). رواه أبو داود وابن ماجة وابن حنبل. وقوله: والآخرين. دليله قول رسول الله (: {أنا سيّد الناس يوم القيامة}. رواه البخاريّ ومسلم والترمذيّ والدارميّ وابن حنبل. وروى ابن حنبل أيضا في مسند عبد الله بن عبّاس، من مسند بني هاشم، في حديث ذي العقيصتين، الطويل، أنّه قال في حضرة الرسول ( وصحابته رضوان الله عليهم: {... وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا رسول الله...}. ولم ينكر عليه رسول الله ولا أحد من الصحابة، كما لم يعلّق عليه ابن القيّم في كتابه، وسيأتي في قوله الكونين، وهما الأولى والأخرى، فليُلاحظ ذلك.
[9] منّة عليهم: أي نعمة عليهم بغير تعب منهم.
[10] قوله : بجاه.. فيه توسّل، ودليله قوله ( لمّا اقترف آدم الخطيئة: {قال يا ربّ أسألك بحقّ محمّد إلاّ ما غفرت لي...} الحديث، أخرجه الحاكم. وقوله ( للضرير قل: {اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد...} الحديث، رواه النسائيّ والترمذيّ. وقوله في دعائه (: {بحقّ نبيّك والأنبياء من قبلي..}. الحديث، رواه البيهقيّ، قاله النبهانيّ. وراجع حديث عثمان بن حنيف في الترغيب في صلاة الحاجة، وفيه التوسّل بالنبيّ ( بعد وفاته. رواه الطبرانيّ. وروى العجلونيّ في «كشف الخفاء» عن ابن باشكوال، عن عمر ابن الخطّاب، مرفوعا، قال قال رسول الله (: (أكثروا الصلاة عليّ في اللّيلة الزهراء واليوم الأغرّ، فإنّ صلاتكم تُعرض عليّ، فأدعو لكم وأستغفر). وجاء في مسند الإمام أحمد, في باقي مسند المكثرين, من مسند أنس بن مالك, وانفرد به الإمام أحمد قال: {قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّ أعمالكم تُعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا اللهمّ لا تمتهم حتّى تهديهم كما هديتنا}، وفي هذا كفاية والله أعلم.
[11] السالك: هو الذي مشى على المقامات بحاله لا بعلمه وتصوّره، فكان العلم الحاصل له عينا يأبى من ورود الشبهة المضلّة له.
[12] في الأصل: ردّ الظالم، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
[13] كتب على الهامش: الإقلاع الكفّ والامتناع عن الشيء.
[14] الأصول: جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، ولا يبنى هو على غيره، والأصل ما يثبت حكمه بنفسه، ويبنى عليه غيره.
[15] الفصول: جمع فصل، وهو الفرع، وهو ما يبنى على غيره، وهو الجزء من الكلّ.
[16] رواه البخاريّ ولفظه: أكثر من سبعين مرّة. ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد بن حنبل.
[17] أي على أثر الرسول باتّباع سنّته (، وانظر قول الجنيد وغيره من أعلام التصوّف في التمهيد.
[18] التوبة من الذّات: هي الندم بالقلب والاستغفار باللّسان والإقلاع بالبدن والعزم على ترك العود والتبرأ من الذات إلى حول الله وقوّته إيمانا وإقرارا وعملا. والله أعلم.
[19] التوبة من ملاحظ الخلق في الطاعات: أي التوبة من الرياء، وهو الشرك الخفيّ.
[20] التوبة من رؤية الحسنات: أي التوبة من الاغترار بما أكرمه الله به لئلاّ يكون ذلك استدراجا.
[21] النيّة: هي عقد القلب على إيجاد الفعل جزما.
[22] إشارة إلى الحديث: {إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى..} متّفق عليه، وقال الإمام النوويّ عنه، هذا الحديث عليه مدار الإسلام، وكذا الإمام البخاري، ولذلك افتتح به كتابه «الجامع».
[23] رواه الديلميّ والقرطبيّ والقسطلانيّ. ورواه ابن عبد البرّ بلفظ: نيّة المؤمن خير من عمله، ونيّة الفاجر شرّ من عمله وكلّ يعمل على نيّته. ورواه الشيباني والقضاعيّ والحكيم الترمذيّ وأبو نعيم بلفظ: نيّة المؤمن أبلغ من عمله. ورواه الطبرانيّ والهيثميّ بلفظ: نيّة المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيّته، وكلّ يعمل على نيّته، فإذا عمل المؤمن عملا ثار في قلبه نور. وذكره الزرقاني والمباركفوريّ والخطيب البغداديّ وأبو الفرج والسيوطيّ والصنعانيّ والآمديّ، وقال البيهقيّ إسناده ضعيف. وروى الخالديّ: من حسنت نيّته صلح عمله. وروى النوويّ عن ابن عبّاس قال: إنّما يحفظ الرجل على قدر نيّته. وقال قال غيره: إنّما يعطى الناس على قدر نيّاتهم.
[24] هذا رأي الحسن البصريّ وقتادة، قاله القرطبيّ.
[25] تفسير غريب لم نعثر عليه إلاّ في «الفواتح الإلهيّة» للشيخ علوان النخجوانيّ، قال: فإن لم تجدوا صدقة فنيّة حسنة. وفي «تفسير ابن عربي» قال: فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة، أي تقديم الانسلاخ من الأفعال والصفات والتجرّد عن الخارجيّات من الأسباب والأموال وقطع التعلّقات المسمّى بالترك، ثمّ محو الآثار والهيئات الباقية منها في النفس المسمّى بالتجريد عندهم، ثمّ قطع النظر عن أفعاله وصفاته والترقّي إلى مقام الروح في الأوّل، ومقام القلب في الثاني، حتّى يصفو له مقام التناجي مع النبيّ (، في الأسرار الإلهيّة والمسارّة القلبيّة في الأمور الكشفيّة.
[26] جهاد النفس: هو حملها على المشاقّ البدنيّة ومخالفة الهوى على كلّ حال.
[27] كتب على الهامش بالتركيّة: تشبّها معناسنه.. وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}. [الأحزاب: 21].
[28] إعمالا: أي وعملا بكذا، وأعمل فلان ذهنه في كذا وكذا: إذا دبّره بفهمه. وأعمل رأيه وآلته ولسانه واستعمله: عمل به فهو مستعمل. نقلا عن «الصحاح». وفي «لسان العرب»: والعمل: المهنة والفعل، والجمع أعمال، عمل عملا وأعمله غيره واستعمله واعتمل الرجل: عمل بنفسه.
[29] رواه ابن السني عن أنس في «عمل اليوم والليلة».
[30] كتب على الهامش: لفظ لُمْ، أمر من اللّوم.
[31] رواه الترمذيّ عن عمر بن الخطّاب، قال: {حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر، وإنّما يخفّ الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا}. أورده بعد حديث رسول الله (: {الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت}.
[32] لعلّه قاعدة فقهيّة وليس حديثا.. أوردها الأخضريّ في مختصره، والزرقاني في شرح الموطّأ، قال: يجب على كلّ أحد أن لا يفعل شيئا حتّى يعلم حكم الله فيه.
[33] قوله: يمنّ علينا لك... كذا في الأصل، ولعلّه لفنائه، حيث لم ير نفسه شيئا، وإنّما هو واسطة يصل بها الفضل من الله إلى خلقه ويمنّ لهم بها عليه. والله أعلم.
[34] رواه الإمام مالك والترمذيّ.
[35] في الأصل تصدى ويصدى، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
[36] رواه البيهقي بلفظ: {إنّ للقلوب صدأ كصدأ النحاس، وجلاؤها الاستغفار}.
[37] رواه النسائيّ وابن حبّان والحاكم، كلّهم من طريق درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّ (، ورواه يوسف الكوراني وغيره بسند صحيح ـ قاله الخالديّ ـ عن الإمام عليّ كرّم الله وجهه. وبهذه الصيغة وصيّة نوح لابنه وغيره من رواية النسائي والحاكم عن رجل من الأنصار، كلّها في «الترغيب والترهيب» للمنذري، إلاّ رواية الكورانيّ.
[38] نسب القشيريّ والكمشخانويّ هذه الحكمة لأبي عليّ الدقّاق، قال: الذكر منشور الولاية، فمن وفّق للذكر فقد أوتي المنشور، ومن سلب الذكر فقد عزل.
[39] نسب القشيريّ هذه الحكمة للنوريّ قال: لكلّ شيء عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن الذكر، ونسبها الكمشخانويّ لذي النون المصريّ، قال: عقوبة العارف انقطاعه عن الذكر. ونسبها الشعرانيّ لكليهما، وعند ذي النون بلفظ: لكلّ شيء علامة، وعلامة طرد العارف عن حضرة الله تعالى انقطاعه عن ذكر الله عزّ وجلّ.
[40] أي: الانقطاع عن الذكر مطلقا.
[41] أي: الذكر باللّسان دون القلب.
[42] أي: الذكر بالجوارح مع اعتقاد أنّ القوّة من الذاكر لا من الحق سبحانه.
[43] المراقبة: هي استدامة علم العبد باطّلاع الربّ عليه في جميع الأحوال.
[44] كذا في الأصل، ولعلّ الصواب: الأطوار المذمومة، إن لم تكن المذمومة كناية عن الدنيا، والطور: الهيئة والحال، والناس أطوار، أصناف وحالات، ويقال: طور بعد طور، أي فترة بعد فترة.
[45] الإدراكات: جمع إدراك، وهو إحاطة الشيء بكماله، وحصول الصورة عند النفس، وتمثيل حقيقة الشيء وحده من غير حكم عليه بنفي أو إثبات.
[46] الخواطر: جمع خاطر، وهو ما يرد على القلب والضمير من الخطاب ربّانيّا كان أو ملكيّا أو نفسيّا أو شيطانيّا، من غير إقامة، وقد يكون كلّ وارد لا تعمّل للعبد فيه.
[47] الواردات: جمع وارد، وهو ما يرد على القلوب من الخواطر من غير تعمّد.
[48] في الأصل: هاجر. والتصويب عن «التعريفات للجرجانيّ».
[49] هذه الاصطلاحات الواردة هنا، شرحها موافق «لتعريفات» السيّد الشريف و«اصطلاحات» ابن عربيّ
[50] في الأصل: الهوا. ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
[51] اخترام: من خرم، خرق واخترق.
[52] الاستدلال: من الدلّ، وهو التوجيه والارشاد، ومنه: الدالّ على الخير كفاعله، والاستدلال، هو تقرير الدليل لإثبات المدلول.
[53] الحال: هو ما يرد على القلب من غير تعمّد ولا اجتلاب، ومن شرطه أن يزول، ويعقبه المثل بعد المثل إلى أن يصفو، وقد لا يعقبه المثل، وقيل الحال تغيّر الأوصاف على العبد. والأحوال مواهب والمقامات مكاسب، والأحوال تأتي من عين الجود، والمقامات تحصل ببذل المجهود، هذا التعريف الاصطلاحيّ، والمراد هنا والله أعلم الشيوخ الذين وصفهم السكندريّ في «الحكم» بقوله (لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلّك على الله مقاله)، أيّ أنّ تربيته لمريده تكون بالفعل لا بالقول فقط.
[54] الشواغل: جمع شاغل، وهو ما ألهى.
[55] إشارة إلى قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف...} [الحجّ: 11].
[56] رواه البخاري ومسلم بلفظ: {إنّا لا نولي على هذا العمل من سأله}.
[57] نسب القشيريّ الأبيات الآتية، في باب الهيبة والأنس لأبي سعيد الخرّاز، في حكاية، بلفظ: أيا من يرى الأسباب أعلى وجوده ~ ويفرح بالتيه الدنيّ وبالأنس ~ فلو كنت من أهل الوجود حقيقة ~ لغبت عن الأكوان والعرش والكرسيّ ~ وكنت بلا حال مع الله واقفا ~ تصان عن التذكار للجنّ والإنس.
[58] أهل الوجود: هم الذين فقدوا أوصاف البشريّة بوجود الحقّ، لأنّه لا بقاء للبشريّة عند ظهور سلطان الحقيقة، قيل: وجودي أن أغيب عن الوجود ~ بما يبدو عليّ من الشهود.
[59] الدنيّ: من الدناءة، الذلّة والخسّة. والأمنيّ: من الأمنية، الرغبة، قيل: إنّ الأماني والأحلام تضليل.
[60] غبت: من الغيبة، وهي غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق لشغل الحسّ بما ورد عليه.
[61] الأكوان: جمع كون، وهو كلّ أمر وجوديّ، وهو عبارة عن وجود العالم من حيث هو عالم، لا من حيث أنّه حقّ.
[62] العرش: هو الجسم المحيط بجميع الأجسام، وهو مستوى الأسماء المقيّدة.
[63] الكرسيّ: هو موضع الأمر والنهي.
[64] الخليّ: مفرد أخلياء، وهو الفارغ.
[65] الرمز: الإشارة والإيماء، والحسيّ: نسبة إلى الحسّ الناتج من عمل الحواسّ الخمس، وهو كناية عن الأشباح التي لا وجود في الحقيقة لها، ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل. ولعلّها الحس.
[66] الخلوة: محادثة السرّ مع الحقّ، حيث لا مَلك ولا أحد سواه.
[67] هذه الكلمة ظهر بعضها فقط في المخطوط، وهي الراجحة لهذا الموضع، والعشق درجة عالية من الحبّ.
[68] الشاهد: الذي يرى الأشياء بدلائل التوحيد، ويرى الحقّ في الأشياء.
[69] التجريد: إماطة السوى والكون عن القلب والسرّ، إذا لا حجاب سوى الصور الكونيّة.
[70] في الأصل: السوا. ولعلّ الصواب ما أثبتناه، والسوى تحتمل عدّة معان، منها العدل والمثل والوسط، والغير، وهي هنا بمعنى الغير.
[71] رمق يرمق: أبصر يبصر.
[72] الوجاهة: من الوجه، يقال وجوه البلد، ورجل وجيه.
[73] في الأصل: إنّ الرجلان ليصليان في الصلاة الواحدة... ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
[74] رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، ولفظه: {إنّ القوم ليكونون في الصلاة الواحدة، وإنّ بينهم كما بين السماء والأرض}.
[75] القياس: في اللغة عبارة عن التقدير، يقال قست النعل بالنعل، إذا قدّرته، وهو عبارة عن ردّ الشيء إلى نظيره، وفي الشريعة، عبارة عن المعنى المستنبط من النصّ لتعدية الحكم من المنصوص عليه إلى غيره، وهو الجمع بين الأصل والفرع في الحكم.
[76] هذا رأي الإمام عليّ وأبي عبيدة عليهما رضوان الله. قاله القرطبيّ.
[77] الكلمة غير واضحة في الأصل، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
[78] راجع تخريج هذا الحديث في الفصل الثاني.
[79] راجع تخريج هذا الحديث في الفصل الثاني.
[80] التسليم: هو الانقياد لأمر الله تعالى، وترك الاعتراض فيما لا يلائم.
[81] أي من غير طلب الدليل من الشيخ المربّي والمرشد على ما فعل أو ما أمر به أتباعه، والحقيقة أنّ هذه العقيدة ممّا ينكره الكثير على السادة الصوفيّة، بحجّة أنّ الصحابة عليهم رضوان الله كانوا يسألون الرسول (، وأنّ سيّدنا إبراهيم ( سأل ربّه، وغير ذلك ممّا يستندون إليه في ردّ هذه القاعدة التي تعتبر من أهم قواعد التربية لدى الصوفيّة. ودليلهم ـ أي الصوفيّة ـ على ذلك الآية الآتية في المتن، وهي كافية دون شكّ. ثمّ لنا أن نبسّط لمن تعذّر عليه بالمثال وبه يتّضح إن شاء الله المقال، فالمؤسسات العسكريّة ـ وهي أكثر المؤسسات تنظيما ـ في كلّ نظم العالم تعتمد على الضبط والانقياد التام لأوامر ذوي الرتب العالية، وليس من حقّ الجنديّ، أو مجموعة الجنود، أن يسألوا قائدهم عن علّة أمره لهم بسدّ ذلك الثغر مثلا في مكان معيّن، وفي وقت معيّن، إذ هو أدرى منهم بما لديه من خبرة ووسائل ماديّة بالمصلحة العامّة، وربّما الخاصة أيضا، التي اقتضت أمره الذي أطلقه. وكما أنّ العسكر لهم أعداء يدافعونهم عن أنفسهم وعن جيوشهم وعن أوطانهم، فلشيوخ التربية أيضا خبرة ووسائل يستشعرون بها مكامن أعدائهم من شياطين الإنس والجنّ، فيدافعونهم عن أنفسهم وعن أتباعهم بما يأمرون. ثمّ إنّ هذا الأسلوب الذي اتّخذوه من استبعاد المساءلة والمجادلة، إنّما كان منطلقه في زمن عمّ فيه الجهل والتعالم، فكان ذلك منهم، من باب ترك المجادلة والحفاظ على الوقت، إذ القاعدة لديهم أنّ (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)، و(نفسك إن لم تشغلها بالحقّ شغلتك بالباطل)، ومعلوم أنّ المجادلة تؤدّي في الغالب إلى ضياع الوقت وربّما إلى باطل، فوق أنّها منشأة للخصومة والمراء وغير ذلك. ثمّ إنّ شيوخ التربية المرشدين العلماء الربّانيّين المقتفين لأثر رسول الله ( لا يأمرون إلاّ بما كان مستطاعا في حدود الشريعة الإسلاميّة، ومن ادّعى غير ذلك إمّا أن يكون مبطلا، وإمّا أن يكون متحدّثا عن من لا ينتمي إلى هذه الطائفة الخيّرة. والله أعلم.
[82] التصوّف: هو الوقوف مع الآداب الشرعيّة ظاهرا وباطنا، وهي الأخلاق الإلهيّة. ابن عربي.
[83] علم الظاهر: عبارة عند أهل التحقيق عن أعيان الممكنات. الجرجانيّ.
[84] يشير إلى الآيات الكريمة من 60 إلى 82 من سورة الكهف.
[85] رواه البخاريّ ومسلم والنسائيّ وابن ماجة وابن حنبل.
[86] هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة النيسابوريّ القشيريّ: 376­465هـ/ 986­1072م، من كبار الصوفيّة، ترك عدّة تآليف منها: «الرسالة القشيريّة»، و«لطائف الإشارات والتيسير» في التفسير، وغيرها.
[87] هو أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور التميميّ البلخيّ، توفي سنة 161هـ/778م، من كبار الصوفيّة، يلقّب بالسلطان.
[88] الراجح أنّه ليس لإبراهيم بن أدهم، لأنّه سبق الجنيد، وربّما يكون إبراهيم بن شيبان أو إبراهيم الخوّاص، والأرجح أنّه إبراهيم بن داود الرقيّ، لأنّه عمّر طويلا وصحب أكثر المشايخ، ولم نجد غير هذا في تراجمهم في «الرسالة القشيريّة». وما وجدناه فيها، منسوب إلى الفتح الموصليّ بعبارة مشابهة.
[89] هو أبو القاسم الجنيد بن محمّد بن الجنيد القواريريّ البغداديّ، توفي سنة: 297هـ/910م. من كبار الصوفية ويلقّب بسيّد الطائفة.
[90] من كلام الحارث بن أسد المحاسبيّ، رواه الإمام النوويّ في الإخلاص من كتاب «الأذكار».
[91] قال الجنيد: الإخلاص ما أريد به الله من أيّ عمل كان، رواه الكلاباذيّ.
[92] وأولياه، جريا مع السجع، والمراد: وأوليائه، جمع وليّ، قال تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، وجاء في الحديث القدسيّ عن أبي هريرة قال قال رسول الله (: {إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ} انفرد به البخاريّ. وعن معاذ ابن جبل قال قال رسول الله ( : {إِنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ، وَإِنَّ مَنْ عَادَى لِلَّهِ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الأَبْرَارَ الأَتْقِيَاءَ الأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ} انفرد به ابن ماجة.
[93] وافق الفراغ من وضع التعليق على هذه المقدّمة الوثيقة فاتح ربيع الأنور من عام 1422 للهجرة، وكتبه محمّد فؤاد بن الخليل القاسميّ الحسنيّ. مصليّا ومسلّما على النبيّ وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
---------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق