بسم الله الرحمن الرحيم
آداب المريدين
المؤلّف: عبد القاهر بن عبد الله بن محمّد ضياء الدين أبو النجيب البكريّ الصديقيّ السهرورديّ: 490563هـ/10971168م. وصف المخطوط:
تاريخ النسخ: 1 شعبان 1274هـ بالمدينة المنوّرة. الخط: مغربي. المداد: أسود وأحمر. الأوراق: 40. الأسطر: 23 كلمات: 7. الورق: 7×1c. المقاس: 220/170. الـنّص: 145/8. تجليد مستحدث. رقم: 21/4ن[1]. ورد اسم المؤلّف في أوّل المخطوط كما يلي : ضياء الدين أبو النجيب عبد القادر بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي بكر الصديق رضوان الله عليهم الهروزري[2].
آداب المريدين
للشيخ الإمام العلاّمة المرشد إمام الطريقة والحقيقة ضياء الدين شيخ الإسلام إمام العارفين أبي النجيب عبد القادر بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي بكر الصدّيق رضوان الله عليهم أجمعين الشهير بالهروزريّ، نفعنا الله تعالى به آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على خاتم النبيين وآله أجمعين.
اعلم أرشدك الله، أنّ كلّ طالب لشيء لابدّ له من أن يعلم ماهيته، وحقيقته، حتّى تتكامل له الرغبة فيه، ولا يصحّ لأحد أن يسلك طريق الصوفيّة حتّى يعرف عقائدهم وآدابهم في ظاهرهم وباطنهم، ويفهم إطلاقاتهم في محاوراتهم ومجاوراتهم، ويعلم اصطلاحاتهم في كلماتهم، حتّى يصحّ له أن يحذو حذوهم ويقفو أثرهم في أفعالهم وأقوالهم، فإنّه من كثرة المدّعين جهل حال المحقّقين[3] وفساد الفاسدين، أيّهم يعود ولا يقدح في صلاح الصالحين. [عقيدة الصوفيّة] اقتداء أوّلا بذكر مذهبهم في أصل الاعتقاد. أجمعوا على أنّ الله تعالى واحد، لا شريك له ولا ضدّ له، ولا شبيه له ولا ندّ له، ولا مثل له، موصوف بما وصف به نفسه، مسمّى بما سمّى به نفسه، ليس بجسم، فإنّ الجسم ما كان مؤلّفا، والمؤلّف محتاج إلى مؤلّف، ولا بجوهر، فإنّ الجوهر ما كان متحيّزا، والربّ سبحانه ليس بمتحيّز، بل هو خالق كلّ متحيّز وحيّز، ولا هو بعرض، فإنّ العرض لا يبقى زمانين، والربّ سبحانه وتعالى واجب البقاء، لا اجتماع له ولا افتراق ولا إبعاض له، ولا يزعجه ذكر ولا يلحقه[4] فكر، ولا تفهمه العبارات، ولا تعيّنه الإشارات، ولا تحيط به الأفكار، ولا تدركه الأبصار، كلّ ما تصوّر في الفهم أو حواه الفهم فالله سبحانه بخلافه، فإن قلت متى، فقد سبق الوقت كونه، وإن قلت كيف، فقد احتجب عن الوصف ذاته، وإن قلت: أين، فقد تقدّم على المكان وجوده. علّة كلّ شيء صنعه، ولا علّة لصنعه، ليس لذاته تكييف، ولا لفعله تكليف، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، ليس[5] ذاته كالذوات، ولا صفاته كالصفات، وليس معنى العلم في وصفه نفي الجهل، ولا القدرة نفي العجز. أجمعوا على إثبات ما ذكره الله تعالى في كتابه، وما صحّ عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه [1ظ] وسلّم في أخباره عن ذكر الوجه واليد والنفس والسمع والبصر، من غير تمثيل ولا تعطيل، كما قال عزّ اسمه: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: 11]??. سئل بعضهم عن الله، فقال: "إن سألت عن ذاته فليس كمثله شيء، وإن سألت عن صفاته فهو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، وإن سألت عن اسمه فهو الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، وإن سألت عن فعله فكلّ يوم في شأن?. وقولهم في الاستواء ما قاله مالك بن أنس: "الاستواء معلوم، وكيفيّته غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"?. وكذلك مذهبهم في النزول. وأجمعوا على أنّ القرآن كلام الله، وأنّه غير مخلوق، مكتوب في مصاحفنا، متلوّ بألسنتنا، محفوظ في صدورنا، من غير تعرّض للكتابة ولا للتلاوة، لأنّ السنّة لم ترد بذلك. وأجمعوا على جواز رؤية الله تعالى في الجنّة بالأبصار، وإنّما نفى الله تعالى الإدراك بالأبصار، لأنّ ذلك يوجب كيفيّة وإحاطة، وليس كذلك الرؤية، والنبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم شبّه النظر بالنظر لا المنظور إليه بالمنظور إليه، في قوله: (إنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته?). وأجمعوا على أنّ الإقرار والإيمان واجب يجمله ما ذكر الله في كتابه، وما جاءت به الروايات عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، من الجنّة والنار واللّوح والقلم والحوض والصراط والشفاعة والميزان والصور وعذاب القبر وسؤال منكر ونكير وإخراج قوم من النّار بشفاعة الشافعين. والبعث بعد الموت واجب، وأنّ الجنّة والنّار خلقتا للبقاء لا للفناء، وأنّ أهلهما فيهما مخلّدون، ومنعّمون ومعذّبون، غير أهل الكبائر من المؤمنين فإنّهم في النار لا يخلدون. وأجمعوا على أنّ الله تعالى خالق لأفعال عباده، كما أنّه خالق لأعيانهم، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ [2و] خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}??[الصافّات: 96] .وأنّ الخلق كلّهم يموتون بآجالهم، وأنّ الشرك بالله تعالى والمعاصي كلّها بقضاء الله وقدره، من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجّة، بل {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}?[الأنعام: 149]?، {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ?} ?[الزمر: 7]، والمعاصي والرضا غير الإرادة. ويرون الصلاة خلف كلّ برّ وفاجر، ولا يشهدون لأحد من أهل القبلة بالجنّة لخير أتى به، ولا يشهدون عليه بالنار لكبيرة أتى بها. ويرون أنّ الخلافة لقريش، ليس لأحد منازعتهم فيها. ولا يرون الخروج على الولاّت وإن كانوا ظلمة. ويؤمنون بالكتب المنزّلة وبالأنبياء والمرسلين، وأنّهم أفضل من البشر، وأنّ محمّد صلّى الله تعالى عليه وسلّم أفضلهم، وأنّ الله تعالى ختم به الأنبياء صلّى الله تعالى عليه وعليهم أجمعين. وأنّ أفضل البشر من بعده صلّى الله تعالى عليه وسلّم أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليّ بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم أجمعين ثمّ تمام العشرة، ثمّ الذين شهد لهم رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، بالجنّة، ثمّ القرن الذي بعث فيهم الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلّم، ثمّ العلماء العاملون، ثمّ أنفعهم للنّاس. وأجمعوا على تفضيل الرسل على الملائكة، واختلفوا في تفضيل الملائكة على المؤمنين. وأجمعوا على أنّ طلب الحلال فريضة، وأنّ الأرض لا تخلو من الحلال، لأنّ الله سبحانه طالب العباد بالحلال، ولم يطالبهم إلا بما يمكن، إلاّ أنّه يكثر في موضع ويقلّ في موضع، فمن كان ظاهره جميلا فلا يتّهم في ماله وكسبه. وأجمعوا على أنّ كمال الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، فمن ترك الإقرار فهو كافر، ومن ترك التصديق فهو منافق، ومن ترك الأعمال فهو فاسق، ومن ترك الاتّباع فهو مبتدع. وأنّ النّاس يتافضلون في الإيمان، وأنّ المعرفة بالقلب لا تنفع ما لم تكن بكلمتيّ الشهادة [2ظ] إلاّ أن يكون له عذر ثبت بالشرع، ويرون أنّ الاستثناء في الإيمان من غير شكّ، بل على سبيل التأكيد والمبالغة، لأنّ الأمر مغيّب. سئل الحسن البصريّ: أمؤمن أنت حقا ؟ فقال: "إن أردت ما تحقن به دمي، وتحلّ به ذبيحتي ومناكحتي، فأنا مؤمن حقا، وإن أردت ما أدخل به الجنان وأنجو به من النيران ويرضى به منّي الرحمن، فأنا مؤمن إن شاء الله"?. آمين. وقد استثنى الله تعالى في قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ?} [الفتح: 27]?. ولم يكن هناك شك. وسئل بعضهم عن هذا الاستثناء من الله تعالى، [فقال]: "أراد بذلك تأديبا[6] لعباده، وتنبيـها لهم على أنّ الحقّ إذا استثنى مع كمال علمه، فلا يجوز لأحد الحكم من غير استثناء لقصور علمه"?، ولذلك قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم في أهل المقابر: (وإنّا إن شاء الله عن قريب لا حقون)، ولم يكن شاكّا في الموت واللّحوق بهم. و?أجمعوا على إباحة الكسب والتجارات والصناعات على سبيل التعاون على البرّ والتقوى، من غير أن يرى ذلك سببا لاستجلاب الرزق. وأنّ السؤال آخر كسب المرء، ولا تحلّ المسألة لغنيّ، ولا لذي مروءة[7] سوى. فصل [الفقر والغنى] أجمعوا على أنّ الفقر أفضل من الغنى إذا كان مقرونا بالرضى، ولذلك اختاره رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، وأشار إليه جبريل عليه السلام بذلك حين عرضت عليه مفاتيح خزائن الأرض على أنّه لا ينقص له ممّا عند الله جناح بعوضة، فأشار إليه جبريل أن تواضع، فقال: (أريد أن أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا جعت تضرّعت إليك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك وذكرتك)?، فهذا يحتج من يرد ما يعوض عليه من الدنيا، وقول النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: (اللهمّ احييني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين)?، فلو سأل الله تعالى أن يحشر المساكين في زمرته لكان لهم الفخر العميم والفضل العظيم، فكيف وقد سأله أن يحشره في زمرتهم، وأمره الله سبحانه [3و] وتعالى بالصبر معهم، فقال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}??[الكهف: 28] فإن احتجّ محتجّ بقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: (اليد العليا خير من اليد السفلى)? وقال اليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي السائلة، قيل اليد العليا تنال الفضيلة بإخراج ما فيها، واليد السفلى تنالها المنقصة لحصول الشيء فيها، ففي تفضيل السخاء والعطاء دليل على فضل الفقراء، لأنّه لو كان ملك الشيء محمودا لكان تركه بالعطاء وبذله مذموما، فمن فضّل الغنى بالإنفاق والعطاء على الفقراء، كان كمن فضّل المعصية على الطاعة بفضل التوبة، وإنّما فضل التوبة لترك المعصية المذمومة، كذلك فضل الإنفاق لإخراج المال الملهي عن الله عزّ وجلّ. فصل [الفقر والتصوّف] الفقر غير التصوّف، بل نهايته بدايته، وكذلك الزهد غير الفقر، وليس الفقر عندهم الفاقة والعدم فحسب، بل الفقر المحمود الثقة بالله والرضا بما قسم. فصل [الصوفيّة والملاماتيّة] الصوفيّة غير الملاماتيّة، والصوفيّ غير الملاماتيّ هو الذي لا يظهر خيرا ولا يضمر شرا، والصوفي هو الذي لا يشتغل بالخلق ولا يتلفت إلى قبولهم ولا إلى ردّهم. وأجمعوا على أنّ ترك الاشتغال بالمكاسب والطاعات والتفرّغ للطاعات أجلّ وأفضل لمن ترك الاهتمام بطلب الرزق واتّكل على مضمون الله، إلاّ أن يستوي عنده الخلوة والجلوة والمخالطة والعزلة، ويصير مشاهدا للقدرة في كل حال. وقال بعضهم لمريديه: "لا تكونوا بالرزق مهتمّين وبضمانه غير واثقين"?، وقيل لبعضهم: "من أين تأكل ؟ فقال: لو كان من أين لبقي?"، وقيل لآخر: "من أين تأكل ؟ فقال: سل من يطعمني من أين يطعمني"?. وأجمعوا على أنّ أعمال العبادات ليست بسبب للسعادة ولا للشقاوة، لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: (السعيد من سعد في بطن أمّه والشقيّ من شقي في بطن أمّه)?. وأنّ الثواب فضله والعقاب عدله، وأنّ الرضا [3ظ] والسخط نعتان قديمان لا يتغيّران بأفعال العباد، بل من رضي الله عنه استعمله بعمل أهل الجنّة، ومن سخط الله عليه استعمله بعمل أهل النار. ويرون الرضا بالقضاء والصبر على البلاء والشكر على النعماء واجبا على كلّ أحد، وأنّ الخوف والرجاء زمامان للعبد يمنعانه من سوء الأدب، وكلّ قلب خلا منهما فهو خراب. وأنّ الأمر والنهي وأحكام العبوديّة لازمة للعبد، ما دام عاقلا، غير أنّه إذا صفا قلبه مع الله سقط عنه كلفة التكاليف لا نفس وجوبها. وأجمعوا على أنّ البشريّة لا تزول عن أحد ولو تربّع في الهواء[8]، غير أنّها تضعف تارة وتقوى أخرى. والحريّة من رقّ النفوس جائزة في حقّ الصدّيقين. والصفات الذميمة تفنى من العارفين، وتخمد[9] في حقّ المريدين. وأنّ العبد ينتقل في الأحوال حتّى يبلغ إلى نعت الروحانيّة، فتطوى له الأرض ويمشي على الماء ويغيب عن الأبصار. وأنّ الحبّ في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان. وأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على من أمكنه بما أمكنه. وأجمعوا على إثبات الكرامات للأولياء، وجوّزوها في عصر النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم وفي غير عصره. ونبوءة الأنبياء لم تثبت بالمعجزة ولكن بإرسال الله تعالى إيّاهم، وإنّما تظهر للخلق ما كان عند الله ثابتا. والفرق بين المعجزة والكرامة أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم يجب عليه إظهار المعجزة والتحدّي بها، والوليّ يجب عليه أن يكتم الكرامة، إلاّ أن يظهرها الله عليه. وأنكروا المراء في الدين. وندبوا إلى الاشتغال بما لهم وعليهم. وأجمعوا على لبس سائر الأنواع من الثياب، إلاّ ما حرّمت الشريعة لبسه على الرجال، وما كان أكثره إبريسم. ويرون الاقتصار على الأدون من الثياب والخلقات، والمرقّعات أفضل، لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: (ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى)?، ولأنّها [4و] من الدنيا التي حلالها حساب وحرامها عقاب، ولقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: (من ترك ثوب جمال وهو قادر على لبسه ألبسه الله من حلل الكرامة يوم القيامة?)، ويختارون لبس المرقّعات، منها أنّها أقلّ مؤنة وأقل تخرّقا وأبقى على صاحبها وأقرب إلى التواضع وأصبر على الكدّ، وتدفع الحرّ والقرّ، ولا مطمع لأهل الشرّ فيها، وتمنع من الكبر والفساد. روي عن[10] عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت: (أمرني حبيبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم أن لا أطرح درعا حتّى أرفعه?)، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال في حديث ذكره: (رأيت النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم يرفع ثوبه، ورأيت أبا بكر يتخلّل بالعباء، ورأيت عمر يرفع جبّته برفاع?). وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: (كان أحبّ الألوان من الثياب إلى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم الخضر، وثياب أهل الجنّة الخضر?). وما روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: (خير ثيابكم البيض)?، فمعناه أجمل ثيابكم وأليقها بسائر النّاس إذا تجمّلوا بها البيض. وأجمعوا على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخلّ بالمعنى، لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: (زيّنوا القرآن بأصواتكم? [زيّنوا أو حسّنوا أصواتكم بالقرآن]). ولقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: (إنّ لكلّ شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن). ويكرهون القرآن بالألحان المقطّعة. أمّا القصائد والأشعار، فقد سئل النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن الشعر فقال: (هو كلام، فحسنه حسن وقبيحه قبيح)?، فالحسن منه ما كان من المواعظ والحكم وذكر آلاء الله تعالى ونعمائه ونعت الصالحين وصفة المتّقين، فما كان من ذكر الأطلال والمنازل والأزمان والأمم فسماعه مباح، وما كان من هجو وسخف فسماعه حرام، وما كان من وصف [4ظ] الخدود والقدود والنهود والشعور وما يوافق الطباع والنفوس فمكروه، إلاّ لعالم ربّانيّ يميز بين الطبع والشهوة والإلهام والوسوسة، فإنّه قد أمات نفسه بالرياضات والمجاهدات، وخمدت بشريّته وفنيت حظوظه وبقيت حقوقه، فهو كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]?? وعلامة من هذه صفته أن يستوي عنده المدح والقدح والعطاء والمنع والجفاء والوفاء. سئل بعض المشائخ عن السماع فقال: "هو مستحبّ لأهل الحقائق مباح لأهل النسك والورع، مكروه لأصحاب النفوس والحظوظ"?. وسئل الجنيد عنه فقال: "كلّما يجمع بين يديّ الله فهو مباح"?، وأمّا سماع الصوت الحسن والنغمة الطيّبة، فهو غطاء الروح، وهو مباح، لأنّ الصوت الطيّب في ذاته محمود، وقيل في تفسير قوله [تعالى]: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1] إنّه الصوت الطيّب. وقال بعضهم: "إنّ الصوت الطيّب لا يدخل في القلب شيئا، ولكن يحرّك ما في القلب". ثمّ إنّ أهل السماع في سماعهم على طبقات متفاوتون، فمنهم من يغلب عليه في حال سماعه الخوف أوالحزن أو الشوق، فيؤدّيه ذلك إلى البكاء والأنين والشهقة وتمزيق الثياب والغيبة والاضطراب، ومنهم من يغلب عليه الرجاء والفرح والاستبشار فيؤديه ذلك إلى الطرب والرقص والتصفيق، كما روي: "أنّ داود عليه الصلاة والسلام استقبل السكينة بالرقص فأنكرت عليه زوجته فقالت أترقص بمقابلة العدوّ، فقال لها أنت طالق، أتحكمين على قلبي لمّا رأى آية ربّه"?، وروي عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنّه قال: (أتينا النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنا وجعفر وزيد، فقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، فخجل فرحا من قوله. وقال لزيد: أنت أخونا [5و] ومولانا، فخجل، وقال لي: أنت منّي وأنا منك، فخجلت). قال أبو عبيد: الخجل أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى، وقد يكون ذلك بالرجلين جميعا، إلاّ أنّه قفز وليس مشي[11]. وقد يحدث للمستمع في خلال سماعه شوق إلى ما يذكر فيثب عن مكانه فعل من يريد الذهاب إلى محبوبه، فإذا علم أنّه لا سبيل إليه كرّر الوثوب مرارا ويدور دورات متتابعة، وقد يكون ذلك عن تردّد يظهر في خلال السماع بين الروح والجسد، وذلك لأنّ الروح روحانيّ علويّ، خلق من الفرح، والجسد سفليّ خلق من التراب، فالروح تعلو إلى عالمها فوق، والجسد ينزل إلى محلّه إلى أن يقع السكون. وقد يكون ذلك منهم على سبيل الفرح والتفسّح والتطايب في حال السماع، وليس بمحظور، إلاّ أنّه ليس من صفات المحقّقين. وحكي عن أبي عبد الله أحمد بن عطاء الروذباريّ[12] أنّه قال: "سرّ الصادق ثلاثة: العلم بالله والوفاء بما هو عليه وجمع الهمّة"?. والمكان الذي يسمع فيه يحتاج إلى طيب الروائح وحضور الوقار وعدم الأضداد ورؤية من يتلهّى ومن يبتسم، ويسمع على ثلاثة معان: على المحبّة والخوف والرجاء، والحركة في السماع على ثلاثة أنواع: الطرب والخوف والفرح، فالطرب له ثلاث علامات: الرقص والتصفيق والفرح. والوجد له ثلاث علامات: الغيبة والاصطلام والصرخات. والخوف له ثلاث علامات: البكاء والأنين والزفرات. فصل [فروع الدين] وأمّا فروع الدين أحكامها، فقد أجمعوا على وجوب تعلّم ما لا يسع جهله من أحكام الشريعة، وما يحلّ منها ويحرم، ليكون العمل موافقا للعلم، فقد قيل: "إذا تجرّد العلم من العمل كان عقيما، وإذا خلا العمل من العلم كان سقيما?، قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة?. [5ظ] واختاروا من المذاهب مذهب فقهاء أصحاب الحديث، ولا ينكرون الاختلاف بين العلماء في الفروع لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "اختلاف العلماء رحمة?. وسئل بعضهم عن العلماء الذين اختلافهم رحمة من هم ؟ فقال: "هم المعتصمون بكتاب الله تعالى، المجاهدون في متابعة رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، المقتدون بالصحابة?، وهم ثلاثة أصناف: أصحاب الحديث والفقهاء وعلماء الصوفيّة. فأمّا أصحاب الحديث فإنّهم تعلّقوا بظاهر حديث رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، وأساس الدين، لأنّ الله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشرك 7]?. واشتغلوا بسماعه ونقله وتدبّره وتدرسه [تدريسه] وتميز [تمييز] صحيحه من سقيمه، وهم حرّاس الدين. وأمّا الفقهاء فإنّهم فضّلوا على أصحاب الحديث بعد قبول علمهم بما خصّوا به من الفهم والاستنباط في فقه الحديث، والتعمّق بدقيق النظر في ترتيب الأحكام وحدود الدين، والتمييز بين الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيّد والمجمل والمفسّر والخاصّ والعام والمعيّن والمحكم والمتشابه، فهم حكّام الدين وأعلامه. وأمّا العلماء الصوفيّة فإنّهم اتّفقوا مع الطائفتين في معانيهم ورسومهم إذا كان مجانبا لاتّباع الهوى ومنوطا بالاقتداء، فمن لم يحط من الصوفيّة علما بما أحاطوا به يرجعون إليه في أحكام الشرع وحدود الدين، فإذا أجمعوا فهم على إجماعهم، وإن اختلفوا أخذوا [أخذ] الصوفيّة بالأحسن والأولى. وليس مذهبهم طلب التأويلات وركوب الشهوات. ثمّ إنّهم خصّوا بعد ذلك بعلوم عالية وأحوال شريفة، وتكلّموا في علوم الم "عاملات وعيوب الحركات والسكنات وشريف المقامات، وذلك مثل التوبة والزهد والورع والصبر والرضى والتوكّل والمحبّة والخوف [6و] والرجاء والمشاهدة والصمأنينة [الطمأنينة] واليقين والقناعة والصدق والإخلاص والشكر والذكر والفكر والمراقبة والاعتبار والوجل والتعظيم والإجلال والندم والحياء والجمع والتفرقة والفناء والبقاء ومعرفة النفس ومجاهدتها ورياضتها ودقائها مثل دقائق الرياء والشهوة الخفيّة والشرك الخفيّ، وكيفيّة الإخلاص [الخلاص] منها، ولهم أيضا علوم مستنبطات في علوم مشكلة على الفقهاء، وذلك مثل العوارض والعوائق وحقائق الأذكار والتجريد في التوحيد ومنازل التفريد وجنايات السرّ وتلاشي الحديث إذا قوبل بالقديم، وعبور الأحوال وجمع المتفرّقات، والإعراض عن الأغراض بترك الاعتراض، وهم مخصوصون بالوقوف على المشكل من ذلك بالمنازلة والمباشرة والهجوم ببذل المهج حتّى طالبوا من المدّعي حالا منها بدلائلها وتكلّموا في صحيحها وسقيمها، فهم حماة الدين وأنصاره وأعوانه. ثمّ إنّ كلّ من أشكل عليه علم من العلوم الثلاثة فعليه أن يرجع فيه إلى أئمّته، فمن أشكل عليه شيء من علوم الحديث ومعرفة الرجال يرجع فيه إلى أئمّة الحديث لا إلى الفقهاء. ومن أشكل عليه شيء من دقائق الفقه يرجع فيه إلى أئمّة الفقه [هـ/ إلى الفقهاء]. ومن أشكل عليه شيء من علوم الأحوال والرياضات ودقائق الورع ومقامات المتوكّلين يرجع فيه إلى أئمّة الصوفيّة، لا إلى غيرهم، فمن فعل غير ذلك فقد أخطأ. [ أقوالهم في التصوّف وآدابه ] فصل في ذكر أقاويلهم في التصوّف وآدابه، اختلف [اختلفت] أجوبة المشائخ في التصوّف لاختلاف الأحوال، وكلّ أجاب على حسب حاله، أو على قدر ما يتحمّل مقام السائل. فإن كان مريدا أجيب على ظاهر المذهب من حيث المعاملات. وإن كان متوسّطا أجيب من حيث الأحوال. وإن كان عارفا أجيب من حيث الحقيقة. وأظهرهم ما قاله بعضهم: "إنّ أوّل [6ظ] التصوّف علم، وأوسطه عمل، وآخره موهبة? فالعلم يكشف عن المراد، والعمل يعين الطالب على الطلب، والموهبة تبلّغ غاية الأمل. وأهله على ثلاث طبقات: مريد طالب، ومتوسّط سائر، ومنتهي [منته] واصل. فالمريد صاحب وقت، والمتوسّط صاحب حال، والمنتهي صاحب نفَس. وأفضل الأشياء عندهم عدّ الأنفاس، فالمريد متعوب في طلب المراد. و قالمتوسّط مطالب بآداب المنازل، وهو صاحب تلوين، لأنّه يرتقي من حال إلى حال وهو في الزيادة. والمنتهي الواصل محمول، فقد جاوز المقامات وهو في محلّ التمكين، لا تغيّره الأحوال ولا تؤثّر فيه الأهوال، كما قيل أنّ زليخا لمّا كانت صاحبة تمكين في شأن يوسف لم تؤثّر فيها رؤية يوسف كما أثّرت في اللّواتي قطّعن أيديهنّ، وإن كانت أتمّ في حبّه منهنّ. فمقام المريد المكابدات والمجاهدات وتجرّع المرارات ومجانبة الحظوظ وما للنفس فيه منفعة. ومقام المتوسّط فيه ركوب الأهوال في طلب المراد، ومراعاة الصدق في الأحوال، واستعمال الأدب في المقامات. ومقام المنتهي الصحو والتمكين، وإجابة الحق من حيث دعاه، قد استوى في حالة الشدّة والرخاء والمنع والعطاء والجفاء والوفاء، أكله كجوعه ونومه كسهره، قد فنيت حظوظه، ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحق. وكلّ ذلك منقول من أحوال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم وأصحابه، أوّله كان يتخلّى في غار حراء، ثمّ صار مع الخلق ولا فرق عنده بين الخلوة والجلوة، وكذلك أصحاب الصفّة صاروا في حالة تمكين، أمراء ووزراء، فإنّ المخالطة لا تؤثّر فيهم. [ بيان أحكام المذاهب ] فصل في بيان أحكام المذاهب، ثم سّ إنّ للمذهب ظاهرا وباطنا، فظاهره استعمال الأدب مع [7و] الخلق، وباطنة منازلة الأحوال، وفي المقامات مع الحقّ، ألا ترى أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم لمّا نظر إلى المصلّي يعبث في صلاته، قال: "لو خشع قلبه لخشعت جوارحه?، ولمّا قال الجنيد لأبي حفص الحدّاد رحمهما الله تعالى: "أدّبت أصحابك تأديب السلاطين، قال لا يا أبا القاسم، ولكن حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن?. وقال السريّ: "حسن الأدب ترجمان العقل?. ومراعاة الأدب فيما بينهم مقدّم على غيره، ألا ترى كيف مدح الله تعالى أهله وشرّف محلّهم بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3]?، وقال أبو عبد الله بن خفيف قال لي رويم: "اجعل يا بنيّ علمك ملحا وأدبك دقيقا?. وقيل: "التصوّف كلّه أدب، لكلّ حال أدب ولكلّ وقت أدب ولكلّ مقام أدب، فمن لزم الأدب بلغ مبلغ الرجال، ومن حرم الأدب فقد حرم جوامع الخيرات?. وقيل: "من لم يتأدّب للوقت فوقته مقت"?، وقيل: "أدب النفس أن تعرّفها الخير وتحثّها عليه، وتعرّفها الشرّ وتزجرها عنه"?، وقيل: "الأدب سنّة [هـ/ سرّ ] الفقراء وزيّ الأغنياء"?، وقيل: "النّاس في الأدب على ثلاث طبقات: أهل الدنيا وأهل الدين وأهل الخصوصيّة من أهل الدين، فأمّا أهل الدنيا فأكثر آدابهم فيها الفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم وأخبار الملوك وأشعار العرب، وأمّا أهل الدين فأكثر آدابهم مع العلوم، رياضة النفس وتأديب الجوارح وتهذيب الطباع وحفظ الحدود وترك الشهوات واجتناب الشبهات والمسارعات إلى الخيرات، وأمّا أهل الخصوصيّة من أهل الدين فآدابهم حفظ القلوب [7ظ] ومراعاة الأسرار واستواء السرّ والعلانيّة?. والمريدون يتفاضلون بالعلم، والمتوسّطون بالأدب، والعارفون بالهمّة. وقيل: "الهمّة ما يبعثك من نفسك على طلب المعالي، وقيمة كلّ امريء همّته?. سئل أبو بكر الواسطيّ عن مالك بن دينار وداود الطائي ومحمّد بن واسع، وأمثالهم من العبّاد رحمهم الله تعالى، فقال: "القوم ما خرجوا من نفوسهم إلاّ لنفوسهم، تركوا النعيم الفاني للنعيم الباقي، [فأين] خالق البقاء والفناء?. وسئل الجنيد عن قوله [تعالى]: {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]??، فقال: "يمنعهم علوّ همّتهم عن رفع حوائجهم إلاّ إلى مولاهم?. وقال الحصريّ في حكاية: "إذا زفرت جهنّم زفرة، قال كلّ يقول نفسي نفسي الأجلّ والأولى إلاّ محمّدا صلّى الله تعالى عليه وسلّم يرجع إلى حدّ الشفاعة فيقول أمّتي أمّتي، فلا يبقى نفس أحد بلا علّة، فيقول ربّي ربّي، ليعلم أنّ محلّ الحوادث لا يخلو عن العلل?. [ الأخلاق ] فصل في الأخلاق. وأجلّ خصالهم أخلاقهم، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلقه صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فقالت: "كان خلقه القرآن?. قال الله عزّ وجلّ: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]??. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ألا أخبركم بأحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة، قالوا بلى، قال أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "سوء الخلق شؤم وأشراركم أسوأكم أخلاقا?. وقال أبو بكر الكتّانيّ: "التصوّف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوّف?. فمن أخلاقهم التواضع والحلم والنصيحة والشفقة والاحتمال والموفقة [الموافقة] والإحسان والمداراة والإيثار والخدمة والألفة والبشاشة والكرم والفتوّة وبذل الجاه والمرءة [المروءة] والجود ءوالتؤدة [التوأدة] والتودّد والعفو [8و] والصفح والسخاء والوفاء والحياء والتلطّف والبشر والطلاق [الطلاقة] والسكينة والوقار والدعاء والثناء وحسن الظنّ وتصغير النفس وتوقير الإخوان وتبجيل المشائخ والترحّم على الصغير والكبير، واستصغار ما منه واستعظام ما إليه. وسئل سهل بن عبد الله التستريّ عن حسن الخلق، فقال: "أدناه الاحتمال وترك المكافاة والرحمة للظالم والدعاء له?. هذه أخلاق الصوفيّة، لا ما قاله المدّعون وارتكبه المتشبّهون، فإنّهم سمّوا الطمع زيارة، وسوء الأدب إخلاصا، واتّباع الهوى ابتلاء، والرجوع إلى الدنيا وصولا، وسوء الخلق صولة، والبخل نكاءة، وبذاءة اللسان ملامة، وما كان هذا طريق القوم، حكي عن أبي يزيد البسطاميّ أنّه قال لبعض أصحابه: قم بنا إلى هذا الذي قد شهر نفسه بالزهد، فقصداه فوجداه خارجا من داره إلى المسجد، فنظر أبو يزيد إليه وقد رمى بتخامته إلى جانب القبلة، فقال لصاحبه: هذا ليس بمأمون على أدب من آداب الشريعة، كيف يكون مأمونا على ما يدّعيه من مقام الأولياء، فرجع ولم يسلّم عليه. [ المقامات ] فصل. وأمّا المقامات فإنّها مقام العبد بين يدي الله، قال الله تعالى إخبارا عن الملائكة: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافّات: 164]?. وأوّلها الانتباه، وهو خروج العبد من [هـ/ عن] حدّ الغفلة. ثمّ التوبة، وهي الرجوع إلى الله تعالى من بعد الذهاب، مع دوام الندامة وكثرة الاستغفار. ثمّ الإنابة، وهي الرجوع من الغفلة إلى الذكر. وقيل: "التوبة الرهبة والإنابة الرغبة?. وقيل: "التوبة في الظاهر والإنابة في الباص [الباطن]، ثمّ الورع، وهو ترك ما يشتبه عليه. ثمّ محاسبة النفس، وهي تفقّد زياداتها من نقصانها وما لها وما عليها. ثمّ الإرادة، وهي استدامة الكدّ وترك الراحة. ثمّ الزهد وهو ترك الحلال من [8ظ] الدنيا والعزوف عنها وعن شهوتها. ثمّ الفقر، وهو عدم الإملاك وتخلية القلب عمّا خلت عنه اليد. ثمّ الصدق، وهو استواء السرّ والعلانيّة. ثمّ التصبّر، وهو حمل النفس على المكاره وتجرّع المرارات، وهو آخر مقامات المريدين. ثمّ الصبر وهو ترك الشكوى. ثمّ الرضى وهو الالتذاذ بالبلوى. ثمّ الإخلاص، وهو إخراج الخلق من معاملة الحقّ. ثمّ التوكّل على الله تعالى، وهو الاعتماد عليه بإزالة الطمع عمّا سواه. [ الأحوال ] فصل. وأمّا الأحوال فإنّها معاملات القلوب، وهو ما يحلّها ؤ من صفاء الأذكار [هـ/ يحلّ من صفاء الإدراك]. قال الجنيد، رحمه الله تعالى: "الحال نازلة تنزل في القلب ولا تدوم?، فمن ذلك: المراقبة، وهي النظر بصفاء اليقين إلى المغيّبات. ثمّ القرب، وهو جمع الهم [الهمّة] بين يدي الله تعالى بالغيبة عما سواه. ثمّ المحبّة، وهي موافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه. ثمّ الرجاء، وهو تصديق الحقّ بما وعد. ثمّ الخوف، وهو مطالعة القلب على الانبساط، وذلك لسطوات الله وهيبته ونقماته. ثمّ الحياء، وهو حصر القلب على الانبساط، وذلك لأنّ القرب تقتضي [يقتضي] هذه الأحوال. فمنهم من ينظر في حال قربه إلى عظمة الله تعالى وهيبته فيغلب عليه الخوف والحياء. ومنهم من ينظر إلى لطف الله تعالى وقديم إحسانه، فيغلب على قلبه المحبّة والرجاء. ثمّ الشوق، وهو هيجان القلب عند ذكر المحبوب. ثمّ الأنس، وهو السكون إلى الله تعالى والاستعانة به في جميع الأمور. ثمّ الطمأنينة، وهي السكون تحت مجاري الأقدار. ثمّ اليقين، وهو التصديق مع ارتفاع الشكّ. ثمّ المشاهدة، وهي فصل بين رؤية اليقين ورؤية العيان، لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "اعبد الله كأنّك تراه، فإن لم ؟تكن تراه فإنّه يراك?. وهي آخر الأحوال، ثمّ تكون فواتح ولوائح [9و] ومتائح تجفو عنها العبارات. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا??}. [النحل: 18] [اختلاف المسالك] فصل في ذكر اختلاف المسالك، المقصود واحد والمقاصد [المسالك] مختلفة لاختلاف حال القاصدين ومقامات السالكين. فمنهم من سلك طريق العبادة ولازم الماء والمحراب، واستعمل بكثرة الذكر والنوافل، وواضب على الأوراد، ومنهم من سلك طريق الرياضات والمكابدات ونهى [هـ/ قهر] النفس عن المخالفات. ومنهم من سلك طريق العزلة والخلوة طلبا للسلامة من المخالطة. ومنهم من سلك طريق السياحة والأسفار والاغتراب عن البلدان وخمول الذكر. ومنهم من سلك طريق الخدمة وبذل الجاه للإخوان وإدخال السرور عليهم. ومنهم من سلك طريق المجاهدات وركوب الأهوال ومباشرة الأحوال. ومنهم من سلك طريق إسقاط الجاه عند الخلق وقلّة الإلتفات إليهم وترك الاشتغال بخيرهم وشرّهم. ومنهم من سلك طريق العجز والانكسار، كما قال تبارك وتعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} الآية [التوبة: 102]. ومنهم من سلك طريق التعلّم والمساءلة ومجالسة العلماء وسماع الأخبار وحفظ ال حعلوم. وكلّ طريق يحتاج فيه إلى موقف ودليل يأخذ به فيه ليسلم من الحيرة والفتنة. وقيل لبعض المشائخ إنّ فلانا قد رجع، فقال: "ما أراه رجع إلاّ لوحشة الطريق ومن قلّة سائليها?. [فضل العلم] فصل في ذكر قولهم في فضل العلم، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}? [آل عمران: 18]. بدأ بنفسه، وثنّى بالملائكة، وثلّث بأهل العلم. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "العلماء ورثة الأنبياء?، وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم رجلا?. وقال: "الناس رجلان عالم ومتعلّم وسائرهم همج?. وقيل: "العلم [9ظ] روح والعمل جسد?. وقيل: "العلم أصل والعمل فرع?. وقد فضّل جمهور من مشائخنا العلم على المعرفة والعقل، لأنّ الله تعالى يوصف بالعلم، لأنّ العلم حاكم على العقل ولا حكم للعقل على العلم. وقيل: "العلم لا ينفع إلاّ بالعقل، وكذلك العقل لا ينفع إلاّ بالعلم?. وقيل لبعض الأدباء: متى يكون الأدب أضرّ، قال: إذا كان العقل أنقص. وقيل: "الأدب صورة عقلك، فحسّن عقلك كيف شئت?. ومن فضل العلم أنّ الهدهد مع قلّة خطره أجاب نبيّ الله سليمان عليه الصلاة والسلام، مع علوّ مرتبته، بصولة العلم وقوّته، في قوله تعالى حكاية عنه: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22]??، مع قلّة الاكتراث بتهديده ووعيده. [ آداب المجاورة ] فصل، وأمّا آدابهم في مجاوراتهم، فهو أن يقصد بكلامه النصح والإرشاد وطلب النجاة وما يعود نفعه على الكلّ، ولا يكلّم النّاس إلاّ على قدر فهومهم [هـ/ عقولهم]، قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم?، ولا نتكلّم [يتكلّم] في مسألة لا نسأل [يسأل] عنها، فإذا سئل أجاب على قدر حال السائل. فقد حكي عن الجنيد أنّه قيل له يسألك إنسان فتجيب بجواب، ثمّ يسألك آخر فتجيبه بجواب آخر، فقال: "على مقدار السائل يكون الجواب?. وإذا سأل لا يسأل إلاّ عن مقامه، ولا يتكلّف ما لا يبلغه، ولا يتكلّم فيما لا يبلغ استعماله، وقد قيل بجواز ذلك. وقد قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه?. ولا يبذل العلم إلاّ لأهله. وقد قيل: "ابذل العلم لأهله ولغير أهله، فالعلم أمنع جانبا من أن يصل إلى غير أهله?. ولا يتكلّم بين يدي من هو أعلم منه. سئل ابن تمبارك عن مسألة بحضرة سفيان فقال: "أنا لا أتكلّم بين يدي الأستاذين?. وقال بعضهم: "لا يحسن هذا العلم إلاّ لمن يعبّر عن وجده وينطق [10و] عن فعله?. وقيل: "من لم ينتفع بسكوته لم ينتفع بكلامه?. ومن الأدب أن لا يتكلّم في العلم قبل أوانه فيتولّد عنه آفات تقطعه عن الفوائد. ويحذر كلّ الحذر وأن يطلب العلم لطلب الجاه والمنزلة عند النّاس وحطام الدنيا فيكون ممّن لا ينفعه الله بعلمه. وقد استعاذ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم من علم لا ينفع، في قوله عليه الصلاة والسلام: "من طلب العلم ليماري به السفهاء ويجاري به العلماء أو ليصرف به وجوه النّاس فليتبوّء مقعده من النّار?. ويجتهد في استعمال ما يسمعه ويتعلّمه. فقد قيل: "كلّ من سمع شيئا من علوم القوم فعمل به صار ذلك حكمة في قلبه، وينتفع به السامعون له، وكلّ من سمع ولم يعمل به كان ذلك حكاية يحفظها أيّاما ثمّ ينساها?. وقيل: "الكلام إذا خرج من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يجاوز الأذنين?. وحكي أنّ رويما قال للجنيد رحمهما الله تعالى: كم تنادي على الله بين يدي العوام ؟ فقال: "أنا أنادي على العامّة بين يدي الله?. وقال: "قوم أفنوا أسرارهم بالحظوظ وأبصارهم باللحوظ، أنّى لهم إلى الذكر [هـ/ ذكر الله] للحق سبيل?. قيل للنوريّ: لم لا تتكلّم على إخوانك ؟ [فقال]: "لأنّهم في سفر الوحشة وذكر الحقّ عندهم غيبة?. حكي أنّ الشبليّ رحمه الله تعالى قال في مجلس الجنيد: الله. فقال [الجنيد]: "إن كنت حاضرا فهو ترك الحرمة، وإن كنت غائبا فالغيبة حرام?. سأل أبو بكر الشبليّ الجنيد مسألة فقال: "يا أبا بكر، بينك وبين أكابر النّاس عشرة آلاف مقام، أوّلها محو ما بدأت به?. [الشطحيّات] فصل. وأمّا الشطحيّات المحكيّة عن أبي يزيد وغيره، فذلك عند غلبة الحال وقوّة السكر وغلبات الوجد، فلا قبول لها ولا ردّ، وقال سهل بن عبد الله [التستريّ]: "العلوم ثلاثة [10ظ] علم من الله، وهو علم الظاهر، كالأمر والنهي والأحكام والحدود، وعلم مع الله تعالى، وهو علم الخوف والرجاء والمحبّة والشوق، وعلم بالله، وهو علم بصفاته ونعوته?. قيل: "علم الظاهر علم الطريق، وعلم الباطن علم المنزل?. وقيل: "علم الباطن مستنبط من علم الظاهر، وكلّ باطن لا يقيمه ظاهر فهو باطل?. قيل: "من سمع بأذنه حكى ومن سمع بقلبه وعظ ومن عمل بما سمع اهتدى وهدى?. وقيل: "العلم يهتف بالعمل إن لم يجبه ارتحل?. وقيل: "العلم إدراك الشيء على ما هو به، والعقل بصيرة وقوّة في القلب، ومنزلته في القلب منزلة البصر من العين، يفرّق بها بين الحق والباطل والحسن والقبيح?. وقيل: "العلم ما شاهدته خيرا والمعرفة ما شاهدته حسنا?. وقيل: "العلم [العالم] يقتدى به، والعارف يهتدى به?. وقيل: "الورع لا يخدع والعا [العلم] لا يخدع?. وقيل: "العقل ما يباعدك من مواقع المهلكات?. وقيل: "أصل العقل الصمت، وباطنه كتمان الأسرار، وظاهره الاقتداء بالسنّة?. وقيل: "إذا غلب الهوى توارى العقل?. وقيل: "إذا أردت أن تعرف العاقل من الأحمق فحدّثه بالمحال، فإن صدّق فاعلم أنّه أحمق?. وقيل: "من احتجت إلى شيء من علومه فلا تـنظر إلى عيوبه، فإن نظرت إلى عيوبه حرمت بركة الانتفاع بعلومه?. [آدابهم حال البداية] فصل في ذكر آدابهم حال البداية، أوّل ما يلزم المريد بعد الانتباه من غفلته أن يقصد شيخا من أهل زمانه، مؤتمنا على دينه، معروفا بالنصح والأمانة، عارفا بالطريق، فيسلم نفسه لخدمته، ويفتـقد ترك مخالفته، ويكون الصدق حالته. ثمّ يلزم ا لشيخ أن يعرّفه كيفيّة الرجوع إلى سيّده، ويدلّه على الطريق، ويسهّل عليه سلوكها، ويعلّمه شرائع الإسلام فيما له وما عليه. وأولى الأشياء به تصفية المطعم والمشرب والملبس [11و]، لأنّ بذلك يجد الزيادة في حاله، وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "طلب الحلال فريضة على كلّ مسلم بعد الفريضة?. وقال بعضهم: "طلب الحلال فريضة على الكلّ، وترك الحلال فريضة على هذه الطائفة إلاّ على حدّ الضرورة?. ثمّ قضاء ما ضيّع من الفرائض. ثمّ ردّ المظالم على أهلها، لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ردّ دانق من حرام يعدل عند الله سبعين حجّة مبرورة?. فما كان عليه من ضرب وقطع وجرح فالقصاص، وما كان من غيبة أو نميمة أو شتيمة فالاستحلال والاستغفار لصاحبها. ثمّ معرفة النفس وتأديبها بالرياضات، ولها صفتان: إنهماك في الشهوات وامتناع عن الطاعات، فيروّضها بالمجاهدات وهي: قطع النفس عن مألوفاتها، وحملها على خلاف أهويتها، ومنعها من الشهوات، ويأخذها بالمكابدات وتجرّع المرارات وكثرة الأوراد واستدامة الصوم والنوافل من الصلوات، مع الندم على المخالفات ونقلها عن قبيح العاد ات، ويجتهد أن يتعوّض عن النوم سهرا، وعن الشبع جوعا، وعن الرفاهيّة بؤسا، فيكون حينئذ من التائبين المختصّين بمحبّة الله، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ?} [البقرة: 222]?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "الشابّ التائب حبيب الله، والشيخ التائب عتيق الله?، ويكون من جملة من يبدّل الله سيّئاتهم حسنات. روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "ليتب أقوام إنّهم أكثروا من السيّئات. قيل من هم يا رسول الله. قال الذين يبدّل الله سىئاتهم حسنات?. ويكون من جملة المختصّين بدعوة حملة العرش، لقوله تعالى: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}، إلى قوله: {وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[13]?. ولقد عظمت أقدارهم إذ جعلت حملة العرش داعين لهم، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافّات: 61]??. قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ [11ظ] فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ}?? [المطفّفين: 26]. والتوبة فرض على جميع المؤمنين، لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31]?? وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].?? وقال بعض المشائخ: "غفلتك عن التوبة لذنب ارتكبته أشدّ من ارتكابه?، ومن اخترمته المنيّة قبل التوبة فأمره إلى الله، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ?} [الرعد: 6]. ووقتها باق ما لم تبلغ الروح الحلقوم، أو يأتي وقت غلق باب التوبة، فهي يوم يأتي بعض آيات ربّك، لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل??. الآية[14]. ثمّ يلازم الورع في جميع أحواله، ويعلم أنّ الله محاسبه على الاستقصاء، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا} [الأنبياء: 47]??. فإذا صحّ له مقام التوبة والورع، وشرع في مقام الزهد، فقد آن له لبس المرقعة إن رغب فيها، فليراع ما يلزمه في لبسها لئلاّ يصير هجينا أو يخرج [ يصرحا ]؟ وقد وهنت هذه القاعدة، وارتفع التميّز وانحلّ النظام، ووقع الرضا من خيبة الأتباع بالإرفاق، ومن خيبة المتبوعين بالاتّباع، ومن ذلك ينتشر الفساد ويظهر العناد، فلابس المرقّعة يجب أن يكون قد أدّب نفسه بالأدب وأرضاها بالمجاهدات والمكابدات وتحمّل المشاق وتجرّع المرارات، ويكون قد جاوز المقامات، وتأدّب بالمشائخ الذين يصلحون للاقتداء، وصحب رجال الصدق، وعرف أحاكم الدين وحدوده وأصول المذهب وفروعه، ومن لم يكن بهذه الصفة فحرام عليه التصدير للمشيخة أوللأوراد. وقيل من ل ]م يتأدّب برؤية عيوب أفعاله ورعونات نفسه والعمل في إزالتها بجهده لم يحز الاقتداء به. ثمّ يأخذ نفسه بالمحاسبة، وتفقّد زياداتها من نقصانها وما لها وما عليها، ويعرض حاله على شيخه فيما يعرض له وعليه في كلّ وقت، فقد قيل: "ليس يطبّب من لم يصف [12و] ما به للطبيب?. وحكي عن الشيخ أبي محمّد بن سلمة أنه قال: "كلّ مريد لا يصلح [هـ/ يحصل] له في اليوم واللّيلة كذا وكذا مسألة، فإنّه لا يسلك الطريق?. وحكي عن جماعة من المريدين أنّهم حضروا عند الشبليّ فوجدهم غفلة لم يذكروا مسألة، فأنشد: كفى حزنا بالواله الصبّ أن يرى {} منازل من يهوى معطّلة قفرا. ثمّ يطالب نفسه بمنازل المقامات على ترتيبها، فلا ينتقل عن مقام إلاّ بعد تصحيح آدابه، ولا يشتغل بالزهد إلاّ بعد الفراغ من الورع وما أشبه ذلك، إلى أن تصير المعاملات إلى القلوب، قال بعضهم: "العمل بحركات القلوب أشرف من العمل بحركات الجوارح?، قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح?. قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ما فاق عطكم [ما فاقكم] أبو بكر بكثرة الصلاة والصيام، ولكن بشيء وقر ف غي قلبه?، ولهذا ظهر حاله بعد وفاة الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلّم ما لم يظهر من حال غيره حين صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: "من كان منكم يعبد محمّدا، فإنّ محمّدا قد مات، ومن كان يعبد ربّ محمّد فإنّ ربّ محمّد حيّ لا يموت?، وقاتل أهل الردّة حتّى حفظ الإسلام. وقال بعض المشائخ: "إذا صارت المعاملات إلى القلوب استراحت الجوارح?، فحينئذ يشتغل بعبارة [عمارة] الباطن ومباشرة الأحوال ومراعاة الأسرار وعدّ الأنفاس، كما قيل: "عبادة الفقير نفي الخواطر?. وليحذر كلّ الحذر أن تفسد بدايته بقول المثنين ومدح المادحين، بل يرجع إلى ما يعرفه من نفسه كما قيل: "ليس سماع الألفاظ كمشاهدة الألحاظ?، ويعوّد نفسه صيام النهار وقيام الليل وخدمة الإخوان. قال الجنيد رحمه الله تعالى: "كلّ مريد لا يعوّد نفسه صيام النهار [12ظ] وقيام الليل فكأنّه تمنّى ما لا يصحّ له?. ثمّ يراعي أوقاته لضرب من الخير فإنّ الوقت إذا فات لا يدرك، ورد عن النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "لا ينبغي للعاقل أن يكون شاخصا إلاّ في ثلاث، حرمة لمعاش أو تزوّد لمعاد أو لذّة في غير محرّم?. وقال عليّ رضيّ الله تعالى ع ينه : "ينبغي للمؤمن أن يكون له من النهار أربع ساعات، ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يأتي العلماء الذين يبصّرونه بأمر الله وينصحونه، وساعة يخلي بين نفسه ولذّاته فيما يحلّ ويحمل [ يجمل أو يحمد]، وحكي عن الجريريّ أنّه قال: "دخلت على الجنيد وهو مهتمّ فقلت له مالك، فقال: فاتني شيء من وردي، قلت أعده، قال: كيف وهو أوقات معدودة?. قال بعض المشائخ: "من سبق بخطوة لا يدرك إذا كان صادقا?. والمريد يجب أن لا يخلو ظاهره من الأوراد وباطنه من الإرادات. ورأى بعض المشائخ سبحة في يد مريد، فقال له ما تعمل بها، قال أعدّ التسبيحات، فقال عليك بعدّ السيّئات لا التسبيحات. وينبغي أن يغتنم خدمة الإخوان ويقدّمها على النوافل، فقد روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت: "ما رؤي رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم فارغا في أهل، إمّا أن يخصف نعلا لمسكين أو يخيط ثوبا لأرملة?. حكي عن أبي عمرو الزجاج أنّه قال: "أقمت عند الجنيد مدّة مديدة فما رآني قطّ إلاّ وأنا أشتغل بنوع من العبادات، فما كلّمني حتّى كان يوم من الأيّام خلا الموضع من الجماعة، فقمت نزعت ثيابي وكنست الموضع ونظّفته ورششته وغسلت موضع الطهارة، فرجع الشيخ ورأى عليّ أثر الغبر فدعاني فرحّب بي ودعا لي، وقال أحسنت عليك بها ثلاثا?. ويكره للمريد مرافقة أستاذه قبل انفتاح [13و] عين قلبه، بل عليه أن يصبر تحت أمره ونهيه في خدمته. وقال بعض المشائخ: "من لم يتأدّب بأوامر الشيخ وتأديبه [هـ/ الشيوخ وتأديبهم]، لم يتأدّب بكتاب ولا سنّة?، وقيل: "علامة المريد السمع والطاعة للدليل وترك التبصّر للطبيب?، وقال بعض المشائخ: "إذا رأيت المريد قائما مع الشهوات، طالبا لحقوق [هـ/ حظوظ] النفس، فاعلم أنّه كذّاب، وإذا رأيت المتوسّط غافلا عن حفظ قلبه ومراعاة أحواله فاعلم أنّه كذّاب، وإذا رأيت من يشير إلى المعرفة ويميز بين المدح والذمّ والقبول والردّ، فاعلم أنّه كذّاب?، وقال الجنيد: "لولا العلامات لادّعى كلّ أحد سلوك الطريقة?، قال الله تعالى: {فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}?? [محمّد: 30]. ويجب أن يعلم أنّه لا يصحّ له مقام ولا عبادة ولا حال إلاّ بالإخلاص وهي [هـ/ هو] تصفيتها عن رؤية الخلق، وروي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل لي عملا أشرك فيه معي غيري، فأنا بريء منه ومن عمله?. وقال بعضهم: ه "كلّ حقّ يشارك الباطل فقد خرج عن قسمة الحقّ إلى قسمة الباطل، فإنّ الحق غيور?. ولا بأس بما يظهر من أحواله وعبادته من غير قصد له في إظهاره، ولا يصحّ له إخلاص إلاّ بمعرفة مقادير الخلق وضعفهم وقلّة نفعهم وضرّهم، كما وصفهم الخليل عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "لا يجد أحدكم حلاوة الإيمان حتّى يعلم أنّه ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه? وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إنّ من ضعف اليقين أن يرضى [ترضي] النّاس بسخط الله وأن يحمدهم [تحمدهم] على رزق الله وأن تذمّهم على [13ظ] ما لم يؤتك الله من رزق، إنّ رزق الله لا يجرّه حرص حريص ولا يدفعه كراهة كاره?، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ}?? [يونس: 107]. فصل، ويجتهد في مراعاة نفسه ومعرفة أخلاقها، فإنّها الأمّارة بالسوء، ولا يغفل عنها وإن تناهى في المعرفة، فإنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان مراعيا لها ومستعيذا بالله من شرّها، وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يقول: "ما أنا ونفسي إلاّ كراعي غنم كلمّا ضمّها من جانب انتشرت من جانب? وقال أبو بكر الورّاق: "النفس مرائية في جميع الأحوال منافقة في أكثر الأحوال مشركة في بعض الأحوال? وقال الواسطيّ: "النفس صنم والنظر إليها شرك والنظر فيها عبادة? وقيل: "مثلها في إبداء الحسن وإخفاء القبيح مثل الجمرة لونها حسن وإنّها لتحرق? إن عوقبت سوّفت التوبة وتمنيت [تمنّت] الأوبة، وإن عوقبت{} ركبت هواها وأعرضت. وقال الله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصّلت: 51].? وقيل: "مثل النفس مثل ماء واقف صاف رائق إن حرّكته تبيّن ما تحته من الحمأة والنتن. وتعلم أنّها طلبت أن يكون [تكون] ضدّ الله في دعواها، وندّا لله في مطالباتها، وذلك أنّ الله تعالى طالب عباده بالثناء عليه والمدح له، فطلبت النفس ذلك، وطالب الله سبحانه عباده أن لا يخالفوا أمره ونهيه، فطلبت النفس ذلك، وطالبهم أن يكون هو المرغوب إليه والمرهوب منه، وطلبت النفس ذلك، وطالبهم أن يكون هو المذكور، وطلبت النفس ذلك. وقيل: "النفس لطيفة مودعة [14و] في هذا القالب، وهي محلّ الأخلاق المذمومة، كما أنّ الروح لطيفة مودعة في هذا القال ؤب، وهي محلّ الأخلاق المحمودة، كما أنّ البصر محلّ الرؤية، والأذن محلّ السمع، والأف محلّ الشمّ?، وقيل: "إنّ الروح معدن الخير، والنفس معدن الشرّ، والعقل جيش الروح، والهوى جيش الشيطان، والتوفيق من الله مدد الروح، والخذلان مدد النفس، والقلب في أغلب الجيشين?. واعلم أنّ جملة الأمور ثلاثة، أمر بان رشده فتجب متابعته، وأمر بان غيّه فتجب مجانبته، وأمر مشتبه فتجب متاركته إلى أن يتبيّن الرشد من الغيّ من جهة العلم أو العقل، وقيل: "إذا عرض لك أمران، إن شككت في خيرهما، فانظر في أبعدهما عن هواك فأته?. وعلى المريد أن يجتهد في تبديل أخلاق النفس كالكبر والغلّ والحرص والأمل والحدّة والحسد والرياء والمراء والمنازعة والغيبة والتهريش وسوء الظنّ والوقاحة وغيرها من الأخلاق الذميمة بضدّها من الأخلاق الحميدة، والله الموفّق. [ آداب الصحبة ] فصل في ذكر آدابهم في صحبة بعضهم بعضا، قيل: "وحدة الإنسان خير من جليس السوء عنده، وجليس الخير خير من قعود المرء وحده?،.وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل?، وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "المؤمن الذي يخالط النّاس ويصبر على إذائهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على إذائهم، وفي كلّ خير?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف?. سئل عن أبي [هـ/ سئل أبو] حفص النيسابوريّ عن أحكام الفقر وآداب الفقر في الصحبة فقال: "حفظ حرمات المشايخ وحسن العشرة مع الإخوان، والنصيحة للأصاغر، وترك صحبة من ليس من طبقاتهم، وملازمة الإيثار والأذكار، ومجانبة الادّخار، والمعاونة [14ظ] في أمر الدين والدنيا?. فصل، ومن آدابهم أن تصحب الحسن ومن تستفد منه خيرا، وقال بعضهم: "أولى النّاس بالصحبة من يوافقك في اعتقادك ويحتشم في مجالستك?، قال الله تعالى: {وَلاَ تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]??، ولا تصحب من تخالفه في مذهبه وإن كان أقرب منه، ألا ترى أنّ نوحا عليه الصلاة والسلام لمّا قال: إنّ ابني من أهلي، كيف أجيب: إنّه ليس من أهلك[15]??. وروي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال لمّا نزل قوله تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ} [المجادلة: 22]. اللهم لا تجعل الفاجر عندي بدين فيحبّه قلبي?،بل يصحب من يثق بدينه وأمانته ومذهبه وورعه في ظاهره وباطنه. ومن آدابهم القيام بخدمة الإخوان والأصحاب، واحتمال أذاهم وترك الإنكار عليهم إلاّ فيما يخالف الشرع، ويعرف لكلّ أحد قدره على مرتبته. قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: "من جهل بأقدار الرجال فهو بقدر نفسه أجهل? وقال: "لا يستخفّ بأقدار الرجال إلاّ من لا قدر له?. ويبدي إلى صاحبه عيوبه ويدلّه على ما فيه صلاح حاله. قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "المؤمن مرآة المؤمن?، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: "رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي?. ومن آدابهم أن يصحب كلّ أحد على قدر حاله وما يليق به، فالصحبة مع المشائخ والكبراء بالاحترام والخدمة والتوقير والقيام بأشغالهم، والصحبة مع الأقران بالبشر والانبساط والموافقة وبذل المعروف والإحسان والكون معهم على حكم الوقت. حكي أنّ أبا العبّاس ابن عطاء مدّ رجله بين أصحابه وقال: "ترك الأدب بين يدي أهل الأدب أدب?، وقال الجنيد: "إذا صحّت المودّة سقطت شروط الأدب?. وروي أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان عنده أبو بكر وعمر وهو متّكيء قد بدت فخذه [15و] فدخل عثمان فغطّى جسمه وسوّى ثيابه وجلس، ذ فسئل عن ذلك، فقال: "ألا أستحيي ممّن تستحي منه ملائكة السماء? فحشمة عثمان وإن عظمت، فالحالة التي بين رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وبينهما أصفى. ولا يداهنهم فيما يخالف المذهب فقد قال رويم: "لا زالت الصوفيّة بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا هلكوا?. ويخضع عند الحق ويقابله بالقبول، وروي أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه أمر بقلع ميزاب كان في دار العبّاس بن عبد المطّلب إلى الطريق بين الصفا والمروة، فقال له العبّاس: قلعت ما كان النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم وضعه بيده، فقال: إذا، لا يردّه إلى مكانه غير يدك ولا يكون لك سلّم إلاّ عاتق عمر. رضي الله تعالى عنهما، فأقامه على عاتقه وردّه إلى موضعه. والصحبة مع الأصاغر بالشفقة والإرشاد والتأديب والحمل على ما يوجبه حكم المذهب، ويدلّهم على ما فيه صلاحهم، لا على ما فيه مرادهم، وعلى ما يفيدهم، لا على ما يحبّون، ويزجرهم عمّا لا يعنيهم، ألا ترى أنّ الله ذمّ الربّانيّين والأحبار حين تركوا زجر قومهم عن المنكر بقوله تعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ}??. الآية [المائدة: 63]. والصحبة مع الأستاذ باتّباع أمره ونهيه، وهي في الحقيقة خدمة لا صحبة، وقيل لأبي منصور المغربيّ، كم صحبت أبا عثمان، فقال: "خدمته لا صحبته?، فالقيام بخدمة أستاذ واجب، والصبر تحت حكمه وترك مخالفته ظاهرا وباطنا وقبول قوله والرجوع إليه في جميع ما يعرض له، وتعظيم حرماته ومجانبة الإنكار عليه سرّا وجهرا، قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء: 65]??، وقيل: "الشيخ في قومه كالنبيّ في أمّته?. سأل بعض أصحاب الجنيد مسألة من الجنيد فجعل [15ظ] يعارضه، فأجاب الجنيد فقال: {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِي} [الدخان: 21]??. ويكون في صحبته كالصحابة مع النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم في تأدّبهم بآداب القرآن، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]?،? وقال: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ?2]،? وقال: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [?النور: 63]?، وقال بعض المشايخ: "من لم يعظّم حرمة من تأدّب به حرم بركة ذلك الأدب?، وقيل: "من قال لأستاذه لم، لا يفلح أبدا?. والصحبة مع من في خدمته باللّطف والدعاء له وتر ك الإنكار عليه فيما يبدر منه أوّلا. وقال أنس بن مالك: "خدمت [هـ/النبيّ] رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم عشر سنين فما كهرني ولا نهرني، ولا قال لي لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله، لم لا فعلته، وربّما كان يمزح معي ويقول: يا أبا الأذنين?. والصحبة مع الغرباء بالبشاشة والبشر وحسن الأدب ورؤية فضلهم حيث أكرموه وخصّوه من بين أقرانه بالنزول عليه والإلمام به، ثمّ بذل المجهود في خدمتهم وإكرامهم، والكون عند مرادهم والصبر على أحكامهم، فقد مدح الله تعالى الذين يحبّون من هاجر إليهم، وقال: {وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72]??. والصحبة مع الجهّال بجميل الصبر وحسن الخلق والمداراة والاحتمال، والنظر إليهم بعين الرحمة، ورؤية نعم الله تعالى عليه حيث لم يقمه مقامهم، وإن واجهوه بما يكره يحتمل عنهم ولا يجيبهم بأكثر ممّا أجاب به الأنبياء قومهم حين نسبوا إلى الضلالة والسفاهة والجهالة: {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ} [الأعراف: 61]، و{لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 67]، {وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا} [الفرقان: 63]??، {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55]??. ومن كان جهله أقوى كان احتماله أولى عنه، قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية: 14]??، وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران: 186]??. وشتم رجل الشعبيّ فأفحش، فقال [16و] له الشعبيّ: "إن كنت صادقا فاغفر لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك?. والصحبة مع الأهل والولد بحسب الشفقة عليهم ومداراتهم وتأديبهم وحثّهم على الطاعة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]??، في التفسير أي وأدّبوهم وفقّهوهم وقوهم بذلك النّار، ومع الأهل خاصّة على حكم الله {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، والإنفاق عليهم من الحلال بالمعروف. ويكره صحبة الأحداث لما فيها من الآفات، ومن ابتلي بذلك صحبهم على شرط السلامة وحفظ قلبه وجوارحه عنهم وحملهم على الرياضة والتأدّب بجانبه والانبساط، قال بعض المشائخ: "رغبة الصغار في صحبة الكبار توفيق وفطنة، ورغبة الكبار في صحبة الصغار خذلان وحمق?. والصحبة مع الإخوة بكلّ ما يقدر عليه من الموافقة وترك المخالفة إلاّ فيما لا يجوز في الشرع، وبمجانبة الحقد والحسد ولزوم ما يسلم به بعضهم من بعض. والصحبة مع الس دلطان بالسمع والطاعة إلاّ في معصية الله أو مخالفة السنّة، قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]?. ثمّ الدعاء له والإمساك عمّا فيه قدح، وروي عن الحسن أنّه قيل له مات الحجّاج، قال: "رحم الله امرءً عرف زمانه وحفظ لسانه ودارى سلطانه?. وأمّا الدخول عليهم فمن كان عادلا فهو من السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه، والنظر إليه عبادة، ومن كان ظالما فالبعد عنه واجب إلاّ لمضطرّ إليه أو لناصح أو منكر عليه إذا علم حاله أنّه يسلم عند القرب منه، وحكي أنّ بعض الخلفاء أراد زيارة بشر الحافي، فبلغ ذلك بشرا فقال: "لئن ذكرني بعد ذلك هذا لأخرجنّ من جواره ببغداد?، فأمسك عنه. قال بعض المشائخ: "من شارك السلطان في عزّ الدنيا شاركه في ذلّ الآخرة?. وقيل: "تقرّب الأشرار إلى الأخيار صلاح الطائفتين، وتقرّب الأخيار إلى الأشرار [16ظ] فتنة الطائفتين?. ومن اضطرّ إلى الدخول عليهم دعا لهم بالصلاح ووعظهم وذكّرهم وأنكر عليهم حسب طاقته. ومن المشائخ من يتقرّب إليهم لأجل مصالح الخلق، روي عن زيد بن أسلم أنّه قال: "كان نبيّ من الأنبياء يأخذ بركاب الملك في عهد بني إسرائيل يتألّفه بذلك لأجل قضاء حوائج النّاس?، قيل إنّه دانيال النبيّ عليه السلام، أو [و] طالوت الملك، وكان طالوت ملكا صالحا آتاه الله الملك والجسم، وهو الذي غلب جالوت مع كثرة جيوشه لعناية الله وعونه وقوّته، وكان في عهد داود، وزوّج بنته له ومنها سليمان النبيّ عليهما الصلاة والسلام. وقال بن عطاء: "لأن يرى الرجل سنين ليكتسب جاها يعيش فيه مؤمن بجاهه أنجى له من أن يخلص العمل لنجاة نفسه?. والصحبة مع الكافّة كصحبة أبي ضمضم، روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم، كان إذا أصبح وأمسى يقول: اللهمّ إنّي قد وهبت نفسي وعرضي لك، اللهمّ إنّي تصدّقت بعرضي على عبادك، فمن شتمني لا أشتمه ومن ظلمني فلا أظلمه?. وقال عبد الله بن خفيف: "دخلت مكّة حرسها الله تعالى فقصدت أبا عمرو الزجّاجيّ وسلّمت عليه وجلست عنده وجرى كلام فأخذ في تمزيقي، فلمّا أكثر قلت له تعني بهذا كلّه بن خفيف، قال بلى، قلت تركته بشيراز، فتبسّم?. وقال شاه بن الشجاع: "من نظر إلى الخلق طالت خصومته معهم، ومن نظر إليهم بعين الحقّ عذرهم فيما هم فيه، وقلّ اشتغاله بهم?. [آداب الجوارح] ثمّ معرفة آداب الجوارح، ثمّ على كلّ جارحة أدب مختصّ بها، قال الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء: 36]??. قال بعض المشائخ: "حسن الأدب مع الله [أن] لا يتحرّك [تتحرّك] جارحة من جوارحك في غير رضى الله?. فأدب اللّسان أن يكون رطب [رطبا] بذكر الله أبدا. ويذكر الإخوان بالخير لهم والدعاء لهم، وبذل النصيحة والوعظ، ولا يكلّمهم بما يكرهون. [17و] روي أنّ رجلا قال للنبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أين أبي، فقال: في النّار. فعرف الكراهة في وجهه، فقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "أبوك وأبي وأبو إبراهيم النبيّ في موضع واحد?. ولا يغتاب ولا ينمّ ولا يشتم ولا يخوض فيما لا يعنيه، وإذا كان في جماعة تكلّم معهم ما داموا يتكلّمون فيما يعنيهم، وإذا تركوا ما يعنيهم وأخذوا ما لا يعنيهم تركهم وأمسك، ويتكلّم كما قال الله تعالى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ} [الأنعام: 67]??. وقيل: "خلق الله اللسان ترجمان [ترجمانا] للقلب ومفتاحا للخير والشرّ?. وقد قيل: "إذا طلبت صلاح قلبك فاستعن بالله بحفظ لسانك وبلزم الصمت فإنّه ستر للجاهل وزين للعقل?. قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم أو على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم?. وأدب السمع أن لا يصغي إلى الفحش والخنا والغيبة والنميمة وكلّ منكر كما قيل: أحبّ الفتى ينفي الفواحش سمعه {} كأنّ به عن كلّ فاحشة وقرا. بل يسمع إلى الذكر والموعظة والحكمة، وما يعود عليه بالفائدة دينا ودنيا، وبحسن الإصغى [الإصغاء] إلى من يكلّمه. وأدب البصر كفّه عن المحارم، وعن عيوب النّاس والإخوان، والمنكرات والمحرّمات، لأنّ الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد قيل: "من كثرت لحظاته دامت حسراته?. ويكون نظره بالاعتبار والاستدلال على قدرة الله وعظمته وحسن صنعه عاريا عن حظوظ الأنفس الأمّارة بالسوء. حكي عن بعضهم أنّه قال: "نظرت إلى شخص نظرة شهوة سمعت في المنام قائلا يقول: إنّ الله تعالى يقول إنّ الدنيا داري والخلائق فيها عبادي وإمائي من نظر إلى واحد منهم بغير حق فقد خانني. فانتهيت، فآليت على نفسي أن لا أنظر إلى أحد إلاّ على حدّ الأمانة?. وحكي عن أبي يعقوب الهرجوري [النهرجوريّ] أنّه [17ظ] قال: "رأيت في الطواف إنسانا يفرد عين [بفرد عين] وهو يقول أعوذ بك منك، فقلت ماهذا الدعاء فقال اعلم أنّي كنت مجاورا منذ خمسين سنة، فرأيت يوما شخصا فاستحسنته، فإذا لطمة وقعت على عيني فسالت عيني هناك على خدّي، فقلت آه، فقيل لحظة بلطمة ولو زد [زدت] لزدناك?. قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم لعليّ رضي الله تعالى عنه: "لا تتبع النظرة النظرة، فإنّ الأولى لك والثانية عليك?. وأدب القلب مرعات [مراعاة] الأحوال السنيّة المحمودة، ونفي الخواطر الرديّة المذمومة، والفكر في آلاء الله ونعمائه وعجائب خلقه. قال الله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 191]??. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "تفكّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة?. ومن أدب القلب حسن الظنّ بالله وبجميع المسلمين، وتطهيره من الغشّ والغلّ والحقد والخيانة وسوء الخلق وسوء العقيدة، فإنّها من جنايات القلب. قال الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء: 36]?، وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ألا إنّ في جسد ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح بصلاحها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد بفسادها سائر الجسد، ألا وهي القلب?، وقال السريّ السقطيّ: "القلوب ثلاثة، قلب كالجبل لا يحرّكه شيء، وقلب كالنخلة أصلها ثابت والريح يميل بها يمينا وشمالا، وقلب كالريشة تذهب مع كلّ ريح ولا تثبت?. وأدب اليدين البسط بالبرّ والإحسان والخدمة، وأن لا يستعين بهما على معصية الله. وأدب الرجلين السعي بهما إلى طاعة الله و صلاح في صلاح نفسه وإخوانه، وأن t لا يمشي في الأرض مرحا، ولا يختال ولا يتبختر ولا يزهو، فإنّه ممّا يبغضه الله، ولا يستعين بهما على المعاصي. [الصحبة] ثمّ إنّ أوّل الصحبة معرفة ثمّ مودّة ثمّ ألفة ثمّ عشرة ثمّ محبّة ثمّ أخوّة. وقيل: "غذاء النفس في العشرة وغذاء القلوب في المحبّة. والصحبة لا تكون [18و] إلاّ باتّفاق البواطن?، قال الله تعالى في صفة المنافقين: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: 14]??، والصحبة إذا صحّت شرائطها فإنّها أجلّ الأحوال، ألا ترى الصحابة كانوا أجلّ النّاس علما وفقها وعبادة وزهدا وتوكّلا ورضى، فلم ينسبوا لشيء من ذلك غير الصحبة التي هي أعلاها. ومن آدابهم، أن لا يجري في حديثهم: هذا لي وهذا لك، و: لو كان ولو كان كذا لكان كذا، و: لعلّ، وعسى، ولم فعلت، ولم لم تفعل، وما يجري مجراها، فإنّها من أخلاق العوام. قال إبراهيم بن شيبان: "كنّا لا نصحب من يقول نعلي?، ولا تجري بينهم الإعارة والاستعارة، قال بعضهم: "الصوفيّ لا يعير ولا يستعير?. ولا تجري بينهم المخاصمة والمجادلة والاستهزاء والإزراء والممازحة والمغال بة والغيبة والوقيعة والنميمة والنقيصة، بل يكون على كلّ واحد منهم للكبير كالإبن ،وللصغير كالأب، وللنظير كالأخ، وللوالدين والأستاذ كالمملوك. ومن آدابهم إذا اجتمعوا أن يقدّموا واحدا منهم ليكون مرجعهم إليه، واعتمادهم عليه، فيكون: أرجحهم عقلا، ثمّ أعلاهم همّة، ثمّ أعلاهم حالا، ثمّ أعلمهم بالمذهب، ثمّ أسنّهم. قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن استووا فأفقههم في الدين، فإن استووا فأشرفهم، فإن استووا فأسنّهم، فإن استووا فأقدمهم هجرة?، وكان رسول الله تعالى صلّى الله تعالى عليه وسلّم "يقدّم أهل بدر على غيرهم?، وروي أنّه كان صلّى الله تعالى عليه وسلّم جالسا في صفة ضيقة فجاء قوم من البدريين، فلم يجدوا موضعا يجاسون [يجلسون] فيه، فأقام صلّى الله تعالى عليه وسلّم من لم يكن [من] أهل بدر من ذلك المجلس فجلسوا مكانهم، فاشتدّ ذلك [عليهم، فقال:] {وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا} [المجادلة: 11]??. ثمّ أحسنهم خلقا، ثمّ أقدمهم هجرة، ثمّ أتمّهم أدبا، ثمّ [18ظ] أسبقهم بلقاء المشائخ. حكي عن عليّ بن بيدار الصوفيّ أنّه ورد على أبي عبد الله بن خفيف زائرا طله من نيسابور، فتماشيا، فقال له أبو عبد الله: تقدّم، فقال: بأي عذر، قال: بأنّك لقيت الجنيد وما لقيته. {}{}{} [الخدمة] ويخدمهم أصدقهم نيّة وشفقة وأحلمهم وأقوامهم [أقواهم أو أقومهم] قلبا، وأكثرهم ديانة وأمانة وصيانة، وأقلّهم اهتماما بنفسه ودريه. فالخدمة الدرجة الثانية من الشيخوخة [المشيخة] كما روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم في الخبر: "سيّد القوم خادمهم?، وقيل: "إذا صحبت إنسانا فانظر عقله أكثر ممّا تنظر دينه، فإنّ دينه له، وعقله له ولك?، ولا تصحب من كان أكثر همّه الدنيا والنفس والهوى، قال الله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف: 28]??. ولا يذكر عيوب النّاس، فقد قيل: "من ذكر عيوب النّاس فقد شهد على نفسه بعيوبها، فإنّما يذكرها بمقدار ما فيه منها?. سئل أبو عثمان الحيريّ عن الصحبة فقال: "توسع على أخيك مالك ولا تطمع في ماله، وتنصفه من نفسك ولا تطلب منه الإنصاف، وتكون تبعا له ولا تطلب أن يكون هو تبعا لك، وتستكثر ما إليك منه وتستقلّ ما إليه منك?. وقال محمّد بن داود الرمي [الرومي]: "قلت للدقّاق من أصحب، فقال: من يعلم فيك ما يعلمه الله تعالى، ثمّ تأمنه على ذلك?. وقال بعضهم: "ما أوقعني في البلاء إلاّ صحبة من لا أحتشمه?. وقيل: "ليس في اجتماع الإخوان أنس لوحشة الفراق?. وقيل: "الشرف في ثلاث، إجلال الكبير ومداراة الصغير ورفع النفس عن الحقير?. وقيل: "الجلساء ثلاثة، مستفيد منه فلازمه، وجليس تفيده فأكرمه، وجليس لا تستفيد منه ولا تفيده فاهرب منه?. ومن آدابهم [19و] ترك التيه والصولة، قال أبو عليّ الروذباريّ: "الصولة على من فوقك قحة [حماقة]، وعلى من هو مثلك سوء ادب، وعلى من هو دونك عجز?. وقال بعضهم: "من ولي ولاية فتهاها فيها أخبر أنّ قدره دونها، ومن تواضع فيها أخبر أنّ قدره فوقها?. وقيل: "إنّ عجب المرء بنفسه أحد فساد عقله?. قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا} [القصص: 83]??. فصل، وليحذر المتأدّب أن يحقر أحدا من المسلمين، فقد روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "حسب امريء من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "من استرذل [هـ/ استذلّ] مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره أو قلّة ذات يده شهره الله تعالى يوم القيامة وفضحه?. وقال بعضهم: "من رضي الله به عبدا فارض به أخا?. وإذا نزل به أحد من إخوانه أو جماعة، قدّم إليهم الطعام والشراب، ما حضر قلّ أو كثر. روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "هلاك المرء أن يدخل عليه رجل من إخوانه فيحقر ما في بيته أن يقدّمه إليه، وهلاك القوم أن يحقروا ما قدّم إليهم?. وروي عنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "من مكارم الأخلاق التزاور في الله، وحق على المزور أن يقرّب إلى أخيه ما تيسّر عنده، وإن لم يجد إلاّ جرعة من ماء، فإن احتشم أن يقرّب إليه ما تيسّر، لم يزل في مقت الله تعالى يومه وليلته?. ألا ترى أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمّا دخل ضيفه المكرمون ما لبث أن جاء بعجل سمين حينئذ فقرّبه إليهم، قال ألا تأكلون. حكي أنّ الحسن البصريّ كان إذا استأذن عليه بعض إخوانه، إن كان عنده طعام، أذن له، وإلاّ خرج إليه، ولا يتكلّف فيما حضره، فقد روي عن البحتري أنّه قال: "لمّا نزلنا على سليمان بالمدائن فقرّب إلينا خبزا وسمكا، وقال كلوا، [فقد] نهانا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن التكلّف [19ظ] ولولا ذلك لتكلّفت لكم?. ولمّا ورد أبو جعفر على الجنيد تكلّف في خدمته فأنكر عليه، وقال لو دخلت خراسان علّمناك كيف ا دلفتوّة، فقيل له في ذلك فقال: "صبّرت أصحابي فحانيت، تقدّم لهم أنواع الطعام واللّباس والطيب كلّ يوم، وإنّما الفتوّة ترك التكلّف وإحضار ما حضر، ثمّ قال: إذا حضرك الفقراء فاخدمهم بلا تكلّف حتّى إن جعت جاعوا وإن شبعت شبعوا، حتّى يكون مقامهم وخروجهم عندك واحد سواء?. قال يوسف بن الحسين قلت لذي النّون من أصحبه، قال: "من إذا مرضت عادك وإذا أذنبت تاب لك، فأنشد: إذا مرضتم أتيناكم نعودكم {} وتذنبون فناتيكم ونعتذر?. وقيل: "ليس بصاحب من تقول له قم بنا، فيقول إلى أين?. ويجتنب البذاء فإنّه يهيج البغضاء، قال الله تعالى: {قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118]??. وقال بعضهم: النّاس ثلاثة أصناف، صنف كالغذاء لا يستغنى عنهم، وصنف كالدواء [و]لا يحتاج لهم في الأحايين، وصنف كالداء يجب الاحتماء منهم وممّا يقرّب منهم. ويجتنب صحبة الأشرار، فقد قيل: "مصاحبة الأشرار خطر. ومن صحبهم فقد بالغ في الغرور، وإنّما مثله كمثل راكب البحر، إن سلم ببدنه من التلف لم يسلم بقلبه من الحذر?. وقيل: "من أكمل السعادة والرشاد صيانة الحرّ عن نفسه من الأوغاد?. وقيل: "من يصحب صاحب سوء لم يسلم، ومن يدخل م صدخل سوء يتّهم?. وقيل: "كلّ أحد يعرف بقرنائه وينسب إلى خلطائه?. وروي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، دخل على قوم فقال: "ألا أخبركم بخيركم من شرّكم، خيركم من يرجى خيره ويؤمن شرّه، وشرّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه?. [آداب السفر] فصل في ذكر آدابهم في الأسفار، قال الله تعالى: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]??. سئل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم من هم، قال: الذين {يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمّل: 20]?، وقال صلّى [20و] الله تعالى عليه وسلّم: "سافروا تصحّوا وتغنموا?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "الغريب شهيد، ويفسح للغريب في قبره كبعده عن أهله?. وقال أبو جعفر النيسابوريّ: "ينبغي للمسافر ثلاثة أشياء ترك تدبير الزّاد، وتقدير الطريق، ويعلم أنّ الله حافظه?. وأفضل السفر الجهاد، ثمّ الحجّ ثمّ زيارة قبر النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم. قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "وفد الله ثلاثة، الحاجّ والغازي والمعتمر?، ثمّ زيارة المسجد الأقصى. قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "لا تشدّ الرحال إلاْ إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، و المسجد الأقصى?. ثمّ لطلب العلم، ثمّ لزيارة المشائخ والإخوان. قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "حقّت محبّتي للمتحابّين فيّ، والمتباذلين والمتزاورين فيّ?. الحديث. وعن أبي رزين قال، قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "زر في الله، فإنّ من زار في الله شيّعه سبعون ألفا ملك، يقولون اللهم صله كما وصل فيك، وناداه مناد، أن طبت وطاب مشيك وتبوّأت من الجنّة مقعدا?. ثمّ لطلب ردّ المظالم والاستحلال، ثمّ لطلب الآثار والاعتبار، ثمّ لرياضة النفس وخمول الذكر. فلا يسافر للنزهة والبطر والرياء، والجولات [الجولان] في البلاد لطلب الدنيا على متابعة الهوى. قال أبو تراب النخشبيّ: "ليس شيء أضرّ على المريدين من أسفارهم على متابعة الهوى، وما فسد من فسد من المريدين إلاّ بالأسفار الباطلة?. وقال الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ} [الأنفال: 47]??. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "يأتي على النّاس زمان يحجّ أغنياء أمّتي للزينة وأوساطهم للتجارة وقرّاؤهم للرياء وفقراؤهم للمسألة?. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: "ألا إنّ الوفد كثير والحجّاج قليل. ولا يسافر بغير رضى الوالدين والأستاذين وبغير آذانهم [إذنهم] حتّى لا يكون عاقّا في سفره فلا يجد بركة أسفاره. وإذا كان في جماعة مشى مشي أضعفهم، [20ظ] ووقف لوقوف الرفيق، ولا يؤخّر الصلاة عن أوقاتها ما أمكن، ويؤثر المشي على الركوب، إلاّ عن ضرورة، فإنّ سفره للرياضة وطلب الزيارة. وروي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، وللراجل بكلّ خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرام، قيل وما حسنات الحرم، قال: الحسنة سبعمائة ألف حسنة?. وروي أنّ الملائكة تعانق الرجّالة في طريق مكّة، وتصافح أصحاب الزوائل، وتسلّم من بعيد على أصحاب المحامل. وإذا كان في جماعة بذل جهده [في] خدمتهم ما أمكن، ويرفع عنهم مؤنته، فقد روي عن عديّ بن حاتم أنّه قال: قلت يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل، قال: "خدمة الرجل أصحابه في سبيل الله?. ومن آدابهم إذا دخل بلدة فإن كان فيه [فيها] شيخ قصد زيارته، فإن لم يكن فيه [فيها] شيخ قصد موضع الفقراء، فإن كان فيها مواضع قصد أقدامها [أقدمها] وأكثرها جمعا وأعظمها حرمة، ويتفقّد مواضع الطهارة، خصوص ا المياه الجارية فيه [فيها]، فيؤثر النزول عليها دون غيرها، وإن لم يكن لهم موضع ولا لهم جمع، نزل على أكثرهم محبّة لهذه الطائفة وأكثرهم إيمانا بهم وميلا إليهم. وإذا دخل دويرة، تنحّى ناحية صوفيّة، ونزع خفّيه، يبدأ باليسرى في النزع وباليمنى في اللبس، فقد قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا نزع فليبدأ باليسرى?. ثمّ يقصد [يقصد] موضع الطهارة ويتوضّأ ثمّ يصلّي ركعتين، فإن كان هناك شيخ مقصود، قصده وزاره وقبّل رأسه، إلاّ أن يكون حدثا فيقبّل يده، وروى كعب بن مالك أنّه قال: "لمّا نزلت توبتي أتيت النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم فقبّلت يده?. وحكي أنّ أبا عبد الله بن خفيف قبّل يد الحسين بن منصور وهو في السجن، فقال: "لو كانت اليد يدنا لمنعناك، ولكن اليد تبوسها اليوم وتقطع غدا?. ثمّ يجلس عند الشيخ ساعة، [21و] ولا يتكلّم إلاّ أن يسأله عن شيء، فيجيبه عن سؤاله، ولا يبلغه سلاما ولا يذكر أحدا إلاّ أن يكون نظيرا له في الحال والسنّ فيجوز ذلك، ثمّ يرجع إلى موضعه. وعلى المقيمين أن يسلّموا عليه، فحق القادم أن يزار ?، إلاّ أن يكون بمكّة، فإنّ عليه زيارة المجاورين لحرمة الحرم، ثمّ يقدّم إليه ما حضر من الطعام من غير تكلّف، فقد قيل: "الأدب مع الضيف أن يبدأ بالسلام ثمّ بالإكرام ثمّ بالطعام ثمّ بالكلام?. كفعل الخليل عليه الصلاة والسلام، لمّا نزل به ضيفه المكرمون ما لبث أن جاء بعجل حنيذ سمين[16]، قال الله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ}??، الآية[17]. ولا تسأله عن أحاديث الدنيا وأهلها ممّا لا يعنيه، بل تسأل عن أحوال المشائخ والإخوان. ويجب على المسافر استصحاب الركوة للطهارة أو كوز، والركوة أولى، قيل: كان بعض المشائخ إذا صافحه المسافر تفقّد أثر حمل الركوة من كفّه وأصابعه، فإن وجد أحسن قبوله، وإلاّ ازدراه وردّه. قال بعضهم: "إذا رأيت الصوفيّ وليس معه ركوة ولا كوز، فاعلم أنّه عزم على ترك الصلوات وكشف العورة، شاء أم أبى?. ويستحبّ للمسافر استصحاب العصى والإبرة والخيط والمقصّ والموسى ونحوهما، فإنّ ذلك ممّا يستعين به على أداء الفرائض كما يجب. وإذا أراد السفر فمن الأدب أن يطوف على إخوانه ويعرّفهم خروجه ويودّعهم، ويستحبّ لم ن هو في صحبته تشييعه، كذا كان أدب المشائخ. ويجتهد ألاّ يفوته شيء من الأوراد، وخاصّة الواجبات. فصل قال أبو يعقوب السوسيّ: "يحتاج المسافر إلى أربعة أشياء في سفره، وإلاّ فلا يسافر، علم يسوسه وورع يحجره وخلق يصونه ويقين يحمله?. وسئل رويم عن أدب المسافر، فقال: "أن لا تسبق همّته خطوته، وحيث وقف قلبه يكون منزله?. [آداب اللّباس ] فصل في ذكر آدابهم في اللّباس، قال الله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثّر: 4]، قيل أي فقصّر. روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبيّ صلّى الله [21ظ] تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "إنّ الله يحبّ كلّ متبدل [متبذّل] لا يبالي ما لبس?. وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقطع من كمّه ما جاوز الأصابع. وقال بعضهم: "الفقير الصادق، أي شيء لا يحسن عليه ويكون فيه الملاحة والمهابة?. ومن آدابهم في ذلك أن يكونوا مع الوقت يلبسون ما يجدون من غير تكلّف ولا اختيار، ويقتصرون على ما يؤدّون به الفرض من ستر العورة، وما يدفع الحرّ والبرد، فهي ما استثنى النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم من الدنيا وقال: "إنّها ليست من الدنيا?. ويرمون ] بكثرة اللّباس ويواسون بالفضل، قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ثلاثة يدخلون الجنّة بغير حساب، رجل غسل ثوبه فلم يجد خلفا، ورجل لم ينصب له على مستوقده قدر، ورجل دعا بشرابه فلم يقل أيّها تريد?. وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها قالت: "ما أعدّ رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم من شيء زوجين?. ويجتهدون في النظافة والظرافة، قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "النظافة تدعو إلى الإيمان?. ورؤي على بعض الوفود ثوبا وسخا، فقال: "ما كان يجد هذا ما يغسل به ثوبه?. وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "هب أنّ الفقر من الله، فما بال الوسخ من الشيطان، ثمّ قال: إنّ الله تعالى يبغض الوسخ?. ويكرهون لبس الشهرة من الثياب، ويتبرّكون بثياب المشائخ، روي أنّه صلّى الله تعالى عليه وسلّم دخل بعض بيوته مع أصحابه فامتلأ البيت وجاء جرير بن عبد الله البجليّ، فلم يجد موضعا، فقعد خارج البيت، فأبصره النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فأخذ بعض ثيابه فلفّه ورمى به إليه، وقال له اجلس على هذا، فأخذ جرير الثوب ووضعه على وجهه وقبّله. واختار قوم الاختصار على خرقتين كهيئة المحرم، وكره الجمهور منهم ذلك إلاّ للمحرم، أو بمكّة، لما فيه من الشهرة وإظهار الزيادة على الأقران، ويكره لبس الفرجيّة إلاّ للمشائخ فإنّها بمنزلة الطيلسان والسجادة [22و] والقلانس للمشائخ والبرانس للمريدين، ويستحبّ الاقتصار على ثوب واحد، حكي عن الحريريّ أنّه قال: "كان ببغداد فقير لا تكاد تجده إلاّ في ثوب واحد شتآء وصيفا، فسئل عن ذلك فقال: كنت مولعا بكثرة الثياب، فرأيت في المنام كأنّي دخلت الجنّة، فرأيت جماعة من أصحابنا على مائدة، فقصدتهم، فحال بين وبينهم ملائكة وقالوا: هؤلاء اصحاب ثوب واحد، ولك أثواب، فانتبهت، ونذرت ألاّ ألبس إلاّ ثوبا واحدا حتّى ألقى الله عزّ وجلّ. وقيل للجنيد: كثرة المرقّعات والركى قد أخسّوا هذا المذهب، فقال: "الآن طاب السلوك، يرونكم بأبصارهم، وأنتم في السرّ مع الله?. وكان أبو حاتم العطّار إذا رأى أصحاب المرقّعات يقول: "يا سدتي [سادتي] نشرتم أعلامكم وضربتم طبولكم، فليت شعري في اللّقاء ايّ الرجال يكونون [تكونون] وقال عليّ بن بندار: "ثوب أستجيز فيه الصلاة أكره أن أبدّله للقاء النّاس بخير منه?. [آداب الأكل] فصل في آدابهم في الأكل، قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]??، قال بعضهم: "أدّب الله عباده أن لا يطعموا الفقير إلاّ ممّا يأكلون? وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، وأشار إلى القصعة: "كلوا من حواليها ولا تأكلوا من وسطها، فإنّ البركة في وسطها تنزل?. ومن أدابهم ترك الاهتمام بالرزق وقلّة الاشتغال بطلبه وجمعه ومنعه وادّخاره. قال الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}?? [العنكبوت: 60]، أي لا تدّخروا. وصحّ عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه كان لا يدّخر شيئا ولا يكثر ذكر الطعام، فإنّ ذلك من الشره. حكي عن ريم [رويم] أنّه قال: "لم يخطر ببالي ذكر الطعام منذ عشرين سنة حتى أحضر?. ويقصد عند تناوله سدّ الجوع، ويعطي النّفس [22ظ] حقّها دون حظّها، فإنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم قال: "إنّ لنفسك عليك حقّا?. وقيل لبعض المشائخ: كيف تناول القوم الطعام، فقال: "تناول العليل الدواء يرتجي به الشفاء?، ويمنعها من الشره والنهم لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ما مليء وعاء شرّ من بطن ابن آدم، فإن كان لا بدّ فللث [ثلث] للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس?. ولا يعيب طعام [طعاما] قط ولا يمدحه، وروي عن أبي هريرة قال: "ما عاب النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم طعاما قطّ ولا مدحه، كان إذا اشتهاه أكله، وإلاّ تركه?. وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم?. وروي أنّ الله تعالى أوحى إلى داود عليه الصلاة والسلام: "ما بال الأقوياء ومناولتهم [هـ/ مبادرتهم] الشهوات، إنّما جعلت الشهوات لضعفاء خلقي، إنّ القلوب المعلّقة بالشهوات عقولها محجوبة عنيّ?. حكي أنّ بشر بن الحارث رحمه الله رؤي في السوق فسئل عن ذلك فقال إنّ نفسي طالبتني منذ سنين بخيارة، فمنعتها، ورضيت الآن بالنظر إليها وأعطيتها. ولا يكون لأكلهم وقت معلوم، ولا يتكلّفون ولا يختارون الكثير الرديء على القليل الطيّب النظيف، قال الله تعالى: {فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19]??. ولا يلقم بعضهم بعضا، وإذا حضر الطعام فلا يقول بعضهم لبعض كل، فإنّ الكلّ فيه سواء إلاّ المشائخ لمن دونهم على سبيل البسط لهم وترغيبهم في الخير عند احتشامهم. وأمّا عامّة النّاس فمن آدابهم عرض الطعام عند الحضور، واستدعاء الحاضرين إليه، ولا يأكلون إلاّ ممّا يعرفون وجهه، روي أنّ عمر بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: "نهانا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن إجابة طعام الفاسقين? [23و] فصل، ويتنزّهون عن طعام أرزاق النسوان وأكل طعامهنّ، ولا يكرهون الكلام عند الطعام، فقد قيل: "إنّ ترك ذلك من فعل المجوس?. ثمّ من الآداب عند تناول الطعام التشمّر والجلوس على الرجل اليسرى والتسمية والأكل بثلاث أصابع، وممّا يليه، وتصغير اللقمة وتجويد المضغ، ولعق الأصابع والقصاع، قال جابر: "أمرنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم بلعق الأصابع والقصاع، وقال إنّ أحدكم لا يدري في أيّ طعامه البركة?. ويتر `ك النظر إلى لقمة أخيه، وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "لا يتبعنّ أحدكم بصره لقمة أحد?. فإذا فرغ من الطعام قال الحمد لله الذي جعل أرزاقنا أكثر من أقواتنا. وليس من الظرافة [هـ/ النظافة] أن يغمس يده في الطعام بحيث يتلطّح [يتلطّخ] به، وقال بعض المشائخ: "الأكل مع الإخوان بالانبساط ومع الأجانب بالأدب ومع الفقراء بالإيثار?. وقال الجنيد: "مواكلة الإخوان رضاع، فانظروا من تواكلون?. ويختارون الاجتماع على الأكل لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "الأكل مع الإخوان شفاء?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "شرّ النّاس من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي?. وإذا أكل مع جماعة لا يمسك عن الأكل ما داموا يتناولونه، لاسيما إذا كان متقدّمهم، روي أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم كان إذا أكل مع جماعة كان آخرهم أكلا. سئل بعض المشائخ عن الأكل الذي لا يضرّ، فقال: "أن تأكل بالأمر لا بالهوى?. وقال إبراهيم بن ? شيبان: "منذ ثلاثين سنة ما أكلت شيئا بشهوى?. فصل روي أنّ رجلا تجشّأ عند النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فقال: "اكفف عن جشاك، فأكثركم شبعا في الدنيا أكثركم جوعا يوم القيامة?. وقال الحسن [23ظ]: "كان بليّة آدم عليه الصلاة والسلام في أكله، وهي بليّتكم إلى يوم القيامة?. وقال سهل بن عبد الله: "لأن أترك من عشائي لقمة أحبّ إليّ من إحياء ليلة?. وقال القاسم بن عثمان: "اتّفق أبو سليمان ومضا بن عيسى الشامي وعبد الجبّار ومسلم بن زياد الواسطيّ على أنّ ترك لقمة خير من قيام ليلة?. وقال يحيى بن معاذ: "لو كان الجوع يباع في الأسواق لما كان لطالب [لطالبي] الآخرة أن يشتروا سواه?. وقال: "لو شفعت إلى نفسك بالملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين في ترك شهوة لردّتهم أجمعين، ولو توسّلت إليها بالجوع لانقادت لك وصارت من الطائعين?. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "دخلت على رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وهو يصلّي جالسا فقلت له: ما صابك [أصابك]، فقال: الجوع، فبكيت، فقال: لا تبك، فإنّ شدّة القيمة [القيامة] لا تصيب الجا ثئع إذا احتسب ذلك في الدنيا?. وروي عنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "من أحسّ من نفسه نشاطا فليعذّبها بالجوع والعطش?. ويكره الانتظار عند حضور الطعام، وقد قيل: "قلوب الأبرار لا تحمل الانتظار?، ويكره تفويت الوقت بالاشتغال بالأكل، حكي عن بعضهم أنّه كان يفطر بحسوة يحسوها ويقول: "الوقت أعزّ من أن يشتغل [يشغل] بالأكل?، وكره أكثرهم تلقيم من يخدمهم ممّا بين أيديهم، لا سيما إذا كان ضيفا، فإنّه لا يجوز التصرّف فيما قدّم إليه إلاّ بالأكل. وقد اختلف العلماء في تمليك الضيف ما قدّم إليه، فقال بعضهم يملكه بالإحضار بين يديه، وقال بعضهم بالتناول، وقال بعضهم بالوضع في الفم، وقال بعضهم باستيفاء الأكل بالبلع، قال الجنيد رحمه الله تعالى: "تنزل الرحمة على الفقراء عند الطعام، فإنّهم لا يأكلون إلاّ بالإيثار?. وقال بعض المشائخ: "واجب على المضيف ثلاثة أشياء، وعلى الضيف ثلاثة أشياء، فأمّا الذي على المضيف، فإنّه يطعمه من الحلال، وأن يحفظ عليه مواقيت الصلاة، ولا يحبس عنه ما قدر عليه [24و] من الطعام، وأمّا ما على الضيف، فبأن يجلس حيث يجلس، وأن يرضى بما قدّم إليه، وأن لا يخرج إلاّ بعد الاستئذان?. وروي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم قال: "إنّ من السنّة أن يشيّع الضيف إلى باب الدار?. [آداب النوم] فصل في ذكر آدابهم في النوم، روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "من نام حتّى أصبح، بال الشيطان في أذنيه?. ومن آدابهم فيه أن يجتنب النوم بين جماعة قعود، فإذا غلب عليه النعاس بينهم، فإمّا أن يقوم، أو يدفع ذلك عن نفسه بمحادثة أو غيرها، ولا يتعوّد الانبطاح، فإن كان ممّن له غطيط، فليتعوّد النوم على الجنب، ولا يستلقي، ويجتهد أن يكون نومه لله أو بالله، ولا يكون نائما عن الله، أمّا النائم لله فهو القاصد إلى أخذ بلغة من النوم يستعين به على أداء الفرائض وتحصيل النوافل خصوصا آخر الليل، لما روي في الحديث أنّ الحقّ تعالى يقول في آخر الليل: "هل من داع فأستجيب له، هل من سائل فأعطيه سؤله، هل من مستغفر فأغفر له?، وأمّا النائم بالله، فهو العارف الذاكر، لا تأخذه سنة ولا نوم إلاّ إن يرد النوم عليه من غير اختياره، وهم {الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64]??، وأمّا النائم عن الله، فهو الغافل عنه كما جاء في مناجاة داود عليه الصلاة والسلام: "كذب من ادّعى محبّتي إذا جنّ اللّيل نام عنّي، أليس كلّ حبيب محبّ يحبّ خلوة حبيب، فها أنل مطّلع على قلوب أحبابي?. ومن آدابهم، النوم على الطهارة، والاضطجاع على الشق الأيمن، ويقول: "بسم الله وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت روحي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهمّ قني عذابك يوم تبعث عبادك?. ويذكر الله كلّما انتبه، وإن توضّأ وصلّى ركعتين ثمّ نام كان أولى، ويكره النوم بعد صلاة الصبح حتّى تطلع الشمس، وبعد المغرب، وقيل من أراد قلّة النوم، فليجتنب شرب الماء إلاّ قدر تسكين العطش، ومن كان بين يدي جماعة فناموا، فإمّا أن يوافقهم وينام، أو [24ظ] يقوم عنهم. ويستحبّ القيلولة، ليستعان بها على قيام اللّيل، وقيل: "النوم أوّل النهار خرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق?. وكان بعضهم لا يطجع من اللّيل، وداوم على ذلك ثلاثين سنة، إنّما يستند إلى الجدار عند غلبة النوم ويصوم النّهار. وقال الجنيد: "أتى على السريّ نيّف وثلاثون سنة ما رؤي مضطجعا إلاّ في علّة الموت?. حكي أنّ أبا يزيد البسطا .ميّ، مدّ رجله في المحراب فنودي: من جالس الملوك بلا أدب فقد تعرّض للقتل. [آداب السماع] فصل في ذكر آدابهم في السماع، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ} [المائدة: 83]??. وقال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]??. وقال: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15]??. وقال مجاهد يسمعون. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ حسّن الصوت بالقرآن [هـ/ بالذكر]. وروي أنّه قريء بين يديه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا ( وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا( } [المزمّل: 12-13]??. فصعق النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم. وروي أنّه قريء بين يديه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]??. فبكى طويلا. وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنّها قالت: "كانت عندي جارية تغنّي، فدخل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، وهي على حالها، ثمّ دخل عمر، ففرّت، فضحك النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فقال عمر ما يضحكك يا رسول الله، فحدّثه، فقال لا أخرج حتّى أسمع ما سمعه رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فأمرها فأسمعته?. وسئل ذو النون المصريّ عن السماع، فقال: "وارد حقّ يزعج القلوب إلى الحقّ، فمن أصغى إليه بحقّ تحقّق، ومن أصغى إليه بنفس تزندق?. وقال السريّ: "تظرت [تطرب] قلوب المحبّين عند السماع، ومحان [تحنّ] قلوب التائبين، وتلتهب قلوب المشتاقين?. وقيل: "مثل السماع مثل الغيث، إذا أصاب الأرض الطيّبة تصبح مخضرّة، كذلك القلوب الزكيّة، تظهر مكنون فوائدها عند السماع?. وقيل: "السماع يحرّك ما تنطوي عليه القلوب من السرور والحزن والخوف والرجاء والشوق، فربّما [25و] يحرّكه إلى البكاء، وربّما يحرّكه إلى الطرب?. وقيل: "السماع فيه حظ لكلّ عضو، فربّما فنيت حظوظه وبقيت حقوقه وخمدت بشريّته، وربّما يبكي وربّما يصرخ وربّما يصعق وربّما يرقص وربّما يغمى عليه?. وقيل: "أهل السماع ثلاثة، مستمع بربّه، ومستمع بقلبه، ومستمع بنفسه?. قال بعض المشائخ: "لا يصلح السماع إلاّ لمن كان قلبه حيّا ونفسه ميّتة، فأمّا من كان نفسه حيّة وقلبه ميّتا لا يجوز?. حكي عن بعضهم أنّه قال: "رأيت الخضر عليه السلام، فقلت له ما تقول في السماع الذي عليه أصحابنا?، ف قال: "هو الصفاء الذي لا يثبت عليه إلاّ أقدام العلماء?. وقيل: "السماع مقدحة سلطانيّة لا تقع نيرانها إلاّ فيمن قلبه محترق بالمحبّة ونفسه محترقة بالمجاهدة?. ومن آدابهم في ذلك أن لا يتكلّفوا فيه، ولا يكون لهم وقت معلوم لذلك، ولا يسمعون للتطايب والتلهّي. ثمّ يستمعون ما كان داخلا في أوصاف التائبين والخائفين والراجين، وما يختم على المعاملة ويجدّد لهم صدق الإرادة، ومن لا يعلم ذلك فعليه أن يقصد من يؤدّبه فيه. قيل للنصرآباذي إنّك مولع بالسماع، فقال: نعم، هو خير من أن تقعد وتغتاب النّاس، فقال له أبو عمرو ابن بجيد: هيهات يا أبا القاسم، زلّة في السماع شرّ من كذا وكذا تغتاب النّاس. قال أبو عليّ الروزبادي [الروذبادي]: "بلغنا في هذا الأمر إلى مكان مثل حدّ السيف إن ملنا كذا ففي النّار?. وليس من الأدب استدعاد الحال والتكلّف لقيام إلاّ عن غلبة حال ترد عليه فينزعج، أو يكون على سبيل مساعدة لصادق أو مطايبة، من غير تساكر ولا إظهار حال، وترك ذلك أولى به. وروي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه كان يغط فصعق رجل من جانب المسجد، فقال: "من ذا الملبس علينا ديننا، إن كان صاقا [صادقا] فقد شهر نفسه، وإن كان كاذبا محقه الله تعالى?. ويكره للشّاب القيام بحضرة المشائخ وإظهار الحال، حكي أنّ شابا كان يصحب الجنيد، فكلّما سمع شيئا زعق وتغيّر لونه، فقال له: إن ظهر منك شيء بعد هذا فلا [25ظ] تصحبني. وكان بعد ذلك يضبط نفسه، وربّما كان يقطر من كلّ شعرة منه قطرة عرق أو دم، حتّى كان يوم من الأيّام زعق زعقة فخرج فيها روحه. ولا رخصة للأحداث في القيام والتحرّك أصلا، وأكثر المشائخ يكرهون حضورهم مجلس السماع، وإذا كان الوقت جدا فلا يجوز للمتكلّف المداخلة والمزاحمة على طريق الموافقة أيضا، حكي أنّ ذا النون المصريّ دخل بغداد، فدخل عليه جماعة ومعهم قوّال، فاستأذنوه أن يقول شيئا فأذن لهم، فأنشد القوّال شعرا: صغير هواك عذّبني {} فكيف إذا [ما] احتنكا {} وأنت جمعت من قلبي {} هوى قد كان مشتركا {} أما ثرثى [ترثي] لمكتئب {} إذا ضحك الحلى [الخليّ] بكا. فطاب قلبه وتواجد وسقط على جبهته والدم يقطر من جبينه ولا يقع على الأرض، ثمّ قام واحد منهم فنظر إليه ذو النّون رحمه الله تعالى، وقال: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (} [الشعراء: 218-219]??، فجلس الرجل. والسكون مع حضور القلب وجمع الهم [الهمّة] والوقوف على أحوال المستمعين أولى من المداخلة، لأنّه محلّ الاستقامة والتمكين، والهدوء والإنصات من أدب الحضرة، قال الله تعالى: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف: 29]، {وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا} [طه: 108]??. وإذا اتّفق مجلس السماع، يبدأ بالقرآن ويختم به، حكي عن ممشاد الدينوريّ أنّه رأى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم في المنام، فسأله عن اجتماع القوم، فقال: لا بأس به، ابدؤا بالقرآن واختموا بالقرآن. ويكره للمريد سماع الغزل والأوصاف، فإنّها بعيدة الغور، حكي عن بعض المشائخ أنّه قال: "السماع شهوة في قعر شبهة، لا يحسن تناولها إلاّ عارف ذو بصيرة وفطنة يختلس الشهوة ولا يمسّ الشبهة?. قال الجنيد رضي الله تعالى عنه: "كلّ مريد رأيته يميل إلى السماع فاعلم أنّ فيه بقيّة من البطالة?. وقيل: "السماع صراط ممدود، يقصده صاحب يقين ووجود وصاحب شكّ وجحود [26و] إمّا أن يرفع سالكه إلى أعلى علييّن أو يكبكبه في أسفل سافلين?. وقال بعض المريدين لبعض المشائخ: أليس المشائخ كانوا يميلون إلى السماع، قال: إذا كنت مثلهم فاسمع أنت أيضا. وقيل: "السماع سرور ساعة تزول وهمّ ساعة تطول?. ولا يحضر مجلس السماع من يبتسم أو يتلهّى، حكي عن أبي عبد الله ابن خفيف رحمة الله تعالى عليه، أنّه قال: "حضرت مع شيخي أحمد بن يحيى في دعوة بشيراز، فاتّفق بها سماع فطاب وقت الشيخ، فقام يتواجد ويدور، وكان في صفة بحذاي قوم من أبناء الدنيا، فابتسم واحد منهم، فأخذ الشيخ منارة كبيرة كانت هناك فرماه بها، فأصاب الجدار فانغرس أرجلها الثلاث في الجدار، وكان قد صلّى ثلاثين سنة الصبح بوضوء العشاء?. سئل بعض الصالحين عن شرب القلوب من السماع وشرب الأرواح منه وشرب النفوس منه، فقال: "شرب القلوب من السماع الحكم، وشرب الأرواح النعم، وشرب النفوس ذكر ما يوافق طبعها من الحظوظ?. وسئل عن التكلّف في السماع، فقال: "هو على ضربين، تكلّف من المستمع لطلب الجاه أو منفعة دنيويّة، وذلك تلبيس وخيانة، وتكلّف منه لطلب الحقيقة، كمن طلب الوجد بالتواجد، وهو بمنزلة البكي من التباكي?، قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إذا رأيتم أهل البلاء فابكوا، وإن لم تبكوا فتباكوا?. وقال أبو نصر السرّاج رحمه الله تعالى: "أهل السماع على ثلاث طبقات، طبقة منهم يرجعون في سماعهم إلى مخاطبات الحق لهم فيما يسمعون، وطبقة منهم يرجعون فيما يسمعون إلى مخاطبة الأحوال ومقاماتهم وأوقاتهم، فهم مرتبطون بالعلم مطالبون بالصدق فيما يشيرون إليه من ذلك، وطبقة منهم الفقراء المجرّدون الذين قطعوا العلائق ولم تتلوّث قلوبهم بمحبّة الدنيا والجمع والمنع، فهم يسمعون بطيبه [بطيبة] قلوبهم ويليق بهم السماع، فهم أقرب النّاس إلى السلامة، وأسلمهم من الفتنة?، [26ظ] وكلّ قلب ملوّث بمحبّة الدنيا فسماعه سماع الطبع والتكلّف. وقيل: "يحتاج إلى السماع من كان ضعيف الحال، فإنّ القويّ لا يحتاج إلى ذلك?. وقال الحصيريّ: "ما أدون حال من يحتاج إلى مزعج يزعجه، ولعمري لا تحتاج الثكلى إلى نائحة?. وقيل: "السماع كالغذاء، ولقوم كالدواء، ولقوم مروحة?. وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلميّ، رحمه الله تعالى: "الوجد قد يكون زيادة لقوم ونقصانا لآخرين، فهو كالسلاح يصلح للجهاد في سبيل الله تعالى، ولقتل أولياء الله تعالى، وكذلك الشمس تصلح شيئا وتفسد شيئا آخر?. وقيل: "السماع من حيث المستمع?، فقد سمع بعضهم طوّافا يصيح، يا سعتر [هـ/ زعتر] برى، فأغمي عليه، فسئل عن ذلك فقال حسبته اسمع ترى [ترى] ح. وشمع [سمع] الشبليّ منشد [منشدا] يقول: أسائل عن ليلى فهل من مخبر {} يكون له علم بها أين تنزل، فزعق فقال: "لا والله ما في الدارين عنه محبر [مخبر]. قال الصبحيّ: "يجب أن يكون الواجد، إذا كان وجده صحيحا محفوظا في حال وجده، لا يجري عليه لسان الذمّ بحال?. وقيل: "الوجد سرّ من صفات الباطن، كما أنّ الطاعة سرّ من صفات الظاهر، وصفات الظاهر الحركة والسكون، وصفات الباطن الأخلاق والأحوال?. [حكم الخرق] فصل، وأمّا حكم الخرق التي تقع في السماع، فما كان منها على طريق المساعدة فهي للجماعة، وما كان منها لقول قوّال وإنشاد منشد، فإن لم يكن هـناك جماعة فإنّها للقوّال خاصّة، وإن كان هناك جماعة فقد اختلف [اختلفت] أقوايل المشايخ فيه، فذهب بعضهم أنّها للقوّال، لأنّه لـمّا وجد الفائدة في سرّه من جهته خلع عليه بدلا عمّا أتحفه به، وذهب بعضهم إلى أنّها للجماعة والقوّال فيه كأحدهم لأنّ بركة حضور الجماعة لا تقصر عن قول القائل، وروي أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم قال يوم بدر: "من أتى مكان كذا فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا?، فسارع الشبّان والفتيان، وأقام [27و] المشايخ والوجوه عند ال /ريات [الرايات]، فلمّا فتح على المسلمين طلبوا ما جعل لهم، فقال الشيوخ كنّا ظهرا لكم ورداء فلا تذهبوا بالغنائم دوننا، فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]??، فقسم النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم بينهم بالسويّة. ومنهم من قال: "إن كان القوّال من جملة القوم فهو كأحدهم وليس له الاستيداد [الاستبداد] بشيء منها، وإن كان أجنبيّا فما كان منها له قيمة يؤثر بها، وما كان من مرقّعات الفقراء فهم أولى بها?. ومنهم من قال: "إن كان القوّال أجيرا فليس له منها شيء، وإن كان متبرّعا وله [فله] ما يصلح له منها?، فإذا انقضى وقته [هـ/ وقتهم] جمعوها في الوسط، ثمّ إن كان هناك محبّ لهم فحكمها أن يقوّمها لهم بما يوجب وقته من غير معارضته فيها ولا مناداة عليها، فإنّ ذلك استخفاف بحقّها وبحقّهم، ثمّ إن كان هناك شيخ له حكم فالحكم فيها إليه من تحريف وتبديل وردّ على أصحابها. قال أهل الشام: "الفقير أولى بخرقته?. وأنكر الجمهور منهم ذلك. ومنهم من قال: "ما كان وقع منها على سبيل المساعدة أو مشوبا بالتكلّف فالردّ أولى?. وأكثر المشائخ يكرهون طرح آ الخرقة على سبيل المساعدة لما فيه من التكلّف المباين للحقيقة. وإن لم يكن هناك شيخ له حكم يمضون فيه حكم الوقت ولا يؤخّرون ذلك. ويكرهون تخريق المرقّعات، إلاّ أن يكون تبرّكا، وما كان منها من خرق الفقراء، فما كان منها يصلح للرقاع فتخريقه أولى لكي يصيب الكلّ نصيبا ولا يبقى البعض محروما، ويفرق على الحاضرين دون الغائب، لأنّ الغنيمة لمن شهد الوقعة، وإذا حضر معهم غيرهم فالمجنون منهم يعطون من الخرق. وكيف يقسم ذلك اختلف المشايخ فيه، فقال بعضهم إن كان يقسم ذلك شيخ يقسمه بالتفاضل، وإن كان يقتسمونه فيما بينهم قسموه بالسويّة. وقال بعضهم يقسم عليهم بالتفاضل كقسمة المواريث والغنائم، وما لم يصلح منها للرقاع فالإيثار بها للمستحقّ من الفقراء أولى، وما كان من [27ظ] ثياب المحبّين فالبيع أولى أو الإيثار بها للقوّال دون التخريق. [آداب الزواج] فصل في ذكر آدابهم في التزويج، الأولى أن يرغب في المرأة الدينيّة [الديّنة] الصالحة، قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "تنكح المرأة لدينها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "أعظم النّساء بركة أيسرهنّ مؤنة?. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: "خلق النساء من صعف [ضعف] وعورة، فداوا [فداووا] ضعفهنّ بالسكوت وعورتهنّ بالبيوت?. وآدابهم في ذلك، أن لا يتزوّج للدنيا، ولا بذات يسار، بل للدّين والسنّة والعفّة، ثمّ يقوم بما لا بدّ منه من الكفاية بحسب الطاقة، فإن عجز أو طلبت منه فوق الطاقة خيّرها بين الوفاق على المكتة [المكنة] وإطلاق الفرقة، اقتداء برسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم حيث أنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ ِلأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآيتين??[18]. وكنّ تسعا، فخيّرهنّ رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فبدأ بعائشة رضي الله تعالى عنها، قال: "إنّي محدّثك بحديث فاستشير [فاستشيري] فيه أبائك?، فلمّا أخبرها به، قالت: "أفيك أستشير أبويّ?. فاختارت الله ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم والدار الآخرة، وقالت لا تخبر نساءك بهذا، فقال: "والله لا يسألنّني عن ذلك إلاّ أخبرتهنّ?، فلمّا أخبرهنّ اخترن الله ورسوله، فشكرهنّ الله على ذلك، ثمّ أنزل: {لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}??. الآية[19]. والأولى في زماننا مجانبة التزويج، وقمع النفس بالرياضة، والجوع والسهر والسفر، وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "عليكم بالنكاح، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء?. وقيل لبعض الصالحين ألا تتزوّج، فقال: "لي نفس لو استطعت لطلّقت نفسي?. وقيل لآخر ألا تتزوّج، فقال: "لي نفس لو تمكّنت من تطليقها لطلّقتها فكيف أضمّ إليها أخرى?. وقال بشر: "لو دفعتا [دفعنا] إلى الاهتمام بمؤنة دجاجة ما أمنت على نفسي أن أصبح شرطيّا?. وقال: "مكابدة العفّة أيسر من مصلحة العيال?. وقال: [28و] "رأيت الصبر عنهنّ أيسر من الصبر عليهنّ?. وقال بعضهم: "مقاساة العيال عقوبة التنفيذ للشهوة الحلال?. وحكي أنّ رجلا خطب إلى ميمون بن مهران ابنته، فقال لا أرضاها لك، قال لم، قال لأنّها تطلب الحليّ والحلل، قال فعندي منها ما تريد، قال إذا لا أرضاك لها. وأراد بعضهم تطليق زوجته، فقيل له ما يسؤك منها، فقال العاقل لا يهتك ستر زوجته، فلمّا طلّقها قيل له لم طلّقتها، قال مالي والكلام فيمن صارت أجنبيّة منّي. وروي أنّه صلّى الله تعالى عليه وسلّم لمّا همّ بتزويج فاطمة من عليّ رضي الله تعالى عنهما، فقال له تكلّم لنفسك خطيبا، وقد اجتمع المهاجرون والأنصار، فقال: "الحمد لله حمدا يبلغه ويرضيه، وصلّى الله على محمّد صلاة تزلفه وتحظيه، والنكاح ما أمر الله ورضيه، واجتماعنا فيما أذن الله فيه وقدره، وهذا محمّد صلّى الله تعالى عليه وسلّم زوّجني ابنته على خمسمائة درهم، وقد رضيت، فاسألوه واشهدوا?. وقال عليّ رضي الله تعالى عنه: "ما كان لنا إلاّ إهاب كبس [كبش] نبيت عليه بالليل، ونعلف [نعلّق] عليه الناضح بالنهار?. [آداب السؤال] فصل في آدابهم في السؤال، قال الله تعالى في مدح الفقراء: {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]??. وقال الله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ} [الضحى: 10]??. وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "اعطوا السائل وإن جاء على فرس?. وقال: "لو صدق السائل في سؤاله، لا أفلح من رداه [ردّه]. وقال: "ما صاحب الصدقة بأعظم أجرا من الذي يقبلها إذا كان محتاجا?. وقال: "من يسأل مسألة وهو عنها غنيّ فإنّما يستكثر من النّار?. وقال: "لا تحلّ الصدقة لغنيّ [ولا لذي مره سوى]. وعن عمر رضي الله تعالى عنه، أنّه قال: "مكسب فيه بعص [بعض] الرتبة خير من مسألة النّاس?. وقال الجنيد: "كلّ صوفيّ عوّد نفسه أخذ الأسباب عند وقوع الشدائد فإنّه لا ينفكّ عن رقّ نفسه ولا يحمله [يجمله] الصبر?. وقال أبو حفص: "من تعوّد السؤال ابتلي بالطمع والخيانة والكذب?. وأدبهم في ذلك أن لا يسألون [يسألوا] إلاّ عند الضرورة والحاجة، ولا يأخذون [28ظ] إلاّ بقدر الكفاية. وقال بعضهم: "الفقير إذا اضطرّ إلى السؤال فكفّارته صدقة?. وقيل: "لا يجوز ردّ طالب، إمّا كريم فتصونه، وإمّا لئيم فتصون نفسك عنه وتصون وجهك عن ردّه?. ويكرهون السؤال لأنفسهم، ويستحبّون للأصحاب. وحكي أن ممشاد الدينوريّ كان إذا و Jرد عليه الغرباء دخل السوق وجمع من الدكاكين شيئا وحمل إليهم، ولا يعدّون ذلك سؤالا، لأنّ ذلك من التعاون على البرّ والتقوى. وكان صلّى الله تعالى عليه وسلّم يسأل لأصحابه، ولو كان سؤالا [هـ/ مكروها] لاحترز منه. ويستحبّ بذل الجاه للإخوان، قال بعض المشائخ: "لا يصحّ الفقر للفقير حتّى يبذل جاهه كما يبذل ماله?. وأدب الخادم في السؤال أن لا يرى في نفسه في الأخذ والإعطاء، ويكون معوّله على همم الفقراء، ويكون الوكيل عن الفريقين. قال الشبليّ: "إذا خرجت إلى النّاس للسؤال فلا تراهم ولا ترى نفسك?. وكان الشيخ أبو العبّاس النهاونديّ إذا وفد عليه الغرباء دخل السوق وجمع ما ينفق من الأطعمة ويحملها على يده إليهم، وكان يقول: "منذ عشرين سنة ما أخذت من أحد شيئا، وكان يكره السؤال وينكر على أهله?. قال الجنيد: "لا يصحّ السؤال لأحد إلاّ لمن كان العطاء أحبّ إليهم من الأخذ?. والأولى للخادم أن يستقرض ما يحتاج إليه من نفقة قومه بالمعروف، وينفق عليهم، ثمّ يسأل ويقض sي دينه، فإنّ ذلك أقرب إلى السلامة. وقد رخّص بعضهم لمن يقصد بذلك تذليل نفسه. وقيل: "لا خير فيمن لم يذق طعم إهانة الردّ?. وكان بعض المشائخ لا يأكل إلاّ من السؤال، فسئل عن ذلك، فقال: "اخترته لكراهة نفسي له?. وقيل: "حكم الفقير أن لا يسأل إلاّ لوقت الحاجة، من غير عزم تقدّم ولا عقد تأخّر، لسانه يشير إلى الخلق، وقلبه يشير إلى الحق?. وقيل: "سعي الأحرار [هـ/ الإخوان] لإخوانهم لا لأنفسهم?. وقيل: "الأكل [29و] بالسؤال أجمل من الأكل بالتقوى?. وقيل: "من يسأل وله ما يغنيه حقّ [هـ/ خيف] عليه أن يخاصمه كلّ الفقراء يوم القيامة ويقولون أخذت ما جعل لنا ولم تكن منّا?. [آداب المرض] فصل في ذكر آدابهم في حال المرض، روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "حمّى يوم كفّارة سنة?. وقال للأنصار لمّا حمّوا: "أبشروا فإنّها كفّارة وطهور?. وقال بعض الحكماء: "إنّ في الألم لنعما لا ينبغي للعاقل أن يجهلها، تمحيص للذنوب وتعرّض لثواب الصبر وإيقاظ من الغفلة وإذكار للنعمة في حال الصحّة وتجديد التو بة وحثّ على الصدقة?. وحكي أنّ ذا النّون المصريّ دخل على مريض يعوده، فأنّ أنّة، فقال ذو النّون: "ليس بصادق في حبّه من لم يصبر على ضربه?. فقال المريض: "ليس بصادق في حبّه من لم يتلذّذ بضربه?. حكي أنّ بعض العارفين مرض، فوصف علّته للطبيب، قيل له: أليس هذا شكوى، قال: لا، إنّما هي إخبار عن قدرة القادر [هو الجنيد]. وقال خادم الكليب البخاريّ، قال لي الشيخ يوما: هل ترى على ظاهر جسدي موضعا خاليا من الدود غير اللّسان، فقلت لا، فقال كذلك ليس في داخل جسدي موضع خال من الدور [الدود] غير القلب. واغتسل ممشاد الدينوريّ، فقيل له كيف تجد العلّة، فقال: سلوا العلّة كيف تجدني، فقيل له كيف تجد القلب، فقال: فقدت قلبي منذ ثلاثين سنة. وقال بعض المشائخ: "لأن أعافى فأشكر أحبّ إليّ من أن أبتلى فآصبر?، وقال: قال الله تعالى في قصّة سليمان عليه الصلاة والسلام: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30 و44]??. وفي قصّة أيّوب عليه الصلاة والسلام وبلائه. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "تداووا عباد الله، فإنّ الله لم يخلق داء إلاّ وخلق له دواء?، فقيل له يا رسول الله هل آ ترد [يردّ] التداوي من قضاء الله شيئا، فقال: "هو من قضاء الله عزّ وجلّ?. [آدابهم حال الموت] فصل في آدابهم في حال الموت، قال النبيّ صلّى الله [29ظ] تعالى عليه وسلّم: "أكثروا ذكر هادم اللذّات، فما ذكره عبد في سعة إلاّ ضاقت عليه، ولا في ضيق إلاّ اتّسع عليه?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم عند الموت: "واكرباه?. فقيل إنّما قال ذلك لترك التجلّد على الله، وقيل إخبار عن شدّته ليكون الخلق على حذر من كربته، وقيل إنّما قال ذلك اعترافا بالعجز وتواضعا للتشريع في ذلك، وقيل إنّما قال ذلك لمّا كشف بالموعود ولقاء الملك الودود، فقال واكرباه من زحمة الدنيا وزحمة الخلق، فواكرباه من بقيّة الحجاب متى يكون الوصول إلى ربّ الأرباب. قال الخليليّ: كنت عند الجنيد وقت وفاته، وكان يقرأ القرآن، فقلت له ارفق بنفسك يا سيّدي، فقال أحوج ما كنت إليه الساعة، وهو ذا تطوى صحيفتي وتختم، ثمّ ابتدأ فقرأ سبعين آية من البقرة ومات، رحمه الله تعالى. وحكي أنّ خير النسّاج نظر وقت النزع إلى ملك الموت، فقال: إنّما أنت عبد مأمور وأنا عبد مأمور، وما أمرت به لا يفوتك، وما أمرت به يفوتني، فدع ى بماء فتوضّأ وصلّى ركعتين ثمّ كبّر ومات، رحمه الله تعالى. كان عليّ بن سهل يقول: أتروني أموت كما يموت هؤلاء المرضى إنّما أدعى فأجيب، وكان يوما جالسا إذ قال لبّيك، فمات، رحمه الله تعالى. حكي عن أحمد بن خضروية [خضرويه] أنّه لمّا حضرته الوفاة كان عليه سبعمائة درهم دينا، وغرماؤه حوله، فنظر إليهم ثمّ قال: اللهمّ إنّك جعلت الرهون وثيقة لأرباب الأموال وأنت تأخذ وثيقة غرمائي فاقض عنّي، فدقّ داقّ الباب فقال هذه دار ابن خضرويه، قيل نعم، قال أين غرماؤه، فخرجوا إليه، فقضى لهم، ثمّ خرجت روحه، رحمه الله تعالى. ولمّا حضر أبا عثمان الجيريّ الوفاة مزّق ابنه القميص، ففتح عينيه، فقال: يا بنيّ، خلاف السنّة في الظاهر من رياء الباطن في القلب. وقيل للجنيد عند الموت: قل لا إله إلاّ الله، فقال: ما نسيته فأذكره. وقيل لأبي محمّد [30و] الديلميّ: قل لا إله إلاّ الله، فقال: هذا شيء قد عرفناه وبه يفتى، وقيل Mله ويمرّ ذلك، فقال: لا أحسن غيره. حكي أنّ أبا سعيد الخرّاز كان يتواجد عند الموت، وكان قد مات جميع جسده وبلغت الروح حلقومه وهو يرتجز: حنين قلوب العارفين إلى الذكر {} وتذكارهم وقت المناجاة للسرّ {} وأجسامهم في الأرض تبلى بحبّه {} وأرواحهم في الحجب نحو العلى تسري. وهذا يدلّ على سروره وسكون ضميره. نظر الحسن البصريّ إلى رجل يجود بنفسه، فقال: إنّ امرء هذا آخره لجدير أن يزهد في أوّله، وإنّ امرء هذا أوّله لجدير أن يهاب آخره. وحكي أنّ الشبليّ رحمه الله تعالى، اعتلّ بعلّة فأرجف بموته، فبادر المشائخ ودخلوا عليه وجلسوا حوله، فقال: إيش الخبر، فقال المالكيّ، وهو أجرأهم عليه: جاء القوم إلى جنازتك، فقال: العجب العجب من أموات جاؤوا على جنازة حيّ. وقال أبو بكر الدينوريّ: لمّا حضرت وفاة الشبليّ، فقال على درهم مظلمة تصدّقت بألوف على صاحبه، وما على قلبي شغل أعظم من ذلك، ثمّ قال: فوضّئني، فوضّأته، فنسيت تخليل لحيته، وقد أمسك عن لسانه، فقبض على يدي فأدخلها ف ?ي لحيته، وقد عرق جبينه، ولم يذهب عليه هذا القدر من السنّة، ثمّ مات رحمه الله تعالى. وروي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّه قال: دخلت على عمرو ابن العاص وقد احتضر، فدخل عليه ابنه عبد الله، وقال: يا عبد الله خذ هذا الصندوق، فقال لا حاجة لي فيه، فقال إنّه مملوء مالا، فقال لا حاجة لي فيه، ثمّ قال عبد الله: ليته مملوء فقرا، قال ابن عبّاس، فقلت يا عبد الله كنت تقول أشتهي أن أرى رجلا عاقلا يموت فأسأله كيف يجد، قال كيف تجدك، قال أجدني أرى السماء كأنّها مطبقة على الأرض وأنا بينهما، فكأنّما أتنفّس من خرم أبرة، ثمّ قال: اللهمّ خذ منّي حتّى ترضى، ثمّ رفع يده فقال: اللهمّ [30ظ] إنّك أمرت فعصيت ونهيت فارتكبت، فلا برّ لي فأعتذره ولا قوّة لي فأنتصره، ولكن لا إله إلاّ الله، ثمّ مات رحمه الله تعالى. ولمّا حضر عبد الملك ابن مروان الوفاة، نظر إلى أولاده حوله، وبناته يبكين، فأنشد: ومستخبر عنّا يريد بنا الرّدى {} ومستخبرات والعيون سواجم. [آداب البلاء] فصل في ذكر آدابهم وقت البلاء، قال الله تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40]،?? أي طبخناك بالبلاء طبخا حتّى صرت صفيّا نقيّا. وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إنّ الله ادّخر البلاء لأوليائه كما ادّخر الشهادة لأحبابه?. وقال: "نحن معشر الأنبياء أكثر النّاس بلاء ثمّ الأمثل فالأمثل?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "أحبّ العباد إلى الله شاب عابد ومبتلى صابر وفقير ناشط?. وقال: "إنّ الله تعالى يتعاهد عبده بالبلاء كما يتعاهد الوالد الشفيق ولده?. وآدابهم في ذلك ترك الجزع والشكوى، وملاحظة تمرة [ثمرة] البلوى وما أعدّ الله للصابرين حيث قال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]??. فمن شهد البلاء من المبتلي غاب برؤيته عن وجدان مرارة البلاء وصعوبته. قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]??. ألا ترى أن صواحبات يوسف عليه الصلاة والسلام كيف غبن في رؤيته عن وجدان ألم القطع، ولم يشعرن بشيء من ذلك إلى أن غاب، قال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 31]??. وقيل لبعض الشطّار متّى يهون عليك القطع والضرب، فقال: إذا كنّا بعين من نهوى فعند البلاء رخاء والحفا [الجفا] وفاء والمحبّة م حنة، وأنشد [لبحتون] [لمجنون] ابن عامر: ومن أجل ليلى رحل القوم من لي {} ينضح دما يا حبّذا كنت جانيا {} ومن أجل ليلى أنجع القلب والحشا {} ومن أجل ليلى قربوا إلى [لي] مكانيا {} ومن أجلها سمّيت مجنون عامر {} فدتها من المكروه نفسي وماليا {} فلولاك يا ليلى لما جئت طارقا {} أدور على الأبواب بالذلّ راضيا . وله أيضا: أدلّ لآل ليلى في هواها {} وأحتمل الأصاغر والكبارا [31و]. ولأبي الشيص: وقف الهوى حيث أنت فليس لي {} متأخّر عنه ولا متقدّم {} أجد الملامة في هواك لذيذة {} حبّا لذكرك فليلمني اللوّم {} أشبهت أعزائي [عذالي] فصرت أحبّهم {} إذا كان حظّي منك حظّي منهم {} وأهنتني وأهنت نفسي عامدا {} ما من يهون عليك فمن [في من] يكرم. ألا ترى أنّ هؤلاء كيف يهون عليهم تحمّل البلاء في رؤية محبوبهم وكيف يتلذّذون ويفتخرون به، هكذا من يكون صادقا في دعواه متحقّقا في بلواه، لا يؤثّر فيه تغيّر الزمان وطوارق الحدثان، وقال بعضهم: ذلّ الفتى في الحبّ مكرمة {} وخضوعه لحبيبه شرف. وروي أنّه قيل للحسين [الحسن] بن عليّ رضي الله تعالى عنهما، أنّ أبا ذرّ يقول: إنّ الفقر أحبّ إليّ من الغنى والسقم أحبّ إليّ من الصحّة، فقال: "رحم الله أبا ذرّ، أمّا أنا فأقول من اتّكل على حسن اختيار الله له لم يتمنّ غير الحالة التي اختارها الله له?. وحكي أنّ جماعة دخلوا على الشبليّ وهو في المارستان مقيّد، فنظر إليهم فقال: إيش أنتم، قالوا أحبّاؤك، فرماهم بالحجارة فهربوا، فقال يا كذّابون، تدّعون محبّتي ولا تصبرون على ضربتي، ابعدوا عنّي. ومن آدابهم، أن لا يتهاون ولا يعجز، بل يتجلّد ويصبر، روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، أنّه قال: "المؤمن القويّ أحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا يعجز [تعجز]، فإن أصابك شيء فقل قدّر الله وما شاء فعل، وإيّاك ولو فإنّ لو تفتح باب الشيطان?. وقال ابن عطاء في أوقات البلاء يتبيّن صدق العبد من كذبه، فمن شكر في أوقات الرخاء وجزع في أوقات البلاء من الكذّابين، قال الله تعالى: {ألـم ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (}. إلى آخر الآيتين[20]. وقال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمّد: 31]??. ثمّ إ?نّ البلاء في الإنسان بمنزلة الدباغة [31ظ] يستخرج الرعونات من الإنسان ويصيّره إلى حالة يمكن الاستفادة منه. قال الجنيد: "البلاء سلاح العارفين ويقظة المريدين وهلاك الغافلين. حكي أنّ جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه كان إذا أصيب يقول: "اللهمّ اجعله أدبا ولا تجعله غضبا?. وذلك لأنّ البلاء منه ما يكون تمحيصا، ومنه ما يكون تأديبا، ومنه ما يكون اختيارا، ومنه ما يكون عقوبة وخذلانا. وقال الجريريّ: "البلاء على ثلاثة أوجه، على المخلطين نقم، وعلى الأنبياء والصدّيقين من صدق الاختيارات?. ولا يمكن الوقوف على آدابهم وسيرهم فيهما إلاّ بذكر حكاياتهم، فقد سئل الجنيد ما فائدة المريدين في الحكايات، فقال إنّها تقوّي قلوبهم، فقيل هل في ذلك حجّة من كتاب الله، قال نعم، قوله تعالى: {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ?} [هود: 120]?. [آداب الرخص] فصل في ذكر آدابهم في الرخص. قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إنّ الله يحبّ أن تؤتى رخصه كما يحبّ أن تؤتى عزائمه?. وسئل [سأل] عمر بن الخطّاب رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: م ?ا بالنا نقصر الصلاة وقد آمنّا، فقال: "صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته?. والرخصة منهل يرد علىه المبتدئ من المريدين، ويتخيّر فيه المتوسّط من السالكين، ويستريح إليه الفائز من العارفين، لا يستوطن فيه المحقّقون لأنّها واد مسبّعة كبيرة الآفات، إلاّ على نيّة الرحيل اضطرارا، "فالمرتع [المرتعي] في جانب الحمى يوشك أن يواقع الحمى، ألا وإنّ حمى الله محارمه?، وكلّ من انحطّ عن درجة الحقيقة وقع على طريق الرخصة، ومن سقط منها وقع في الضلالة والجهل. والرخص في مذهب الصوفيّة هو الرجوع عن حقيقة العلم إلى ظاهر العلم، وذلك نقص في حالهم. سئل بعض المشائخ عن سوء أدب الفقير، فقال: "انحطاطه في درجة الحقيقة إلى الظاهر?، وكذلك قال ذو النّون: "رياء العارفين إخلاص المريدين?. وسئل عن ذنوب المقرّبين فقال: "حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين?. رؤي الجنيد بعد موته في المنام، فقيل له ما فعل الله بك، فقال: [32و] وبّخني على كلمة كانت سبقت منّي، وذلك أنّ سنة احتبس عن النّاس المطر، فقال مع النّاس ما أحوج النّاس إلى المطر ]، فقال: ما يدريك أنّ النّاس يحتاجون إلى المطر، تعلمني أنّي خبير عليم، اذهب فلقد غفرت لك. روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: أتي النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فقيل مات فلان من أهل الصفّة فترك دينارين، أو درهمين، فقال: "كينان، صلّوا على صاحبكم?. وقد صحّ أنّ في الصحابة من مات وخلّف مالا جمّا ولم ينكر عليه، وإنّما أنكر هاهنا لأنّه خالف معنى دعواه. ألا ترى أنّ الصلاة طاعة، ولكن لمن لم يكن محدثا، وقراءة القرآن قربة ولكن لمن لم يكن جنبا، فمن صلّى محدثا أو قرأ جنبا استحقّ المقت والعقوبة، وقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "من تشبهه بقوم فهو منهم?. أراد التشبيه بسيرتهم لا بلبسهم، لأنّه روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "من تهيّأ للنّاس بقوله ولباسه وخالف في ذلك أعماله فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين?. ثمّ روي أنّ لهم في رخصهم أدبا وأخلاقا، يحتاج المترخّص إلى معرفتها والمسك بها، ليكون مترسّما برسمهم ومتحلّيا بحليتهم، إلى أن يبلغ مقامات المحقّقين وأحوالهم. ومن رخصهم اتخاد الصيعة [اتّخاذ الضيعة] والاستناد إلى المعلوم .، وآدابهم في ذلك أن لا يتملّكها بل يجعلها في المصالح ولا يزيد نفقته سنة له ولعائلته ولمن يموّنه اقتداء برسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه قال: "كان [كانت] أموال بني النضير ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت له خاصّة، وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدّة في سبيل الله?. ومنها الاشتغال بالكسب لصاحب العيال أو الوالدين، وأدبهم في ذلك أن لا يشغله ذلك في أداء فرائض الله التي أوجبها الله عليه في أوقاتها، ولا يراه سببا للرزق، بل هو معاونة للمسلمين، ولا يشتغل بذلك أكثر أوقاته، بل يجتهد أن يجعل أوقات كسبه من وقت الضحى إلى صلاة الظهر، ثمّ يرجع إلى ما بين [32ظ] صحبه، فيصلّي معهم الخمس إلى ضحوة الغد. وإن فضل عن كسبه من نفقة عياله شيء برّ به إخوانه وصحبه. ومنها السؤال، وأدبهم في ذلك أن لا يسأل إلاّ وقت الحاجة قدر الكفاية لمن يموّنه، ولا يبذل وجهه لمن يهون عليه ردّه، قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إذا سألت فاسأل الصالحي ن?. ويتلطّف في السؤال من غير تواضع لغنيّ من أجل ماله، ويروى عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: لا تخضعنّ لمخلوق على طمع {} فإنّ ذلك وهن منك في الدين {} واستغن بالله عن دنيا الملوك كما {} استغنى الملوك بدنياهم عن الدين {} واسترزق الله ممّا في خزائنه {} فإنّ ذلك بين الكاف والنّون. وما يحصل من سؤاله لا يدعه في ملكه بل يسلمه على عياله ليفرغ قلبه من شغلهم، ولا ينفقه بالسرق [بالسرّ]، ولا يجعل السؤال عادة ومعلوما له. ومنها الاستدانة على الله، وأدبهم فيه [فيها] أن يكون ذلك للمصالح والإخوان وعند الضرورة، ولا يغفل عن الأيتام بالتوجيه والأداء، روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "من أدان دينا وهو ينو [ينوي] أداه [أداءه] وقضاه [قضاءه] ومات ولم يترك وفا، قضى الله لغريمه يوم القيامة?. ومنها حمل الزاد في الأسفار، وأدبهم أن لا يبخل به على من في صحبته ممّن يحتاج، روي عن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أنّه كان في سفرة فأمر أن ينادى: "ألا من كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ألا من كان له فضل طهر فليعد به عل ى من لا طهر له? فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتّى ظننّا أنّه ليس لنا في الفضل الذي بأيدينا حق لغيرنا. ومنها الحجّ عن الغير بالأجرة، وأدبهم في ذلك أن لا يفعل ذلك إلاّ عند الضرورة، ثمّ يجعل نفقته في ذهابه وقفوله من ذلك، لا من السؤال ولا من الأوقاف، قال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "من حجّ عن ميّت كتب للميّت حجّة وللحاجّ براءة من النار?. ومنها الأسفار للدوران في البلاد، وأدبهم في ذلك أن يجعل قصده زيارة أخ في الله [33و] و استحلالا، أو طلب علم، ثمّ يحصل في غربته غرضه. ومنها القيام والحركة في السماع، وأدبهم في ذلك مراعاة الوقت وترك المداخلة والمزاحمة مادام الوقت جدا، وإذا كان طيّبه [أو طيّب] يجوز ذلك على سبيل المساعدة والفسحة والمطايبة، من غير تساكر ولا إظهار تساكر وحال. ومنها المزاح، وأدبهم في ذلك مجانبة الكذب والغيبة والمحكات [المضحكات] والسخف وما يذهب بالمروءة، وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إنّ الله لا يؤاخذ المزّاح الصادق في مزحه?. وعن عليّ رضي الله تعالى عنه أنّه قال: "كان رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم يس ?رّ الرجل من أصحابه إذا رآه مغموما بالمداعبة?. ويكره الإكثار منه، خاصّة لذوي الهيئات، فقد قيل: "لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء فيجتريء عليك?. وكان صلّى الله تعالى عليه وسلّم لا يلتفت إلى أصحابه مخافة أن يراهم يمزحون فيتشوّرون. وكان بعض أصحابه به رمد وكان يأكل التمر، فقال له صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "أتأكل التمر وبك رمد?، فقال يا رسول الله إنّما آكل بالجانب السليم، فضحك صلّى الله تعالى عليه وسلّم. ومنها إظهار العلوم التي لا يبلغ استعمالها، وأدبهم في ذلك طلب الإفادة والنصح والإرشاد، وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "نضر الله امرء سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه?. ومنها لبس المرقّعات المعمولة، وأدبهم في ذلك ترك الشهرة فيها، ولا يضيع أكثر أوقاته في الاشتغال بها وتلفيق بعضها إلى بعض، والتجاوز في ترتيبها، فإنّ ذلك تفويت الوقت بلا فائدة دينيّة ولا دنيويّة، وكان بعض المشائخ إذا رأوا الفقير تجاوز في تزيين مرقّعته ولباسه ا ستزردوه، حتّى قال بعضهم: "لمّا فقدوا الفائدة من بواطنهم اشتغلوا بالظواهر وتزيينها?. ورأى النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم على بعض الوفود ثيابا رثّة، فقال: ألك مال، قال نعم، قال: فلير عليك. [33ظ] فيستحبّ التوسّط في ذلك. ومنها المعانقة عند الملاقاة وتقبيل بعضهم بعضا، وأدبهم فيه أن يكون ذلك مع أشكالهم وجنسهم وأهل الأنس منهم، روي عن أبي الهيتم بن التيهان رضي الله تعالى عنه أنّه قال: "لقيني النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم في بعض طرق المدينة فاعتنقني وقبّلني?. وسئل النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن أصل المعانقة فقال: "إثبات المودّة?. ومنها حبّ الرئاسة، وأدبهم فيه أن يعرف قدر نفسه ويحفظ حدّه ولا يتمنّى فوق قدره ولا ينزل إلاّ في منزلته، فقد قيل: "ينبغي للعاقل أن لا يرفع نفسه فوق قدره ولا يضعها عن درجته?. وقيل: "ارتفاع الجاهل فضيحة كارتفاع المصلوب?. وقيل: "الخمول للجاهل خير من النباهة، لأنّ الخمول ستر لمعايبه والنباهة نشر لمثالبه?. ولا يطلب ما لا يناله فإنّ ذلك يضيع ممّا في يديه. وقيل: "من اقتصر على قدره كان أبقى لجمال وجهه?. وقال بعض t المشائخ: "آخر آفة تخرج من رؤوس الصدّيقين حبّ الرئاسة?. ومنها التقرّب إلى السلاطين والدخول عليهم، وأدبهم في ذلك أن لا يسكن إلى مدح المادحين ولا يغتر بقولهم، فإن مدح بخلاف ما يعرفه من نفسه أعرض عنه، قال الله تعالى ذامّا لمن أحبّ أن يحمد بما لم يفعل: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]??. وفيه دليل على أنّ من أحبّ أن يحمد بما لم يفعل لم يأثم، غير أنّه مخوف [عليه]، فليقل عند ذلك: "اللهمّ اجعلني خيرا ممّا يظنّون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذهم بما يقولون?. ويروى عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنّه سمع مدح مادح له، فقال: "أنا دون ما أظهرت وفوق ما أضمرت?. ومنها تعيير السفهاء بأسلافهم في حال الضجر، والأدب في ذلك ألاّ يكون إلاّ في مقابلة سوء الأدب، ويكون تعريضا لا صريحا، روي أنّ نفرا من [34و] اليهود حضروا عند النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم وآذوه ونقصوا دينه فاشتدّ ذلك عليه، فأنزل الله [تعالى]: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ}??. الآية[21]. فقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "يا إخوان القردة والخنازير?. ومنها إظهار الطاعات والعبادات، وأدبهم في ذلك أن يكون إظهارها ليتأدّب مريد ويقتدي به مقتد، ولا يلتفت إلى قبول الخلق وردّهم، سئل النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن الجهر بالقراءة والإخفاء، فقال: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}. الآية[22]. قلت هذا في الفضائل والنوافل، فأمّا الفرائض فلا خلاف بين أهل العلم أنّ الإظهار أولى. ومنها التبرّز للنزهة، وأدبهم في ذلك أن يرتاد خلوة في كهف أو واد أو موضع يخلو من أنواع المنكرات، لئلاّ يتولّد منه ما لا يقوم بإزالته ثمّ يتشبّه بأصحابه إن أقام في مواضع المنكر، وكان النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم يعجبه النظر إلى الخضرة والماء الجاري. ومنها النظر إلى الملاهي، وأدبهم في ذلك مجانبة المحرّمات والمنكرات منها، فما حرم فعله حرم النظر إليه، روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: "كانت الحبشة تلعب وأنا أنظر إليهم من باب حجرتي والنبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم يسترني بردائه، فلم ينصرف حتّى كنت أنا الذي [التي] أنصرف?. ومنها حضور المجالس التي يجري فيها الخوض في ترهات الكلام، وأدبهم فيه اجتناب الغيبة والمناكير منها، روي عن جابر بن سمرة أنّه قال: "جالست النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم أكثر من مائة مرّة، وكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون من أمر الجاهليّة، وهو ساكت، وربّما يتبسّم معهم?. ومنها تناول الأطعمة الطيّبة، وأدبهم في ذلك أن لا يجعل ذلك عادة، بل يكون ذلك بين فاقة سابقة ورياضة [34ظ] لاحقة ليسلم له ذلك، روي عن عليّ رضي الله تعالى عنه، أنّه قال: "كان رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم يعجبه الثريد?. وروي أنّه يعجبه الطيب والحلوا. وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم قال: "إذا عرض على أحدكم الطيب والحلوا فلا يردّهما حتّى يمسّ منهما?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "انهشوا نهشا وإنّه أهنا وأمرا?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "سيّد طعام أهل الجنّة اللّحم، وسيّد ط rعام أهل الدنيا اللّحم?. ومنها رهن الثياب على الطعام، وأدبهم فيه أن لا يكون ذلك إلاّ عند الضرورة، رهن النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم درعه عند يهوديّ بأوسق من الشعير. ومنها الهرب من الهوان ومن تحمّل الأذى والجفا، وأدبهم في ذلك طلب سلامة الصدر، واجتباب [اجتناب] المعاداة، قال بعض المشائخ: "الفرار ممّا لا يطاق من سنن المرسلين?. قال الله تعالى حاكيا عن كليمه موسى عليه الصلاة والسلام: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} [الشعراء: 21]??. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: "أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودّة من لا ينفعه، وقبل مدح من لا يعرفه?. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ليس للمؤمن أن يذلّ نفسه?. ومنها الانبساط إلى الأصدقاء في قصة [قصد] منارلهم [منازلهم] والألمام [الإلمام] بهم من غير استدعاء، وأدبهم في ذلك تخصيص من يفرح بذلك، ويعرف موضع ذلك من الإكرام، قصد النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم دار أبي الهيتم بن التيهان ومعه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم، فقدّم إليه ما حضر من ?تمر ولبن، فأكلوا وشربوا، وقال: "هذا من النعيم الذي [لا] تسألون عنه?. ومنها المعاتبة مع الإخوان، وأدبهم فيها أن يقصد بذلك إزالة ما وجد من قلبه، لا للتشفّي، بل تطهيرا للقلب من الغلّ والحقد، وقبول عذر [35و] صاحبه، وقد قيل: اقبل معاذير من يأتيك معتذرا {} إن برّ فيما قال عندك أو فجر {} فقد أطاعك من أرضاك ظاهره {} وقد أحبّك من يعصيك مستترا. وقيل: "ظاهر العتاب خير من مكنون الحقد?. روى قنبر مولى عليّ رضي الله تعالى عنه، قال: دخلت مع عليّ على عثمان رضي الله تعالى عنهما، وهو أمير المؤمنين، فاجا [فجاءا] الخلوة وأومأ إليّ عليّ بالتنحّي فتنحّيت ناحية، فأخذ عثمان رضي الله تعالى عنه يعاتب عليّا رضي الله تعالى عنه، وهو مطرق لا يتكلّم، فقال له لم لا تتكلّم، فقال: "إن قلت لم أقل إلاّ ما تكره، وليس لك عندي إلاّ ما تحبّ?. حكي أنّ يحيى بن خالد عاتب عبد الملك بن صالح في شيء كان بينهما، وقال في ضمن كلامه: إنّك لحقود، فقال: "إن كان الحقد عندك بقاء الخير والشرّ في القلب، فإنّهما الثابتان عندي?، فلمّا تراضيا، وقام عبد الملك، قا ل يحيى: هذا أحيل قريش، ما رأيت أحدا زيّن الحقد بعبارته حتّى أذهب سماجته غيرك. ومنها مدح الممدوح وذمّ المذموم، وأدبهم في ذلك أن تحفظ حدود الحق في الحالتين، ولا يتجاوز إلى متابعة النفس والقول بالهوى، روي أنّ رجلين من سادات العرب حضرا مجلس النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فمدح أحدهما صاحبه فأطراه، وقصر صاحبه في تطريته، فوجد عليه من ذلك وغضب، فأخذ يذكر مثالبه، فأنكر النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم ذلك منه، فقال: "يا رسول الله، لئن صدقت في الأولى لما كذبت في الأخرى، والإنسان لا يخلو من مناقب ومثالب، والراضي لا يرى المثالب والساخط لا يرى المناقب?، قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إنّ من البيان لسحرا?. ومنها هجران من يستحقّ ذلك، وأدبهم فيه أن يقصد إظهار الحق وتمحيق الباطل والمعاداة في الله، وهجر النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم كعب بن مالك وصاحبيه لتخلّفهم عند [عن] [35ظ] غزوة تبّوك، وأمر أصحابه بهجرانهم وترك مجالستهم ومكالمتهم، {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}??. الآية[23]. ومنها تخريق المرقّعات على أصحاب المزورين، والأدب في ذلك أن يقصد إبطال تمويهه وتزويره وخيانته وتلبيسه وخديعته، قال الله تعالى: {وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ} [النحل: 94]،?? أي مكرا وخديعة، ومنزلتها منزلة الشعر المزوّر على منتحل نسب الشرف، وأنّه من الأولاد العلويّة، فيجب إنكار ذلك وإظهار قساما [قسما] ادّعاه من النسب، لئلاّ يعزيهم من لا يعرفهم. أمر النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم بهدم المسجد الذي اتّخذوا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإحراقه، لمّا علم قصدهم في اتّخاذ ذلك وإن كان ظاهره مسجدا، قال الله تعالى: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}??. الآية[24]. وأمر النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم بقصع [قطع] نخل بني النضير، وأنزل الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5]. ومنها استجازة الكذب في المصالح، وأدبهم فيه طلب الإصلاح وإظهار الحق، قال الله تعالى في قصّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}? ?[الأنبياء: 63]. وقال في قصّة داود عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: 23]??. حكي أنّ جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه ناظر مرجياء [مرجئيّا/ مرجيّا] عند المنصور، فقال جعفر: أتي النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم بمرجيّ فأمر بقتله، فقال المرجيّ مجيبا له: وأين كان الإرجاء في عهد النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فقال جعفر: فدين لم يكن في عهد النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم من أين جئت به، قال: فبم أجزت الكذب على النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم و[قد] قال: من كذب عليّ متعمّدا فليبوء [فليتبوّأ] مقعده من النّار، فاحتجّ جعفر عليه بقصّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وداود عليه [36و] الصلاة والسلام، فانقطع المرجيء. ومنها زيارة العجائز، وأدبهم في ذلك أن يكون قصده التقرّب إلى الله تعالى والتزاور فيه وطلب البركة والدعاء، روي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه أنّه قال: "قوموا بنا نزور أمّ أيمن كما كان النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم يزورها?. ومنها التكلّف مع أبناء الدنيا والرؤساء والسلاطين والقيام لهم وحسن الإقبال عليهم، وأدبهم في ذلك أن لا يكون طمعا في دنياهم ولا فيما عندهم ولا لاتّخاذ جاه عندهم، كان رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم يدخل عليه سادات العرب فيكرمهم ويبجّلهم ويحسن مجالستهم، وقال: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه?. ومنها البكاء على المصيبة، وأدبهم في ذلك أن لا يكون فيه نوح ولا رفع صوت، بكى النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم عند موت إبراهيم رضي الله تعالى عنه وقال: "إنّ العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول ما يسخط الربّ وإنّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون?. ومنها صحبة الأحداث، وأدبهم فيه ما قد مضى ذكره في باب أدب الصحبة. ومنها إظهار البشر مع من يكرهه قلبه، وأدبهم في ذلك أن يكون القصد فيه طلب السلامة لا رياء ?ولا نفاقا، روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ رجلا استأذن على رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وأنا عنده، فقال: بيس ابن العشيرة، أو بيس أخو العشيرة، ثمّ أذن له، فلمّا دخل ألان له القول، فعجبت من ذلك، فلمّا خرج سألته عن ذلك، فقال: "يا عائشة، إنّ من شرّ النّاس من أكرمه النّاس اتّقاء فحشه?. وينشد لك [ فعى ؟ ] رضي الله عنه: لمّا عفوت ولم أحقد على أحد {} أرحت نفسي من همّ العداوات {} [36ظ] إنّي أحيي عدوّي عند رؤيته {} لأرفع الشرّ عنّي بالتحيّات {} وأظهر البشر للإنسان أبغضه {} كأنّه قد حشى قلبي مودّات {} ولست أسلم ممّن لست أعرفه {} فكيف أسلم من أهل المودّات {} النّاس داء وطبّ النّاس تركهم {} وفي الجفاء لهم قطع الأخوّات {} فخالف النّاس واصبر ما بقيت لهم {} أصمّ أبكم أعمى ذا تقيّات {}. ومنها مقاربة أوباش النّاس على أقدارهم ومقدار عقولهم، والأدب في ذلك طلب السلامة من غوائلهم، وينشد: وأنزلني طول النّوى دار غربة {} إذا أنا لقيت [لاقيت] الذي لا أشاكله {} فحامقته حتّى يقال سجيّة {} ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله. ومنها الاعتضاد بالسفهاء للملمّات ودفع المضرّات، وأدبهم فيه أن يقصد بذلك صيانة نفسه وماء وجهه عن مواجهة غير أشكاله، وقال الأحنف بن قيس: "أكرموا سفهاءكم فإنّهم يقونكم النّار والعار?. روى ابن سيرين أنّه كان بن عمر رضي الله تعالى عنهما يعجبه أن يصحبه سفيه ليردّ سفه السفيه عنه. شعر: تعدوا الذئاب على من لا كلاب له {} وتتّقي مربض المستأسد الحامي. ومنها ذكر من فيه عيب بما يكره، وأدبهم فيه أن لا يذكر من عيوب النّاس إلاّ ما اشتهر منه ليلاّ يكون هتك حرمة مستورة، روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنّها كانت عند رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فدخل عيينة بن حصن من غير إذن، فقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "أين الاستئذان?، فقال لم أستأذن على رجل من مضر منذ أدركت، فلمّا خرج، قلت: من هذا، قال: "أحمق مطاع?. وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم [37و] للمستشيرة في أمر الخاطئين [الخاطبين]: "أمّا فلان فشحيح، وأمّا فلان فلا يضع العصى عن عاتقه?، وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "إنّ فلانا خبيث اللّسان طيّب القلب?. ومنها مواساة الشعراء وأمثالهم، وأدبهم في ذلك أن يقصد صيانة عرصه [عرضه] عنهم وسلامة دينه منهم، وإعطاء سؤلهم وبعض ما مولهم [هو لهم] لكيلا يتأثّموا عليه، وقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ما وفى به المرء عرضه فهو صدقة?. وروي أنّ بعض الشعراء حضر عند رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فأنشد شعرا ذكر فيه قسمة غنائم حنين، فقال: أتقسم نهبي ونهب العبيد {} بين عيينة والأقرع. فقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "اقطعوا عنّي لسانه?. فأعطي خمسا من الإبل. وروي أنّ كعب بن زهير كان قد هجى [هجا] النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، وكان قد هدر دمه ثمّ أتاه مسلما ومدحه بالقصيدة المعروفة، فقال فيها: نبّئت أنّ رسول الله أوعدني {} والعفو عند رسول الله مأمول. فكساه بردته التي كان اشتراها معاوية من [ورثة] كعب، وهي التي يلبسها الخلفاء إلى اليوم. ومنها نهب النثار، وأدبهم فيه مجانبة الشره، وأن يقصد إدخال السرور على صاحبها، روى معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: شهدت املاك رجل من الأنصار مع النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، فخطب [37ظ] عليه الصلاة والسلام واملك الأنصاريّ، ثمّ قال: "على الألفة والخير وللطير [هـ/ للطائر] الميمون، وقعوا على رأس صاحبكم?، وأقبلت السلال فيها الفاكهة والسكّر ينثر عليهم، فأمسك القوم ولم ينهبوا، فقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "ما أرتب الحلم، ألا تنتهبوا?، فقالوا: يا رسول الله إنّك نهيتنا عن النهبة يوم كذا، فقال: "إنّما نهيتكم عن نهبة العساكر وما نهيتكم عن نهبة الولائم?، ثمّ قال: "فانتهبوا?. قال معاذ: فلقد رأيت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم يجرّنا ونحن نجرّه في ذلك النهاب. ومنها الافتخار وإظهار الدعوى، وأدبهم فيه أن يقصد فيه [منه/ به] إظهار نعم الله تعالى عليه، قال الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]??. ويكون ذلك عند غلبات الحال أو مفاخرة ضدّ، قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم عند غلبة الحال: "أنا سيّد ولد آدم ولا فخر، آدم ومن دونه تحت لوائي، لو كان موسى بن عمران حيّا ما وسعه إلاّ اتّباعي?. وكان إذا رجع إلى نفسه يقول: "أنا ابن مرأة كانت تأكل القديد، إنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، هوّن عليك، فلست بملك، إنّما أنا عبد?. وأمّا عند الضدّ فروي أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، لمّا أتاه وفد بني تميم بخطيبهم وشاعرهم ليتفاخروه، دعا النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم ثابت بن قيس، وكان خطيبه، فأجاب خطيبهم [38و] وغلبهم، ودعا حسّان بن ثابت، وكان شاعره، فأجاب شاعرهم، وذكر في قصيدته: بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم {} يعود وبالا عند ذكر المكارم {} هبلتم علينا تفخرون وأنتم {} لنا خول من بين ظئر [ضئر] وخادم. فقال النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "لقد كنت غنيّا يا أخا دارم أن يذكر منك ما ظننت أنّ النّاس قد نسوه?. فكان قوله أشدّ عليهم من شعر حسّان، فقاموا مغلوبين مقهورين، ثمّ أسلموا فأحسن إليهم وكساهم. ومنها الحرد في الضجر عند وجود المحال وما لا يجوز احتماله قولا وفعلا، وأدبهم في ذلك أن يجتنب الفحش والبذاء ويحفظ حدود الحق ولا يتجاوز إلى الظلم، فإنّ الغضب إذا استولى غلب على العقل، قال الله تعالى: {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]??. وقال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "من استجهر مؤمنا فعليه وزره?. وقال الشافعيّ رضي الله تعالى عنه: "من استغضب ولم يغضب فهو حمار، ومن استرضي ولم يرض فهو أحمق?. وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39]??. وقيل في تفسيره كانوا يكرهون أن يستذلّوا فإذا قدروا عفوا. قال الله تعالى: {وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41]?. ويجتهد أن لا يغضب لنفسه قطّ، بل يكون ذلك غيرة للحقّ سبحانه وتعالى [38ظ] وللإخوان، روي أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم لم ينتقم لنفسه قطّ، إلاّ أن تنتهك محارم الله فينتقم لله تعالى. قيل لبعض العلماء: إنّك لتحتمل في نفسك ولا تحتمل في صديقك، فقال: "لأنّ احتمالي في نفسي حلم، واحتمالي في صديقي لؤم?. قال الشي ?خ الإمام جامع الكتاب رحمه الله تعالى: هذا ما حضرني في الوقت من أدبهم في الرخص، ذكرتها على الاختصار دون الإكثار، وابا [أنا] أبرأ إلى الله تعالى من الزلل والغلط وأسأله التجاوز عن ذلك، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أنيب. ثمّ إنّ المذهب له أحوال ومقامات وأخلاق وآداب ورخص، والرخص أدناها، فمن تمسّك بالكلّ فهو من المحقّقين، ومن تمسّك بالظواهر من الأدب والأخلاق فهو من المترسّمين، ومن تمسّك بالرّخص وتأدّب بما ذكرناه من آدابهم فيها فهو من المتشبّهين الصادقين الذين ألحقهم النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم بهم بقوله عليه الصلاة والسلام: "من أحبّ قوما فهو منهم، ومن تشبّه بقوم فهو منهم، ومن كثّر سواد قوم فهو منهم?. هذا إذا لازم الأصول الثلاثة التي اجتمع المشائخ عليها، من أخلّ بها أو بأحدها فقد خرج من أحكام المذهب وتعرّى عنها، وهي: أداء الفرائض، عسيرها ويسيرها، واجتناب [39و] المحارم، صغيرها وكبيرها، وترك الدنيا على أهلها، قليلها وكثيرها، إلاّ ما لا بدّ للمؤمن منها، وهي ما استثنى النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم، منها، فقال: "أربع من الدنيا وليست منها، كسرة تسدّ بها جوعتك، وخرقة تواري بها عورتك، وبيت يقرك [يقيك] من القرّ والحرّ، وزوجة صالحة تسكن إليها، وما سوى ذلك فليس لك فيها حقّ?. قيل للجنيد: ما تقول فيمن لم يبق فيه من الدنيا إلاّ مقدار مصّ نواة، هل يقع عليه اسم التصوّف، فقال: "المكاتب عبد ما بقى عليه درهم?. فمن لازمها فهو من المبتدئين في المذهب، وعليه أن يجدّ ويجتهد في طلب الزيادة والارتقاء الى معالي الأحوال ليصير من المحقّقين. فقال بعض المشائخ: "من شقّ عليه ركوب الأهوال لم يرتق إلى معالي الأحوال، ومن لم يرتق إلى معالي الأحوال لم يبلغ مبلغ [هـ/ مراتب] الرجال?، قال الله تعالى: {وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجنّ: 16]. ومن جانب الأصول أو بعضها، أو انحطّ عن درجة الرخصة، فترك ما ذكرنا من آدابهم، فقد فارق المذهب ونأى بجانبه وحرم عليه أرقاقهم وأوقافهم، ويلزم الجماعة مفارقته وهجرانه وإبعاده وخذلانه، ومن داهنه منهم في شيء من ذلك فهو شريكه في عاره، ولا عذر له فيه، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ [39ظ] فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]. جعلنا الله من العارفين، وألحقنا بالمتحقّقين بمنّه وجوده، وعصمنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ووفّقنا لطلب مرضاته ما خفي منها وما علن، ونفعنا وجميع المسلمين بما جمعنا، ولا جعله علينا وعلى من نظر فيه وبالا، ولا جعل حظّنا من ذلك جمعه وحفظه دون استعماله ومتابعته بجوده وسعة رحمته، إنّه عزّ إسمه قريب مجيب. تمّ وكمل والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا، لا إله إلاّ هو عليه توكّلت وإليه أنيب، يوم خميس بعد ظهر شعبان أوّله، أربعة وسبعين ومائتين وألف مدنيّة. [40و] الحمد لله، نسخه محمّد فؤاد الخليل القاسميّ الحسنيّ، بعد صلاة الظهر من يوم الثلاثاء منتصف شهر المحرّم الحرام عام اثنين وعشرين وأربعمائة وألف من هجرة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. في المقطع الأزهر، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. الهوامش [1] توجد نسخة منه في مكتبة الجزائر: 908 . فهرسة باريس: 1337 . فهرسة برلين: 3084. [2] راجع: طبقات الشعراني: وفيه عبد القادر كنسختنا. 155/1. تاريخ الخلفاء: 294 . الزركلي: 49/4 . بروكلمان: 563/1 . كشف الظنون: 43 . أكبر تواريخ الإسلام: وفيه وفاته 587هـ/ 1191م . هديّة العارفين: 606/5 . [3] كتب في الهامش: المحقّين [4] كتب في الهامش: تلحقه [5] كتب في الهامش: ليست [6] في الأصل تأدبا، ولعلّ ما أثبتناه أوضح. [7] في الأصل: ولا لذي مرء... [8] في الأصل: الهوى، ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [9] في الأصل: ويخمد، ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [10] في الأصل: روت عائشة، ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [11] في الأصل: يمشي، ولعلّ الصواب ما أثبتناه. [12] في الأصل: الروذباريّ. [13] {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ( رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (}. [غافر: 7-9] [14] {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} [الأنعام: 158]. [15] {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ( قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ} [هود: 45-46]. [16] يشير إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69]. [17] {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ ( فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ( فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ ( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ (} [الذاريات: 25-28] [18] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً ( وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (} [الأحزاب: 28-29]. [19] {لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52]. [20] {ألم ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (} [العنكبوت: 1-4]. [21] {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60]. [22] {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271]. [23] {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]. [24] {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 107-108]. --------------- -{آداب المريدين}-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق